“قادسية الجنوب”: تفاصيل معركة إسرائيل لتفتيت القنيطرة: علاء حلبي
أيلول آخر محتدم تعيشه مناطق ريف القنيطرة، محاولات إسرائيلية مستميتة لمتابعة تقسيم المناطق الحدودية مع الأراضي السورية المحتلة وتفتيتها عبر زج المسلحين على جبهات القتال وتأمين خطوط إمداد دائمة لهم ومراكز علاج لمصابيهم.
على غرار أحداث شهر أيلول من العام الماضي، بدأت فصائل “جهادية” عدة ابرزها “جبهة النصرة” و “أحرار الشام” هجمات على مواقع الجيش السوري وقوات “فوج الجولان” وعناصر الحماية الأهلية في قرية حضر ضمن مجريات معركة أطلقت عليها تلك الفصائل اسم “قادسية الجنوب”، لتشهد المناطق الواقعة قرب خط الفصل بين الأراضي السورية والأراضي السورية المحتلة معارك عنيفة، تخللتها اربع غارات اسرائيلية استهدفت تل الشعار وتل الشحن وتلول فاطمة، أحد مراكز قيادة القوات الخاصة، لكنها لم تؤد إلى خسائر كبيرة بسبب “الانتشار والتمويه الذي يتبعه الجيش السوري”، بحسب مصدر عسكري. في حين أعلن الجيش السوري إسقاط طائرتين إسرائيليتين إحداهما حربية، على الرغم من نفي اسرائيل .
يؤكد مصدر ميداني أنه قبل شهر من بدء الهجمات تم استقدام جرافات إسرائيلية إلى منطقة الفصل منزوعة السلاح، حيث حُفرت الخنادق ورُفعت السواتر الترابية على ارتفاعات تصل إلى ستة أمتار.
وأوضح أن الهدف من تلك الحفريات كان تأمين مواقع سيطرة المسلحين وإيجاد بنية تحتية لوجستية لهجوم أعلن عنه تحت قيادة “جبهة النصرة” و”أحرار الشام” وجماعة “بيت المقدس”، بالإضافة إلى فصائل مسلحة محلية منها “لواء أنصار الإسلام” و”ألوية الفرقان” و”جماعة جند الملاحم” وغيرها، وهي انطلقت عبر محورين، الأول من طرنجة وجباتا الخشب نحو قبع الحمرية وأحراش حضر التي تطل على قرية حضر، في حين استهدف المحور الآخر تل الأحمر والسرية الرابعة (سرية طرنجة).
وبعد ساعات من انطلاق الهجمات، استعادت قوات الجيش السوري وقوات “فوج الجولان” والفصائل التي تؤازر الجيش السوري زمام المبادرة، فحصنت مواقعها واستعادت جميع النقاط التي تسلل إليها المسلحون باستثناء قبع الحمرية المشرف على قرية حضر، ما جعل القرية محاصرة من ثلاث جهات، فبات مسلحو بيت جن والتلول الحمر يتواجدون من الشرق، وقبع الحمرية جنوبا والأراضي المحتلة من الغرب، وهو حصار عانى منه أهالي حضر العام الماضي قبل أن يتمكنوا من استرداد قبع الحمرية مطلع شهر كانون الأول الماضي.
الصحافي الميداني جعفر ميا، الذي غطى مجريات معارك ريف القنيطرة، أشار خلال حديثه إلى “السفير” إلى أن أبرز ما تم رصده خلال المعارك هو الدعم الكبير الذي تقدمه اسرائيل للمسلحين، حيث شوهدت دبابات وآليات ثقيلة لـ”جبهة النصرة” تسير بشكل اعتيادي قرب حدود الفصل مع الأراضي السورية المحتلة، علماً أن هذه المنطقة هي منطقة معزولة السلاح وفق الاتفاق الذي جرى بعد “حرب تشرين”.
واشار ميا الى أن “قوات الاحتلال الاسرائيلي استنفرت كوادرها الطبية طيلة الاسبوع الماضي، وقامت بنقل جرحى المسلحين عن طريق المروحيات إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة”. وتتجنب اسرائيل في عمليات إسعاف المسلحين تكرار التجربة التي تعرضت لها العام الماضي حين كانت تقوم بنقل جرحى المسلحين بشكل علني في قرية مجدل شمس، ما دفع الاهالي لمهاجمة سيارة إسعاف وقتل مسلحين اثنين كانت اسرائيل تقوم بنقلهما إلى إحدى النقاط الطبية.
وفي هذا السياق، يؤكد مصدر ميداني أنه ونتيجة عمليات الرصد والمتابعة تم توثيق قيام اسرائيل بإسعاف 80 مسلحا خلال 48 ساعة، أعادت منهم 14 قتيلا فارقوا الحياة في مستشفيات الاحتلال الاسرائيلي.
