جنبلاط «يُغامر» في ملف العسكريين والهدف «ثقة التكفيريين»؟؟ ابراهيم ناصرالدين
لماذا يخاطر النائب وليد جنبلاط في تدخله الى حد التهور في ملف العسكريين المختطفين؟ وهل يدرك فعليا حجم تعقيدات هذا الملف وما يمكن ان تؤدي اليه اي «دعسة ناقصة» في عملية التفاوض التي تجري على »حد السكين»؟
طبعا الاجابة الاولى عن سؤال لماذا، ترتبط اولا بوجود عسكريين دروز بين الجنود المختطفين، وهنا الاهتمام يبدو بديهيا من قبل جنبلاط الذي يريد تعزيز «صورة» الزعيم الذي لا يتخلى عن ابناء عشيرته، اما ثانيا، فهي الاخطر، برأي اوساط معنية ومتابعة لهذا الملف، لانها ترتبط برغبة «البيك» في تحقيق خرق جدي مع المجموعات المسلحة السورية عبر قنوات اتصال «جهادية» يمكن ان تستخدم لاحقا في اي ترتيبات قد تكون ضرورية في حال خروج الامور عن السيطرة على الحدود اللبنانية – السورية، وهنا يحاول جنبلاط ايجاد مساحات مشتركة لحوار يظن انه سيكون كفيلا بتجنيب الدروز مواجهة لا يريدها مع المجموعات «التكفيرية».
وفي هذا السياق، تؤكد تلك الاوساط، ان لدى جنبلاط قناعة غير مرتبطة بأي معطيات دينية او سياسية او واقعية، بانه قادر على فتح حوارات جادة مع تلك المجموعات للتفاهم على «مساحة مشتركة» عنوانها العداء للنظام السوري، وعدم وجود تضارب للمصالح او صراع على النفوذ، بمعنى آخر رسم حدود متفق عليها ضمنيا لتواجد الفريقين دون ان تكون هذه المساحة مقرا او ممرا للاضرار بحدود نفوذ الطرف الاخر، وبما ان «البيك» مقتنع بان لا «اطماع» لهؤلاء بتوسيع حدود «الامارة الاسلامية» الى لبنان، ويلوم حزب الله على تدخله في سوريا، فانه مقتنع ايضا بأنه بالامكان التوصل الى هذا التفاهم اذا ما «صفت النوايا» وتم فتح قناة اتصال موثوقة مع تلك المجموعات، ومن هنا كان حرص جنبلاط على عدم «قطع شعرة معاوية» مع «جبهة النصرة» بل اعطاها شهادة حسن سلوك مجانية برفض وصفها بالمنظمة الارهابية، طبعا ثمة رهان هنا على دور تركي – قطري في نسج هذا التفاهم في المستقبل، لكن ما هو غير مفهوم حتى الان هو هذا الرهان الجنبلاطي المستجد على امكانية التفاهم مع «داعش»، وهذه قناعة يدركها بعض المقربين منه، ولم يكن مفاجئا قبل ايام اصراره على تجاهل النصائح بعدم الرد على «رسالة» «تنظيم داعش» الاخيرة، وحرصه على التودد بتحية الاسلام، ومحاججة ما ورد في الشريط المصور وتفنيده، في «رسالة» واضحة من قبله بالقبول بـ«داعش» كطرف يمكن خوض حوارات ناجحة معه!
هذه «الاوهام» الجنبلاطية القائمة على هاجس القلق والخوف على المصير، لم تات ايضا من فراغ تضيف المصادر، فثمة اصدقاء في «الثورة السورية» نصحوا جنبلاط بهذا الامر وارشدوه الى بعض القيادات السلفية العربية «المعتدلة» القادرة على فتح مثل هذه القنوات، لكن السياسة شيء ومصير العسكريين شيء آخر، ويوم يكتشف «البيك» حساباته الخاطئة لن يكلفه الامر سوى استدارة بسيطة لتبرير مواقفه، اما «اللعب» بمصير العسكريين المختطفين فستكون فيه الحسابات الخاطئة مميتة. فكيف يتجرأ جنبلاط على توريط الوزير أبو فاعور في هذه المهمة؟ وما هي اوراق القوة التي يملكها كي يفتح قنوات حوار مع الخاطفين؟ وماذا لو ارتكب الاخطاء خلال عملية التفاوض؟ وهل هو مستعد لتحمل نتائج الفشل كما النجاح؟ والاهم من كل ذلك اي خبرة يمتلكها ابو فاعور في ادارة هذا الملف المعقد؟ وكيف يمكن اصلا ان يكون «وسيطا» ناجحا اذا كان مستعدا للحديث مع «ارهابيين» وفي الوقت نفسه لا يريد التواصل مع النظام السوري؟
