الأكاذيب الأميركية المستمرة
غالب قنديل
شكل الخداع والكذب أداة اميركية متجددة لتسويق الأهداف ولترويج الحملات ولإدارة الحروب ويمكن القول ان مجموع ما صدر عن الإدارة الأميركية من مواقف وبيانات وقرارات بشأن سورية يضم إرثا تراكميا من انواع الكذب وصياغاته
الخطيرة والمضللة التي يسوغ القادة الأميركيون استعمالها في خدمة الهدف الأسمى لسياساتهم وهو تكريس الهيمنة الاستعمارية وحماية القاعدة الصهيونية المدللة في الشرق وتكريس سطوتها ونفوذها بأي ثمن وهذان الهدفان اصطدما منذ أربعين عاما بصد سوري عنيد ومجابهة قوية التزمت بها دمشق منذ توقيع اتفاقيات كمب ديفيد فالإجتياح الصهيوني للبنان ورغم انهيار الاتحاد السوفيتي صمدت سورية بعد ذلك وازدادت صلابة بعد اندحار إسرائيل عام 2000 تحت ضربات المقاومة اللبنانية وصولا إلى فشل جميع محاولات المراودة والابتزاز والتهديد بواسطة حكومات تركيا والخليج وفرنسا وبريطانيا والتي بنيت على الكذب الاحترافي وتكتيكات الاحتضان القاتل في تناوب سعودي قطري تركي فرنسي خصوصا.
عندما وضعت خطة الحرب على سورية كان الهدف كسر محور المقاومة الذي انتصر في حرب تموز 2006 ومرغ هيبة إسرائيل في الوحل لكن نشر الديمقراطية هو العنوان الذي أعطته واشنطن لتلك الحرب وهو عنوان يدعو للسخرية لمجرد التفكير بان اعتى انظمة الاستبداد والتخلف والرجعية في المنطقة هي السند الفعلي للخطة التي وضعتها واشنطن وجلبت لها “فرسان الحرية” من فصائل القاعدة وتنظيمات الأخوان المسلمين في ثمانين بلدا من المنطقة والعالم ليشاركوا في ثورة تمخضت عن أبشع انماط التوحش والبربرية .
اخفى الأميركيون حقيقة ان الحرب على سورية كانت عقابا على احتضان الرئيس بشار الأسد والشعب والدولة في سورية لمقاومة حزب الله وانتقاما من رفض هذا الرئيس لمشاريع الأنابيب العملاقة المشتركة مع إسرائيل وتركيا والموجهة ضد روسيا وإيران بالرغم من الإغراءات السخية واخفوا بالطبع ان تركيع الأسد امام تل أبيب هو الغاية التي حشدوا لها احلافهم تحت شعارات إزاحة الأسد الذي كرست إمبراطورياتهم الإعلامية العملاقة ومنابر عملائهم في كل مكان لتشويه سمعته والنيل من صورته كزعيم استقلالي مناهض للاستعمار تماما كما سبق ان فعلوا مع جمال عبد الناصر وجوزيف تيتو وفيديل كاسترو قبل عقود في اواسط القرن الماضي وكانت كذبتهم المفضلة الزعم بأن ما يدور في سورية حرب أهلية ليخفوا نهائيا حقيقة أنها حرب استعمارية بالوكالة دبرتها ونظمتها وتقودها الولايات ىالمتحدة .
مع اعترافات كولن باول الشهيرة بات من الموثوق ان غزو العراق كان مؤامرة بنيت على ذرائع كاذبة وهي في الواقع كما اعترف إليوت آبرامز كانت خطة لتعويض العجز الإسرائيلي الذي كشفه الهروب من لبنان قبل عام من 11 أيلول التي يتزايد في ذكراها الخامسة عشر عدد الكتاب الأميركيين الباحثين عن خيوط تدبير خفية في ثنايا وقائعها المعقدة والمتشابكة .
الحرب على الإرهاب التي كانت عنوانا انتحلته حكومات دبليو بوش لتدمير واحتلال العراق وأفغانستان ونشر الديمقراطية كان غلاف غزو ليبيا وتدميرها اما في سورية فالحرب على الإرهاب ما تزال الكذبة الأخطر التي يرددها الأميركيون اليوم بعد الفشل والتخبط الكبير الذي استنزف الحكومات التابعة وشتى انماط التحرك ضد الدولة الوطنية السورية بالأدوات الخشنة والناعمة ويبدو صعبا تحقيق الطموح الروسي إلى شراكة فعلية مع الولايات المتحدة في خطة شاملة لاستهداف داعش والنصرة وحيث يستمرالتلاعب الأميركي بمضمون الاتفاق الأخير حول سورية وآليات تنفيذه دليلا وجيها على السعي الأميركي للمحافظة على فرص إعادة توجيه العصابات الإرهابية واستخدامها وحماية نمط من الاستنزاف المديد للدولة السورية برعاية تموضع تركي وإسرائيلي يعيد الدولة السورية إلى عهد فكي الكماشة الجنوبي والشمالي الذي كان قائما خلال الحرب الباردة بقيادة اميركية لمحاصرة القوة السورية المناهضة للهيمنة بواسطة تركيا الأطلسية وإسرائيل.
فرض الصمود السوري تغييرات كثيرة وطور معادلات جديدة مع الحلفاء والشركاء فتضاعفت مخاوف الغرب الاستعماري والكيان الصهيوني من نهوض سورية مجددا ولذلك تظهر يوميا مسيرة اتفاق جنيف ان الكذب والتنصل والخداع هو مضمون النهج الأميركي فلم يكن من دواعي السرور الأميركي الاضطرار للتعاون الصعب مع روسيا وللاعتراف بتهاوي أوهام التخلص من الرئيس الأسد وبعد سقوط وهم الإسقاط وتعثرمحاولات التفخيخ بالتسويات والمساومات يدفع المخططون الأميركيون بخيار التطويق والاستنزاف من جبهتي الشمال والجنوب بواسطة تركيا وإسرائيل بينما يؤلمهم الاضطرار لتوقيع بيان ضد الإرهابيين الذين حشدوهم ودروبهم فكيف بكبس زناد إطلاق القذائف عليهم بغارات جوية مشتركة مع الطيران الروسي الذي يحاصر باب الدار الأميركي في سورية بنباهة شديدة وحذر أشد.