وأشار إلى أن هذا العدد من المصابين والقتلى يعتبر الاكبر بالنسبة للمسلحين خلال هجوم واحد منذ بداية المعارك في القنيطرة، مرجعاً سبب ارتفاع عدد مصابي وقتلى المسلحين إلى الكمائن التي نفذها الجيش السوري و”فوج الجولان” والمجموعات الرديفة خلال تصديها لهجمات المسلحين، إضافة إلى الاستهدافات الدقيقة لتحركات المسلحين بواسطة الصواريخ الحرارية والمدفعية.
وتعتمد قوات الجيش السوري و”فوج الجولان” و القوات الرديفة بشكل رئيسي على ضرب تحركات المسلحين بصواريخ “كونكورس” و”كورنيت”، في حين تشكل صواريخ “تاو” الأميركية أبرز الصواريخ التي يستعملها مسلحو “جبهة النصرة”.
حضر.. ومحاولة استمالة الدروز
تسيطر الجماعات المسلحة على نحو 60 في المئة من مساحة محافظة القنيطرة، إلا أن نقاط تمركز المسلحين تقع بشكل رئيسي قرب شريط الفصل بين الأراضي السورية والأراضي السورية المحتلة، كذلك تسيطر قوات الجيش السوري على جميع الطرق الرئيسية للمحافظة. ويحاول المسلحون منذ العام 2013 وحتى الآن تفتيت المحافظة والسيطرة على الطرق الرئيسية، الأمر الذي يفسر الهجمات المتتالية على مواقع الجيش السوري.
وتشكل قرية حضر أحد ابرز التجمعات السكانية قرب الشريط الفاصل، والتي شكلت “شوكة في حلق المسلحين”، وفق تعبير مصدر عسكري سوري.
ويوضح المصدر أن قوات “الاحتلال الاسرائيلي تقوم بين الحين والآخر بإرسال دعوات لأهالي القرية، الذين ينتمون للطائفة الدرزية، تخطرهم فيها بأنها قامت بتـأمين طرق آمنة لنقلهم إلى الأراضي المحتلة وابعادهم عن مناطق الحرب، إلا أن موقف الأهالي الوطني وإصرارهم على الدفاع عن قريتهم ومناطقهم جعل من القرية رقماً صعبا في المعارك الجارية في الجنوب السوري”.
وشكل أهالي القرية قوات دفاع أهلية منذ اندلاع الأحداث في الجنوب السوري، كذلك تمكنوا العام 2015 من فتح طريق ترابي يصل قريتهم بقرية حرفا، وقد تعرضوا منذ العام 2013 إلى هجمات عدة، كذلك استُهدِفوا بمئات القذائف والصواريخ. وفي الهجوم الأخير على قبع الحمرية، انضم المئات من المواطنين المتطوعين من محيط دمشق، وبالأخص من جرمانا وصحنايا، إلى قوات الدفاع الأهلية.
بالإضافة إلى حضر، يحاول مسلحو “النصرة” وحلفاؤهم ومن خلفهم إسرائيل، ضرب ابرز مواقع الجيش السوري في مدينة البعث وخان أرنبة. ويرى مصدر ميداني أن قيام الجيش السوري باستهداف طائرات العدو الاسرائيلي يشكل رسالة عسكرية وسياسية واضحة مفادها أن “الجيش السوري لن يسمح أبدا بتحقيق اختراق فعلي للجبهة، كما لن يسمح بتشكيل “محمية اسرائيلية” في خاصرة سوريا الجنوبية، خصوصا وأن الجيش السوري يتمتع بشعبية كبيرة في أوساط قرى القنيطرة، كما يشارك متطوعون وقوات رديفة، تم تشكيل بنيانها الرئيسي من أهالي ريف القنيطرة، في عمليات الدفاع عن المنطقة، كذلك تشكل الصواريخ السورية رسالة عسكرية تؤكد استعداد قوات الردع الجوية لأية معركة محتملة، برغم تعرض عدة مراصد جوية سرية لهجمات من قبل الفصائل المسلحة خلال سنوات الحرب الخمس الماضية.
في الوقت الحالي، يسود محاور المعارك في ريف القنيطرة هدوء حذر، تتخلله عدة رمايات تمهيدية نحو مرتفعات الحمرية، والتي من المنتظر أن تشن قوات الدفاع الأهلية في حضر هجمات لاسترجاعها بهدف تأمين القرية، خصوصا بعدما قامت اللجان بشن هجوم يوم الاثنين الماضي واستعادت من خلاله نحو 60 في المئة من المرتفعات، قبل أن تستقدم “جبهة النصرة” تعزيزات لها، ما دفع اللجان إلى التراجع نحو نقاط خلفية.
كذلك تتابع طائرات الاستطلاع الاسرائيلية تحليقها على الشريط الحدودي لرصد تحركات الجيش السوري والفصائل التي تؤازره، في وقت بدأت فيه الخلافات تحتدم بين صفوف الفصائل المسلحة نتيجة الخسائر الكبيرة في صفوفها وعجزها عن انتشال جثث عدد من مقاتليها التي لا يزال بعضها مرميا على أرض المعركة، حيث سجل انسحاب مجموعات تابعه لـ”جيش اليرموك ـ الجيش الحر” و”الوية المعتز بالله”، وفق ما أكد “الإعلام الحربي”.
(السفير)