مقالات مختارة

أبو مالك التلي من القلمون إلى الغوطة؟ عبد الله سليمان علي

 

علمت «السفير» من مصادر مطلعة أن زعيم «جبهة النصرة» في القلمون الغربي أبو مالك التلّي غادر منطقة القلمون وانتقل سراً إلى الغوطة الشرقية، فيما تلقى تنظيم «داعش» ضربة موجعة تمثلت بالاعلان عن مقتل ابو محمد العدناني، الذي يعتبر بمثابة الرجل الثاني في التنظيم، وقائد عملياته الإرهابية الخارجية، وهو من رفاق ابو مصعب الزرقاوي، في إحدى جبهات حلب.

وتشعر «جبهة النصرة» بقلق غير مسبوق جراء التطورات التي يشهدها ريف دمشق عموماً والغوطة الشرقية خصوصاً سواء لجهة نجاح السلطات السورية في تكريس سياسة التسويات التي أدّت بعد اتفاق داريا المفاجئ إلى إفراغ محيط العاصمة من أي خطر جدّي يتهددها، أو لجهة النزاعات المتواصلة بين الفصائل المسلحة وأهمها النزاع بين «فيلق الرحمن» و «جيش الاسلام» والتي كانت من العوامل التي ساعدت الجيش السوري على التقدم في الغوطة وقضم أجزاء واسعة منها خلال الأشهر الماضية.

وما يزيد من قلق «النصرة» مراقبتها الحثيثة لبعض الفصائل التي يفترض أنها إسلامية وهي تهادن الجيش السوري في أكثر المناطق حساسية وتأثيراً من الناحية الاستراتيجية. فمن جنوب دمشق مروراً بالزبداني وصولاً إلى داريا سلسلة طويلة من الهدن المذلّة التي لا تكتفي بضرب معنويات «المجاهدين» وحسب، بل تؤدي عاجلاً أو آجلاً إلى تحصين العاصمة عسكرياً. وتؤدي بالتالي إلى حماية النظام الحاكم فيها من الاسقاط، وهو ما تعتبره «النصرة» هدفاً استراتيجياً لها لأن مشروعها السوري لا يمكن أن يكتب له النجاح طالما أن النظام في دمشق صامد.

لذلك قررت «جبهة النصرة» العمل على محاولة تغيير مسار التطورات في الريف الدمشقي بغية وقف حالة التدهور ومنع قطار الهدن المتسارع من الوصول إلى الغوطة الشرقية التي تعتبر آخر معقل قوي للفصائل المسلحة في محيط دمشق.

وكان من أهم الاجراءات التي اتخذتها «جبهة النصرة» في هذا الاطار هي الايعاز إلى زعيمها في القلمون الغربي أبي مالك التلّي بمغادرة جبهات القتال ضد «حزب الله» والجيش السوري في المنطقة والانتقال سراً إلى الغوطة الشرقية، حسب ما أفاد «السفير» مصدر مقرّب من «فيلق الرحمن» الذي تحالف مؤخراً مع «جبهة النصرة» للقتال ضد «جيش الاسلام».

وتوخّت قيادة «النصرة» من وراء انتقال أبي مالك التلي تحقيق أهداف عدة بضربة واحدة، أهمها محاولة العمل على تقوية نفوذ «النصرة» في الغوطة الشرقية بمواجهة نفوذ باقي الفصائل ولا سيما «جيش الاسلام» لمنع الأخير من الاستفراد بقرار الغوطة ومصيرها، وكذلك العمل على إيجاد معاقل لها داخل مدن الغوطة ومناطقها تستطيع من خلالها توتير الأوضاع وإفشال أي مشروع هدنة قد يجري عرضه من قبل السلطات السورية في المستقبل القريب أو البعيد. بالإضافة إلى أسباب خاصة بالتلّي نفسه وعلى رأسها حمايته من الاغتيال خصوصاً أن ضيق المساحة التي تسيطر عليها «جبهة النصرة» في جرود عرسال والقلمون الغربي ساعدت أكثر من مرة على اكتشاف المقرّ الذي يتواجد فيه التلي وتعرضه جراء ذلك لمحاولات اغتيال عدة من أطراف مختلفة.

