«ثغرتان في حلب» لأميركا.. مقابل رأس «النصرة»! خليل حرب – علاء حلبي
ما عجزت عنه ليالي التفاوض في جنيف، لم تحسمه لقاءات مدينة هانغتشو الصينية، أقله إلى أن يلتقي الرئيسان باراك أوباما وفلاديمير بوتين، أو الوزيران جون كيري وسيرغي لافروف، على هامش قمة العشرين اليوم، لبت تسوية سورية، كادت أن تعلن وتعثرت في لحظاتها الأخيرة، لكنها تطرح من خلال عناوين لها جرى تسريبها، شبهات كثيرة حول الأهداف المتوخاة منها فعليا.
«الثغرة» التي كان المبعوث الأميركي مايكل راتني يعد فصائل المعارضة المسلحة بها في الراموسة، في الجنوب الحلبي، سارع الجيش السوري إلى إغلاقها فعليا أمس. الثغرة الأخرى التي يريدها الأميركيون الآن، في الكاستيلو، في الشمال الحلبي، بإخراج الجيش السوري والحلفاء منها، بعدما استردوها منذ أسابيع قليلة، وقدموا من أجلها الكثير من الدم والتضحيات.
الرسالة – المشبوهة التي حصلت عليها «السفير»، والموجهة من المبعوث الأميركي الخاص لسوريا مايكل راتني إلى المعارضة المسلحة، تشي بالكثير من النوايا الأميركية، ليس أقلها إفراغ الإنجازات العسكرية التي تحققت سواء في الجبهة الجنوبية لحلب أو في الكاستيلو شمالا، من مضمونها.
خيانات «رفاق السلاح» لبعضهم البعض، وتبادل الاتهامات بالتخاذل والانسحاب من معركة حلب، بين الفصائل المعارِضة، تركت على الأرض وقائع جديدة. الجيش السوري أحكم طوق حلب مستفيدا من انسحاب فصائل مسلحة من جبهة حلب الجنوبية تلبية للنداء التركي للمساعدة في الغزو شمالا. أما «أحرار الشام» فقد دخلت في مواجهات مسلحة مع «جند الأقصى» في أريحا، في منطقة إدلب بعدما ارتأت «الجند» منفردة فتح جبهة حماه ضد الجيش السوري قبل أيام. «أحرار الشام» وفصائل أخرى تحالفت بالأمس لتشكيل ما اسمته «جيش حماه»، ما ينذر بنقل نيران الحرب من الجبهات الحلبية، إلى نواحي حماه. تشتت الفصائل هذا، وتعدد الأهداف والولاءات الخارجية، ما بين جبهات حلب وحماه بالإضافة الى جرابلس والراعي لقتال «داعش» والأكراد، كان أثره واضحا في الميدان.
«شياطين التفاصيل» التي عطلت تفاهم كيري ولافروف قبل نحو أسبوع في جنيف، ظهرت أمس. يومها، تحدث لافروف عن أنه تحدث مع كيري منذ بداية العام 2016، أكثر من 40 مرة ووصف الرقم بأنه لا سابقة له. كما تحدث الوزيران بوضوح عن وجود «تفاصيل» فنية قليلة بحاجة الى اتفاق خبراء الدولتين، وكان من المقدر أن تعلن تسوية ما في هانغتشو الصينية أمس الأحد، وهو ما لم يحصل. خرج الأميركيون ليقولوا إن الروس تراجعوا. وقال مسؤول بارز في وزارة الخارجية الأميركية: «تراجع الروس عن بعض القضايا التي اعتقدنا أننا اتفقنا عليها، ولذلك سنعود إلى عواصمنا للتشاور»، مضيفاً أن كيري ولافروف سيلتقيان مجدداً على هامش القمة اليوم.
ولم يكشف المسوؤلون الأميركيون ولا الروس عن النقاط الخلافية التي طرأت. لكن كان من اللافت للنظر أن رسالة المبعوث الأميركي مايكل راتني التي تحمل تاريخ الثالث من أيلول 2016، والموجهة الى ما يسمى «فصائل المعارضة السورية المسلحة»، والتي حصلت «السفير» على نصها، تتناول العديد من تفاصيل الشياطين هذه، لعل أخطرها البنود المتعلقة بفتح طريقَي الكاستيلو والراموسة وفرض ترتيبات عسكرية معينة فيهما، بما فيها انسحاب قوات الجيش منهما.
