الصلابة الروسية والشروط الاميركية
غالب قنديل
الرسالة التي وجهها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في حلب شكلت ردا صاعقا على الرسالة التي سربها الاميركيون وقد قال المسربون ان مايكل ريتني المسؤول الاميركي عن عصابات الارهاب في سورية وجهها الى قادة تلك الجماعات التي تدعمها الولايات المتحدة من فصائل القاعدة والاخوان ونشرتها امس الوكالات والصحف وهي تعرض الرؤية الاميركية لشروط اتفاق وقف العمليات القتالية الجاري التفاوض حوله بين وزيري الخارجية الاميركي والروسي ولاسيما في حلب وفي التفاصيل الميدانية تغيرت الخارطة العسكرية خلال ساعات باستعادة الجيش السوري وحلفائه للمواقع التي احتلها الارهابيون مؤخرا واعتبرت انجازات بنيت عليها الصيغة الاميركية التي واجهت رفضا روسيا واضحا خصوصا لجهة القيود على حركة الجيش العربي السوري وحلفائه بينما مهد الرئيس أوباما لاحتمال عدم التوصل الى اتفاق شامل بالترويج لحد ادنى مقبول من وجهة نظره وصفه بالهدنة الانسانية .
وفقا للمعطيات المتوافرة تتركز الخلافات الروسية الاميركية على مجموعة من النقاط الرئيسية بسبب التعنت الاميركي وليس بسبب انقلاب روسي على التفاهمات كما تزعم الرواية الاميركية ويبدو ان تلك الخلافات التي لازمت جولات التفاوض السابقة بين جون كيري وسيرغي لافروف شكلت عقب اخيل ولن يبقى على الارجح سوى التأكيد في البيانات المشتركة على التعاون في مكافحة الارهاب والسعي الى الحل السياسي واحياء مفاوضات جنيف السورية كما جرى في الجولات السابقة لكن انجازات الجيش السوري في جبهات حلب تغير قواعد الصراع والتفاوض وتضع الولايات المتحدة في موقع صعب بعد حرمانها من ورقة انتشار العصابات التي تدعمها خارج الاحياء الشرقية لمدينة حلب منذ هجومها على الكليات العسكرية التي طردت منها يوم امس.
الكلام الاميركي عن مناطق عازلة ومنزوعة السلاح هو محاولة متجددة لتثبيت مواقع الارهاب في الجغرافيا السورية ليصار بعدها الى تزويدها بالسلاح والمال كما جرى سابقا خلال فترات وقف القتال الذي خرقته العصابات الارهابية بعد استثمار الهدن المتكررة في عمليات تحضير وحشد ودعم خارجي بإشراف اميركي لإطالة امد استنزاف الدولة السورية ولمحاولة احياء افكار الفدرالية والتقسيم وتحويل سلطات الامر الواقع في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة والتي يقيمها الارهابيون المرتبطون بحلف العدوان الى شريك في العملية السياسية كما تقترح معاهد التخطيط الاميركية.
ان عدم تضمين اي اتفاق لوقف العمليات تدابير صارمة وموثوقة وتحت رقابة نزيهة ومقبولة من الدولة السورية لإغلاق المعابر الحدودية التي يأتي عبرها السلاح والمال والمسلحون من تركيا والاردن وفقا لما تطرحه روسيا يعني ترك الباب مفتوحا لانقلابات متكررة قد يدبرها الاميركي على الاتفاقات كما جرى سابقا وبالتالي اختبارات للأوهام وموجات تصعيد متجددة وهذا ما يبحث المسؤولون الروس عن التزامات وتغييرات ميدانية بصدده.
المنصات الاردنية للعدوان على سورية ما زالت تعمل ولم تجر اي عملية تفكيك للمنصات القائمة في تركيا واذا كانت القيادة التركية تبدو وقد باشرت تموضعا ميدانيا يستهدف قوات الحماية الكردية ويرفع يافطة محاربة داعش فان المواقف التركية التي تحمل تصريحا بنوايا انفتاح على الدولة السورية ما تزال حبرا على ورق ولا يمكن اعتبار الفصائل الارهابية التي ترعاها انقرة خارج التصنيف الارهابي بتعديل وظيفتها بأمر المشغل التركي ولا مشروعية لكل ما يقوم الجيش التركي داخل سورية حسب الموقف السوري المعلن والمدعم بموقفي روسيا وايران المعلنين كذلك ولا اساس للأوهام التي تروج بهذا الخصوص في اي مقاربة واقعية بفعل تضارب التصريحات وعدم اتخاذ خطوات عملية تعني انسحاب تركيا من حلف العدوان على سورية بقيادة الولايات المتحدة.
تتضمن الصيغة الاميركية المسربة تقييدا لحركة الجيش العربي السوري على ارض بلاده وفي اجوائها وهذا حق سيادي سوري لا يقبل المساومة وهو امر واضح لدى الحليف الروسي وبالإضافة لكل ما تقدم فان عملية الفرز في لوائح الفصائل المسلحة ما تزال اسيرة المراوغة الاميركية التي لا يكفي لنفيها كلام جون كيري عن جبهة النصرة وجوهرها القاعدي بعد تغيير اسمها الذي كان تلاعبا اميركيا قطريا تركيا سعودية مع استمرار التبني الاميركي لعشرات الفصائل ذات الهوية القاعدية كأحرار الشام وجند الاقصى ومثيلاتها وما يجري في ريف حماه هو تحريك لتلك الفئة من الارهابيين بدعم اميركي سعودي لتعويض الخسائر اللاحقة بالعصابات في غوطة دمشق.
حتى لو تمت تسوية تلك الخلافات يبقى الاختلاف الاميركي الروسي حول العملية السياسية حائلا دون الاعلان عن اتفاق شامل بفعل التصميم الاميركي على وضع شروط تمثل مسا بالسيادة السورية وتخالف تفاهمات فيينا من خلال دس تعبيرات وصياغات مكرسة لتفكيك الوحدة الوطنية السورية والتدخل في طبيعة دور الرئيس بشار الاسد وموقعه وحقوقه الدستورية بعد ما يسمى بالمرحلة الانتقالية والتصلب الاميركي في هذا المجال يمثل تعبيرا عن السعي الاميركي للنيل من صلابة الصمود السوري وللبحث عن صيغ تحجب فشل العدوان الكوني على دولة مستقلة وقف رئيسها بعناد وشجاعة مدافعا عن سيادتها واستقلالها مع غالبية شعبها وقواتها المسلحة وافشل الخطط الاميركية لإخضاعها .
روسيا تعرف معنى الصراع مع الامبراطورية الاميركية ومشاريع الهيمنة وقيادتها تدرك ان مقاومة سورية لتلك المشاريع هي القاعدة الصلبة للمعادلات الدولية الجديدة ولذلك يتصرف المفاوضون الروس بنباهة وحزم من غير ان ينعوا التعاون الذي فرضه الميدان السوري على الدولة التي تقود فصلا خطيرا من حرب كونية غايتها موسكو اذا نجحت في النيل من دمشق والسؤال الذي يفترض طرحه باي عين يتحدث اوباما عن التعاون مع روسيا ولم يجف بعد حبر العقوبات الاميركية التي تستهدفها وقد اصدرتها ادارته عشية سفره الى الصين للمشاركة في قمة العشرين وهذا نموذج للوقاحة الاميركية المصاحبة لجميع فصول العدوان على سورية.