وتتساءل تلك الاوساط، عما اذا كان جنبلاط مدركا مع من يتعامل، وعما اذا كان يعرف ان هذه المهمة لا تشبه مكافحة الفساد الغذائي في وزارة الصحة؟ وهنا نجد من المفيد تذكيره بقصة محامي اميركي يدعى ستانلي كوهين تولى سابقا الدفاع عن عناصر «القاعدة» ومنهم ابو غيث زوج ابنة بن لادن. كوهين حاول في الثالث من تشرين الأول الماضي، التدخل لاطلاق بيتر كاسيغ، الشاب الأميركي المحتجز لدى تنظيم «داعش». طبعا حصل على موافقة من مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية (إف بي آي) ونسق معهم، ونجح في إقناع رجال دين ومقاتلين سابقين منتمين لتنظيم «القاعدة» بفتح مسار للمفاوضات مع «تنظيم داعش» في محاولة لإنقاذ حياة الرهينة الأميركي. كان الرجل الذي اتصل به كوهين من أعضاء تنظيم القاعدة الكويتيين، وأحد المحاربين القدماء في أفغانستان ومن المعتقلين السابقين في غوانتانامو، وساعده في التواصل مع شخصيات بارزة من تنظيم القاعدة في الوقت الذي كان يجهز فيه دفاعه في محاكمة أبو غيث. عند هذه النقطة، وضع كوهين خطته بصورة مبدئية. لم تكن الولايات المتحدة على استعداد لدفع فدية ولم تكن مستعدة لوقف قصف مواقع تنظيم داعش، فاقترح كوهين مبادلة كاسيغ بسجناء اسلاميين سياسيين حول العالم، بمن في ذلك أولئك المعتقلون في غوانتانامو. وانطلقت المفاوضات.
طبعا دخلت المخابرات الاردنية على الخط كذلك المخابرات الكويتية، وابلغه الرجل الكويتي أن الطريقة الوحيدة لإنقاذ كاسيغ هي الوصول إلى كبير الشرعيين في تنظيم «داعش»، وهو شيخ بحريني يبلغ من العمر 30 عاما يدعى تركي البنعلي. وكانت الطريقة الوحيدة للوصول إلى البنعلي هي من خلال معلمه السابق، الأردني أبو محمد المقدسي، الذي يعد أكثر شخصية تحظى بالاحترام بين الجهاديين على مستوى العالم. طبعا تمكن مكتب التحقيقات الفيدرالي من «التواصل مع الاستخبارات الأردنية» وطلب السماح للمقدسي بالاتصال بالبنعلي، ووافق الأردن، لكن بعد عملية التواصل الصعبة تراجعت عمان عن تعهداتها، تم القاء القبض على المقدسي في 27 تشرين الاول، وفشلت الحكومة الأميركية في التدخل في لحظة حرجة للدفع باتجاه إطلاق سراح المقدسي، بعدها بايام اعدمت «داعش» كاسينغ دون ان تأخذ بعين الاعتبار اي قيمة للمفاوضات، ولم يعن لها شيء انه اعتنق الإسلام وسمى نفسه عبد الرحمن خلال السنة التي قضاها في الأسر. اذاً على ماذا يراهن جنبلاط؟
طبعا من الصعب فهم طبيعة هذه الرهانات، تقول تلك الاوساط، وقصة اعدام كاسينغ تقدم نموذجا حيا عن حجم التعقيدات المحيطة بملفات التفاوض المشابهة، فتعاون الاستخبارات الاميركية والاردنية والكويتية ومعها «جهاديين» «معتدلين» لم يمنع ذبح الرهينة الاميركية، وتضارب عمل الاجهزة الاستخباراتية قد تجعل من ابو فاعور نفسه «رهينة» الحسابات الخاطئة في «لعبة» تتجاوز ليس فقط قدراته، بل قدرات دول لها باع طويل في التعامل مع تلك الحركات المتطرفة. فهل يدرك «البيك» هذه المخاطر التي لن تقف عند حدود التسبب في اهدار دماء العسكريين المختطفين؟ وهل يدرك ان ثمة سيناريو قد يكون اشد خطورة من كل ماسبق؟ فماذا لو اقدمت الجهات الخاطفة المهتمة بتفجير الوضع الداخلي اللبناني على اطلاق سراح الجنود الدروز دون سواهم؟ هل بامكانه ان يشرح طبيعة الثمن المدفوع اذا كان اصلا لا يملك شيئا للمقايضة عليه؟ ماذا لو قتل الجنود الاخرون؟ هل ثمة من يضمن رد فعل ذوويهم؟ هل بامكانه عندها اقناع احد انه كان يفاوض لاطلاق الجميع؟ وهل يمكنه تبرئة ساحته من تهمة العلاقة الوطيدة مع تلك المجموعات؟ طبعا لا يملك اي اجابة على تلك الاسئلة، وهذا ما يثير استياء الاجهزة المعنية بملف التفاوض الجدي، وهي ترى امام اعينها ان ثمة من يعبث بحياة الجنود وامن البلاد.
(الديار)