التدقيق في رسالة راتني يشي بالكثير، سواء في لغة مخاطبة الأميركيين لفصائل مسلحة مشبوهة بهويتها التكفيرية، عبر وزارة الخارجية، او في مقدمة الرسالة التي يقول فيها: «لا شك أنكم الآن قد سمعتم عن الاتفاق الذي نقترب من التوصل إليه مع روسيا والذي يمكن أن يتم الإعلان عنه قريباً»، في أسلوب أقرب الى التبليغ منه الى التخاطب مع طرف شريك في الحرب والمفاوضات. كما تشي الرسالة باستمرار المماطلة الأميركية في الحسم بـ «إرهاب» «جبهة النصرة» التي أشار إليها الديبلوماسي الأميركي بأنها «ذريعة» تستخدمها روسيا والنظام لقصف المعارضة والمدنيين!
قمة هانغتشو
وبكل الأحوال، هذا بعض ما جرى في مدينة هانغتشو الصينية. فقد ذكرت وزارة الخارجية الأميركية صباح أمس، أن التوصّل إلى اتفاق «أصبح قريباً» مُرجّحة أن يُعلنه كيري ولافروف خلال النهار، إلا أنها أقرّت بعد ساعات بأنه لم يتمّ التوصّل إلى اتفاق.
وقال مسؤول بارز في وزارة الخارجية: «تراجع الروس عن بعض القضايا التي اعتقدنا أننا اتفقنا عليها، ولذلك سنعود إلى عواصمنا للتشاور»، مضيفاً أن كيري ولافروف سيلتقيان مجدداً على هامش القمة غداً.
وعقب لقائه رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي قبل القمة، أعلن اوباما أن واشنطن تتفاوض مع روسيا على وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا، لكنّه أكد أن هذه «المسألة مُعقّدة للغاية».
واعتبر اوباما أنّ «جمع كل القوى المُختلفة في سوريا ضمن هيكل متماسك للتفاوض هو أمر صعب، ولكنّ المُحادثات مع الروس أساسية»، مشيراً إلى أنه «حتى لو اقتصر الأمر على حصول الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء على الطعام والإمدادات الطبية التي تُعينهم في رعب التفجيرات المستمرة، فان الأمر يستحق العناء».
واشنطن وموسكو
وأعلن كيري في ختام لقائه مع لافروف أمس: «اتفقنا على الكثير من المسائل الفنية، وسنُراجع بعض الأفكار الليلة، ومن بينها مسألتان صعبتان يجب معالجتهما، وسنعود ونرى أين وصلنا». وأضاف: «لن نتسرّع»، مؤكداً أهمية التوصّل إلى اتفاق «لإنهاء هذه المهمة».
في المُقابل، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أنه «لا يُوجد أي أساس للشكّ في نجاح المُباحثات.. لا يُوجد أي سبب للاعتقاد بأن كل شيء سينهار»، لكنه شدّد على أن «الديبلوماسية تتطلّب في بعض الأحيان، بعض الوقت».
وأضاف ريابكوف أن الاتفاق «يُمكن أن يُجيب على أسئلة كثيرة حول مكان تواجد الإرهابيين الذين يُشكّلون تهديداً بما في ذلك لروسيا، ومن يجب تصفيتهم؟ وأين يتواجد أولئك الذين لا يعتبرون سلطات دمشق شرعية، لكنهم مستعدون للمشاركة في العملية السياسية؟».
ولم يشرح أي من الطرفين النقاط العالقة بينهما. فبينما برّر كيري بأنه «لا يُريد الإسراع بالدخول في أي اتفاق حتى لا يراه يفشل مرة أخرى»، أكد ريابكوف أنه على واشنطن التبرؤ من «النصرة».
ومع بداية المحادثات، كان المسؤولون الأميركيون متفائلين حيال الاتفاق، حيث دعوا الصحافيين لحضور الإعلان المُشترك عن توقيع الاتفاق. إلا أنه وقبل لحظات من خروج كيري للإدلاء بتصريحه، أزيل المنبر المُخصّص للافروف، فوقف كيري وحيداً ليُعلن عدم التوصّل إلى اتفاق. وأُلغي المؤتمر الصحافي الذي كان مُخصّصاً لمناقشة الاتفاق.
ومن المعلوم ان وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر ورئيس جهاز الاستخبارات جيمس كلابر يبديان شكوكهما حول تبادل المعلومات الاستخبارية مع موسكو حتى في شؤون مكافحة الارهاب.
وأشار ريابكوف إلى ان «العديد من المجموعات التي تعتبرها واشنطن مقبولة، هي في الحقيقة تابعة للنصرة. وتستخدمهم النصرة لتتجنّب استهدافها».
(السفير)