التحركات الاسرائيلية توضح اسباب تحفظ حزب الله على اندفاعة «البرتقالي»: ابراهيم ناصرالدين
الحرب في سوريا دخلت منعطفا مفصليا، الصراع بين محور المقاومة والمجموعات الارهابية وداعميهم الاقليميين والدوليين في ادق مراحلها خطورة في ظل سباق المواعيد الدبلوماسية والميدانية على وقع هدنة «هشة» يدرك الجميع انها اقرب الى «استراحة» بين جولتين .. وما حصل في الجنوب السوري خلال الايام القليلة الماضية يشرح جانبا من استراتيجية دخول حزب الله الى مختلف الجبهات السورية التي يتضح يوما بعد يوم مدى انخراط اسرائيل فيها باعتبارها امتدادا للجبهة المفتوحة مع المقاومة، وقد جاء اطلاق الصواريخ باتجاه الطائرات الاسرائيلية ليؤكد ايضا احتمال خروج الامور عن السيطرة، ما قد يقود إلى عواقب خطرة لن تقتصر مخاطرها على جبهة الجولان المتصلة بشكل وثيق بالجبهة اللبنانية….
هذه الخلاصة لاوساط قيادية في 8آذار، تأتي في سياق محاولة التنبيه الى خطورة ما يحصل بالقرب من حدودنا، فيما يتلهى البعض على الساحة اللبنانية بمعارك جانبية قد تكون محقة، لكنها تأتي في توقيت غير مناسب، الاسرائيليون يستعدون لمواجهة أسوأ السيناريوهات، فيما الرئيس سعد الحريري يخوض حربا دفاعية في الشارع السني لمواجهة «تسونامي» وزير العدل المستقيل اشرف ريفي، «صراع» على «تفليسة» مشروع سياسي كان مدير عام قوى الامن الداخلي السابق «راس حربة» فيه واليوم «يرمي حجر في البئر» الذي شرب منها»، اما الجائزة فستكون زعامة «فارغة» لا تغني ولا تثمن عن جوع بعد ان قررت السعودية ادارة «ظهرها» لمشروع اثبت فشله في لبنان.. في هذا الوقت تجري اسرائيل مناورة واسعة تضمنت إخلاء جزء من مستوطني الشمال وخصوصا من الجليل الأعلى ومن المنطقة القريبة من جبل الشيخ، وتضمنت المناورة الاستعداد لإخلاء السكان تحت صليات من الصواريخ، وأغلق الجيش الإسرائيلي شوارع واستخدم الكثير من جنوده بدور نازحين مدنيين، في إطار الاستعداد لمواجهة »حزب الله«.. وما يحصل هو جزء من مناورة أوسع بدأت يوم السبت واستندت إلى سيناريو يقتحم فيه مقاتلو الحزب الحدود، مع ارتفاع المخاوف من وجود أنفاق..في المقابل يكثف التيار الوطني الحر «مناوراته» الرئاسية ويحشد قواه لتحريك الشارع في 13 تشرين، ولم يتوان عن تعطيل الحكومة، ويهدد باسقاطها، وسبق وعطل طاولة الحوار الوطني، ويتجه الى خطوات تصعيدية تحت عنوان «قلب الطاولة» على الجميع…
هذه المقاربة او المقارنة بين ما يحصل خارج الحدود وفي داخلها، ليست من «باب» الاساءة لاحد، لكن تلك الاوساط تحاول شرح هذا الانفصال المخيف بين الواقع الخطر المحدق بالمنطقة ولبنان، وبين تحرك مجموعات لبنانية وازنة لا تدرك خطورة الموقف، وربما تقدم هذه التطورات شرحا دقيقا حول موقف حزب الله الذي يحاول ان يوازن بين دعمه لحليفه «البرتقالي» في معركته، وبين محاولته «كبح جماح» اندفاعته بما لا يهدد الاستقرار الداخلي المطلوب المحافظة عليه في هذه المرحلة المحفوفة بالمخاطر والتحديات، اما لماذا تتعامل المقاومة بكثير من الحذر ازاء ما يحصل خارج الحدود، فالاسباب عديدة منها دخول الحرب السورية مرحلة جديدة من «الكباش» الاقليمي والدولي ثمة «اختبار لنوايا» الاطراف كافة، في ظل عدم وجود الكثير من الاوهام حول صمود الهدنة..اما دخول اسرائيل على خط المواجهة المباشرة فامر يزيد منسوب «القلق» من نيات اسرائيلية مبيتة في ظل استدعاء 200 ألف جندي من الاحتياط، لاجراء مناورتين الاولى تحت عنوان تعزيز الردع، والثانية مخصصة لردع حزب الله، حاكت سيناريوات قتال في مواجهة المقاومة وإخلاء المستوطنين من المستوطنات القريبة من الحدود مع لبنان..