وكانت «السفير» قد كشفت في تقرير سابق للزميل محمد بلوط عن تمكن المخابرات اللبنانية من «تحديد موقع أبي مالك التلي بدقة في منطقة جرود عرسال، وحصلت على إحداثيات الموقع، وطلبت من قيادة الجيش إرسال إحدى طائرتَي الاستطلاع والإسناد الجوي «سيسنا كارافان 208»، التي وهبتها الولايات المتحدة للجيش اللبناني، لإطلاق صاروخ «هيلفاير» على الموقع بعد التأكد من وجود أبو مالك التلي بداخله» لكن عملية الاستهداف لم تتم بسبب الرفض الأميركي آنذاك.

ومن الصعب تحديد الوقت الذي غادر فيه التلي منطقة جرود عرسال والقلمون الغربي متجهاً نحو الغوطة الشرقية، لكن يرجح أن هذا الانتقال حصل قبل اندلاع الاقتتال في شهر نيسان الماضي بين «فيلق الرحمن» و «جبهة النصرة» من جهة وبين «جيش الاسلام» من جهة ثانية. حيث أكدت مصادر متقاطعة لـ «السفير» أن أبا مالك التلي لعب دوراً بارزاً في صياغة التحالف مع «فيلق الرحمن» وإقناعه بقلب بندقيته ضد «جيش الاسلام» بعد أن كان قائده عبد الناصر شمير قد بايع زهران علوش كقائد أوحد للغوطة.

ولا يستبعد بعض المراقبين أن يكون للاستخبارات القطرية دور في التقريب بين «الفيلق» و «الجبهة» خصوصاً أن كليهما مدعوم من قبلها بشكل أو بآخر، بل إن مونة الاستخبارات القطرية على التلي بشكل خاص لا تحتاج إلى دليل لا سيما في ظل الصفقات العديدة التي نجحت هذه الاستخبارات بعقدها بالتعاون مع التلي وجماعته، من إطلاق سراح مخطوف قطري الجنسية إلى إطلاق سراح راهبات معلولا وصولاً إلى صفقة تبادل العسكريين اللبنانيين.

ومما له دلالته في هذا السياق أن «فيلق الرحمن» المتحالف مع «جبهة النصرة» رفض جميع المساعي التي بذلتها جهات مختلفة من أجل الصلح مع «جيش الاسلام» لكنه رضخ لمطالب الاستخبارات القطرية عندما تم استدعاء ممثل عنه وممثل عن «جيش الاسلام» إلى الدوحة لوقف إطلاق النار بينهما.

ويتنقل التلّي متخفياً بين مدن الغوطة ومناطقها المختلفة، لكنه يتفادى المناطق التي يسيطر عليها «جيش الاسلام» بسبب العلاقة السيئة بين الطرفين وإدراك التلي أن «جيش الاسلام» قد يسعى في مقتله أكثر مما سيفعل «حزب الله» أو الجيش السوري. وهنا تؤكد المصادر أن التلي قد تعرض بالفعل لإطلاق رصاص قناصة عليه أثناء تواجده في القابون، ولكن لم يكن من السهل معرفة ما إذا كان إطلاق النار يستهدفه شخصياً أم يستهدف أي قيادي في «جبهة النصرة».

وشددت المصادر على أن أخبار التلي غابت منذ نجاته من تلك الحادثة، من دون أن يعني ذلك بالضرورة عودته إلى القلمون الغربي بل قد يكون اتخذ تدابير أمنية مشددة لحماية نفسه.

وعلى صعيد الهيكلية فإن أبا مالك التلي يعد بمثابة الأمير العام لقطاع واسع من ريف دمشق يشمل القلمون الغربي والقلمون الشرقي والغوطة الشرقية والزبداني ووادي برى، لذلك فإن تواجده في إحدى هذه المناطق لا يتناقض مع استمراره في منصبه كقائد للقلمون الغربي، غير أن اختياره للغوطة الشرقية لتكون أول مكان ينتقل إليه منذ تسلمه مهام منصبه من شأنه تسليط الضوء على أهمية المنطقة بالنسبة إلى «جبهة النصرة» وأنها قد لا تسكت على أية محاولة لضمها إلى مناطق الهدن والتسويات.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى