لهذه الاسباب لا يضغط نصر الله: ابراهيم ناصرالدين
كثرت التساؤلات في الساعات القليلة الماضية عن جدية التسريبات السياسية والاعلامية حول قرب مغادرة الساحة اللبنانية «محطة» الانتظار باتجاه تسوية رئاسية – حكومية تفصل لبنان عن ازمات المنطقة ، ليتبين لاحقا ان ما يحصل حتى الان مجرد «جس نبض» من اكثر من طرف في محاولة لاستغلال «الوقت الضائع» كل لصالحه ودون دفع اثمان باهظة؟؟
اوساط سياسية معنية بهذا الملف تختصر المشهد الحالي بالقول انه «حركة بلا بركة»، لكن الجميع يتحركون ضمن معطيات جديدة، الرئيس سعد الحريري يزداد ضعفا كما عبر بصدق وصراحة «وألم»النائب وليد جنبلاط، هو يريد مخرجا رئاسيا يعيده الى رئاسة الحكومة حتى لوكان اسم الرئيس ميشال عون، بالنسبة اليه لم يعد مهما هوية الرئيس، هو يعتقد مع مستشاريه ان الوقت لا يلعب لصالحه، سواء في الداخل حيث تتآكل شعبيته لصالح من صعدوا على «اكتافه» بعد استشهاد والده، او في الخارج حيث ادى قرار السعودية الانسحاب من الساحة اللبنانية الى اضعاف موقفه التفاوضي سياسيا على كل المستويات، يضاف الى ذلك ازماته المالية المتلاحقة والتي لايبدو ان ثمة افق لتسويتها وهي تقترب من «القاع»..
من هنا يقرأ رئيس تيار المستقبل جيدا تلميحات الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله العلنية، بقبول عودته الى رئاسة الحكومة ضمن «سلة» متكاملة، وهو كلام سمعه ايضا وفده المفاوض في الحوار الثنائي في عين التينة، وهو يرى في الامر «فرصة» ويجب استغلالها لان «الرياح» في المنطقة لا تجري لصالح «سفن» حلفائه في المملكة وخصوصا في سوريا حيث بات اي حديث عن رحيل الرئيس بشار الاسد مجرد «هلوسة» يتجنب الخوض فيها اكثر المتمسكين في «حبال الهواء»، هو يعتقد ان هذا «العرض» قد لا يبقى مطروحا على الطاولة الى ما لا نهاية، يريد مخرجا ولكنه غير قادر على اجتراحه، الاقدام على ترشيح عون وانتخابه «انتحار» سياسي دون الغطاء السعودي، والانتظار «لعبة» محفوفة بمخاطر خسارة ما تبقى له من «حظوة» ونفوذ في الحياة السياسية اللبنانية التي يريدها جسر عبور لاستعادة مكانته المالية.. ومن هنا صدر التعميم لمسؤولي ونواب «المستقبل» للاكثار من اطلالتهم الاعلامية والترويج لفكرة استعداد تيار المستقبل لتأمين النصاب القانوني لجلسة 28 ايلول دون ان تكون ملزمة بالتصويت له، بمعنى آخر يطلب الحريري «مواربة» من «خصومه» عدم احراجه اكثر، ويطالبهم بتجاوز «عقدة» الميثاقية التي يطالب بها «الجنرال» لانتخابه،»انزلوا الى مجلس النواب انتخبوا «الجنرال» ليس بحاجة لاصواتنا، سنتعامل مع الامر الواقع بشرط ان يفضي هذا السيناريو لعودتي الى رئاسة الحكومة»..
طبعا هذا السيناريو يحتاج الى ترجمة عملية يخشى الحريري حتى الان تقديمها على شكل كلام واضح ومحدد خشية دفع «الثمن» في الرياض، وهو يرى كيف تنقض عليه قيادات تيار المستقبل، وتنفض من حوله في محاولة مكشوفة «لتعريته» سياسيا، وهو يدرك جيدا ان الامر ليس مجرد نزوات شخصية، يعرف بحكم خبرته ومعلوماته من «يدير» الجنرال اشرف ريفي، ويدرك ايضا اي مراكز قوى تحرك الرئيس فؤاد السنيورة، وحده وزير الداخلية نهاد المشنوق ما يزال يقدم نفسه «ناصحا» لرئيس تيار المستقبل، رغم علاقاته ونفوذه القوي داخل المملكة، لكنه ما يزال يتحدث عن «دين» للرئيس الاب في رقبته لا يسمح له «بخيانة» نجله..ولذلك يسعى الحريري الى تفاهم «ضمني» لا يلزمه بشيء مقابل عدم احراجه، وهو سيناريو غير قابل «للحياة» لان خصومه ليسوا «كاريتاس» والتفاهمات التي تؤسس لمرحلة سياسية جديدة في البلاد تحتاج الى قواعد والتزامات واضحة من كافة الاطراف ولا يمكن ان تبنى فقط على «التماسات» بتقديم «خشبة خلاص» لطرف بعينه دون تقديم شروحات كافية حول مرحلة ما بعد الوصول الى «شاطىء الامان»، وهو الامر الذي ما يزال تيار المستقبل قاصرا عن تقديمه…
وفي هذا السياق يأتي موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يعتقد ان الحل لا يكون فقط عبر تسوية ترضي «المستقبل» والتيار الوطني الحر، المسألة ابعد من ذلك فثمة مصالح للجميع يجب اخذها بعين الاعتبار قبل المضي باي تفاهم على المرحلة المقبلة، فتمرير الاستحقاق الرئاسي «ونقطة على السطر» ليست في قاموس رئيس حركة امل الذي يعرف جيدا ان التفاوض مع «الجنرال» صعب عندما لا يكون الاخير في احسن احواله، فكيف اذا كان رئيسا للجمهورية؟ الامر يحتاج الى مقاربة كاملة وواضحة لمجمل مفاصل العملية السياسية وآليات الحكم.. يعرف رئيس المجلس انه لا يستطيع ان يقف في وجه تسوية اقليمية ودولية خصوصا اذا كان حليفه حزب الله راض عنها وتخدم مصالحه، لكنه يعرف ان الامر الان ليس كذلك «والهوامش» المتاحة تسمح بمساومة يعتبرها مشروعة وجزء من «اللعبة» السياسة المحلية التي لا ينكر وجوده احد والجميع شركاء فيها…
وفي القراءة العونية المستعجلة لانتخاب الجنرال عون في 28 ايلول، سباق مع الوقت قبل الانتخابات الاميركية المقبلة، فثمة محاولة لاستغلال ما تعتقده الدوائر المقربة من «الجنرال» بانها اكثر لحظات تيار المستقبل ضعفا، بسبب الارباك السعودي وبسبب استراتيجية الرئيس باراك اوباما غير الآبه بحلفائه في الخليج وغيرهم من الحلفاء التقليديين في المنطقة، وثمة اعتقاد انه بالامكان الان تجاوز «الفيتو» السعودي على عون في الفترة الانتقالية الاميركية، فعندما ستدخل هيلاري كلينتون الى البيت الابيض سيكون انخراطها في شؤون المنطقة اكبر واكثر فعالية بما يتيح لحلفائها العرب واللبنانيين الاتكاء على موقفها للمساومة على الرئاسة والحكومة، وهنا تصبح فرص الجنرال ضئيلة لصالح رئيس تسوية ستشجع الادارة الاميركية الجديدة على انتخابه..
وبحسب تلك الاوساط، فان علامات الوهن السعودية كثيرة ويمكن استغلالها لبنانيا، فالمملكة تركت وحدها في مستنقع اليمن، واذا صحت التسريبات حول محاولة واشنطن فتح قناة تفاوضية مع طهران حول الازمة اليمنية من «وراء ظهر» الرياض، فان هذا الامر سيزيد من القناعة بان السعوديين باتوا خارج دائرة «الحظوة» الاميركية ولا ترى فيهم واشنطن حليفاً، وإنما شريكاً تخضع العلاقة معه لظروف الوضعين الدولي والإقليمي وتقلباتهما «المصلحية».. ولا يقتصر الامر على ادارة اوباما فثمة مناخ عام في واشنطن معاد للسعودية وقد تجسد هذا الامر بتمرير الكونغرس قراراً يسمح لعائلات ضحايا هجوم الحادي عشر من أيلول الارهابي بمقاضاة الأشخاص والجهات والدول الأجنبية للحصول على تعويضات منها لقاء دعمها منفذي تلك الهجمات. لم يرد إسم السعودية في هذا القرار، لكنها تبقى المستهدف الرئيسي من ورائه كون 15 من المنفذين يحملون الجنسية السعودية. اما آخر معالم ارتباك أوباما وإدارته، اتفاقه الأخيرمع روسيا لوقف النار في سوريا ورفض إعلان تفاصيل الاتفاق وحجبه عن الحلفاء، ما يترك اكثر من علامة استفهام عما ستصل اليه حدود التحولات الأميركية…
هكذا يحاول التيار الوطني الحر الضغط حكوميا وفي الشارع على الحريري لترجمة قناعاته الضمنية بضرورة انجاز تسوية تصب في صالحه، النائب وليد جنبلاط «المتوجس» من استعادة الرئيس الاسد لحيثيته ونفوذه يحضه على انجاز التفاهم، الرئيس بري يحاول تحسين الشروط في الوقت «بدل عن ضائع»…حزب الله «يبارك» اي خطوة من تيار المستقبل لفك ارتباط ملف الازمة اللبنانية عن الخلاف السعودي – الايراني، يشك قي قدرة الحريري على ذلك ولكنه يشجعه على الاقدام، هو ليس في وارد الاستجابة لضغوط حليفه «البرتقالي» لممارسة الضغط على النائب سليمان فرنجية للانسحاب، او على الرئيس بري لتسهيل التسوية، ثمة قناعة لدى قيادة الحزب ان حليفيه لن يكونا «حجر عثرة» امام اي تفاهم متى حان الوقت «لقطافه» والى حين يتم التثبت «بالوجه الشرعي» من «ولادته» لا تنازلات مجانية قد تكون «قفزة في المجهول»….
(الديار)