الصحافة الأميركية: الكلّ حلفاء في مواجهة الجيش السوري عامر نعيم الياس
لا صوت يعلو فوق صوت التقدّم الميداني على الجيش السوري والقوات الحليفة له، الجغرافيا تبقى الهمّ الأول والأخير لكافة الأطراف المتصارعة على الأرض السورية، لكن أهميتها تكتسب بعداً إضافياً إذا كان من خسرها هو الجيش العربي السوري، هذا ما خرجت به الصحافة الأميركية الصادرة هذا الأسبوع في تغطيتها لما جرى في معسكرَيْ الحامدية ووادي الضيف في ريف محافظة إدلب في سورية، مع ملاحظة انخراط كافة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة في الحديث عن الأهمية الاستراتيجية لسقوط هذين المعسكرين وتعزيز سقوطهما لأوراق الميليشيات المسلّحة مع أنهما كانا محاصرين لمدة تزيد عن سنتين، وبالتالي ما الذي تغيّر فعلياً من جرّاء هذا السقوط؟!
لسنا في صدد الحديث عن تداعيات سقوط معسكري وادي الضيف والحامدية، لكننا نريد بالتحديد تناول كيفية تغطية الصحافة الأميركية هذا الحدث:
العناوين: «الإسلاميون» «المقاتلون»، «المقاتلون الإسلاميون» عبارات استخدمت في صوغ العناوين الخاصة بصحيفتَيْ «لوس آنجلس تايمز» و«واشنطن بوست» الأميركيتين على التوالي، إذ يُلاحَظ أنه لا يوجد أي إشارة للقاعدة أو الجهاديين فيهما، كون العناوين هي الأكثر حيازةً على اهتمام الرأي العام الذي يكتفي غالبيته بمعرفة ما يجري من خلال المرور على العناوين ليس إلا، وبالتالي فإن التقدم الحاصل في سورية لم تقم به جهات معادية للولايات المتحدة الأميركية، بل مقاتلون يواجهون الدولة السورية، وهذا أمر إيجابي في نظر الرأي العام الأميركي الذي تخوض إدارته حرباً على تنظيمات القاعدة والدولة السورية في الوقت ذاته.
مضمون التقارير: اعترفت الصحف الأميركية بأن المقاتلين الإسلاميين هم أولئك المرتبطون بالقاعدة أي النصرة، إضافة إلى مجموعات «متمردة» أخرى بحسب «واشنطن بوست» التي استمرت في تحيّزها الأعمى في تغطية ما حصل في ريف إدلب وتوصلت إلى استنتاج بأن الخاسر الوحيد هو هو، القوات السورية. فما حصل يمثّل «ضربةً كبيرةً للجيش السوري»، على عكس صحيفة «لوس آنجلس تايمز» التي كانت أكثر موضوعية من زميلتها وأقرّت بأن ما جرى في معسكري وادي الضييف والحامدية يشكل «خسارةً أخرى للنفوذ الأميركي، لكن الخاسر الرئيس هو نظام الأسد»، وهنا نجد أنفسنا في مواجهة المعادلة التالية: كافة الخيارات متاحة ومسموح بها إذا كان الخاسر هو الجيش السوري حتى لو مسّت هذه الخسارة المصالح الأميركية التي يتم الترويج لها في الخطاب السياسي الأميركي الرسمي سواء للداخل الأميركي أو للرأي العام العالمي.
إعلامياً يلاحظ أن الإعلام الأميركي هو إعلام منسجم إلى حدٍّ كبير مع السياسات العامة للنخبة الحاكمة في الولايات المتحدة الأميركية فالتضليل والمعايير المزدوجة سمتان تميزان التعاطي الإعلامي مع كل ما هو معادٍ للسياسات الأميركية للإدرة الحاكمة والنخب، ومنها الحالة السورية التي يراد عبرها الحفاظ على غموض الإدارة في التعاطي مع الأطراف كافة على الأرض من دون تحديد موقف حازمٍ وحاسمٍ منها، بالتوازي مع الرهان على أي مجموعة مهما كانت هويتها لضرب الجيش العربي السوري والدولة السورية بما يضمن تكريس تقسيم الأمر الواقع والتوازنات الحاكمة لهذا التقسيم على المدى المنظور، إذا لم يتح لواشنطن وحلفائها تقسيم سورية بشكل رسمي.
(البناء)