زاد منسوب القلق في الساعات الاخيرة مع ما اعتبرته اسرائيل قرارا بتغيير «قواعد اللعبة» اتخذ على الطرف الاخر من الحدود بعد اطلاق صاروخين باتجاه الطائرات الاسرائيلية، الامر المهم في تل ابيب ان الدفاعات الجوية السورية أطلقت صاروخين باتجاه الطائرة الحربية الاسرائيلية بهدف إسقاطها، ولم يكن الامر مجرد تهديد «راداري»، وهذا يعني ان ثمة شيئاً ما قد تغير في استراتيجية المواجهة لدى محور المقاومة بناء على معطيات ميدانية تعمل لمصلحته.. وعندما يتحدث مصدر عسكري إسرائيلي عن «جهل» إسرائيلي بهوية الجهة التي أطلقت الصاروخين، باتجاه الطائرات المغيرة على المواقع السورية، يكشف هذا الامر حجم ارتفاع حدة المخاطر المحدقة، خصوصا ان التلميح الاسرائيلي يشير الى امكانية «تورط» حزب الله في الامر، واذا ما صحت المخاوف الاسرائيلية فهذا يعني ان الحزب بات يملك على تلك الجبهة مسألتيين خطرتين للغاية، الاولى القرار بالرد خارج الجبهة المعتادة في الشمال، وفي منطقة كانت ترعاها قواعد الاشتباك مع الجيش السوري، اما المسألة الثانية فهي نوعية وترتبط بامتلاكه صواريخ ارض- جو، وهذا يعني حكما ان سلاحا مماثلا بات موجودا على الجبهة اللبنانية، ما يشكل تجاوزا لقاعدة «السلاح الكاسر للتوازن»، وهنا تستعيد القيادة الاسرائيلية كلاما قاله مؤخرا الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي اكد انه سيأتي اليوم الذي لن يكون مسموحا للطائرات الاسرائيلية بخرق الاجواء اللبنانية. وتبقى الاسئلة مفتوحة على مصراعيها، هل سيؤدي تصاعد التوتر الى «فرملة» إسرائيل ودفعها الى عدم التدخل المباشر في الحرب السورية، وردع اي طموح لفتح جبهة جديدة مع المقاومة؟ أم انها ستتعامل معها كفرصة لدراسة خيارات بديلة أكثر مجازفة لمواجهة التهديدات الكامنة في التطورات السياسية والميدانية الاخيرة في سوريا، علماً ان كلا الخيارين مطروحان على الطاولة؟
وتشرح تلك الاوساط المعادلة بالقول» الدعم الاسرائيلي للمعارضة اذا ما تعرضت الى مزيد من النكسات سيؤدي في نهاية المطاف الى انجرار إسرائيل للمشاركة في الحرب الدائرة هناك، إسرائيل تريد البقاء خارج دائرة القتال في سوريا، وحزب الله والجيش السوري لا يريدان جرها الى المعركة، لكن الحروب قد تقطع دون تخطيط مسبق والاحداث قد تؤدي الى انزلاق الجميع الى مواجهة مفتوحة خصوصا ان الحدود المحاذية للجولان باتت قطاعا ساخنا في الحرب السورية، واي انهيار للمجموعات المسلحة سيؤثر بشكل استراتيجي في إسرائيل التي تعرف ان وراء كل جندي سوري في الهضبة يوجد مقاتل من »حزب الله«، هذا الواقع المقلق يزيد من احتمالات تهور القيادة الاسرائيلية التي تريد ان تحصل على شريط عازل في تلك المنطقة كما تريد ان تحضر على «الطاولة» عندما تنضج التسويات..
المؤشرات السياسية والميدانية عقب الاتفاق الأميركي ــ الروسي تشير بشكل جلي وواضح الى ان إسقاط النظام السوري أو إضعافه بات من المستحيلات، النجاحات الميدانية التي حققها الجيش السوري في الأسابيع الاخيرة بعد نجاحه في اخراج مدينتي داريا والمعضمية من «ساحة الصراع»، او من خلال تطويق مدينة حلب واستعادة زمام المبادرة هناك تفترض حماية هذه الانجازات، حزب الله يخوض هذه المعركة وهو «لاعب» رئيسي مؤثر ولا يرغب في «معارك» جانبية تؤدي الى اضعاف «حديقته الخلفية»، «سلف» الرئيس الحريري موافقة على عودته الى رئاسة الحكومة علها تساعده في معركته في لبنان والسعودية، ومنح الجنرال عون دعما معنويا من خلال مقاطعته «الرمزية» لجلسة الحكومة السابقة، لا يريد الحزب اسقاط الحكومة ولا يحبذ «لعبة الشارع» راهنا، يرغب في تسوية تمنع الانهيار، او الحفاظ على «ستاتيكو» يحفظ الاستقرار «الهش» بانتظار تمرير مرحلة حافلة بالاحداث المتوقعة والمفاجآت…
(الديار)