المغامرة التركية حميدي العبدالله
الدخول العسكري التركي المباشر في سورية، بمعزل عن دوافعه وملابساته، وما إذا كان منسّقاً أو مرضيّاً عنه من قبل سورية وحلفائها، يشكل مغامرة غير محسوبة تضاف إلى مغامرات الرئيس التركي في سورية منذ اندلاع الأزمة وحتى الآن. ولعلّ هذه المغامرة أخطر من مغامرات النظام التركي السابقة في السنوات الست الماضية من عمر الأزمة السورية.
المغامرة السابقة التي تجسّدت بفتح حدود تركيا أمام التنظيمات الإرهابية، ومدّ هذه التنظيمات بالسلاح، والإسهام في الحروب التي قادت إلى انكفاء الجيش السوري عن أجزاء واسعة من الحدود المشتركة بين البلدين، قادت إلى نتيجة لا تصبّ في المصلحة القومية التركية، ولا حتى في مصلحة حكم حزب العدالة والتنمية:
ـ النتيجة الأولى، حلول وتواجد مقاتلين أكراد متعاطفين مع حزب العمال الكردستاني في مناطق واسعة في سورية تقع على الحدود التركية السورية كان يرابط فيها الجيش السوري والقوى الأمنية السورية، الأمر الذي حوّل هذه المناطق إلى عمق وقاعدة إسناد لمقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين شرعوا في مهاجمة الجيش والشرطة التركية، ولا سيما في المناطق الجنوبية الشرقية من تركيا، إضافة إلى هجمات أخرى في أنقرة واسطنبول ومدن تركية أخرى كان لها تأثير سلبي على الاقتصاد التركي ولا سيما قطاع السياحة.
ـ النتيجة الثانية، مرابطة فصائل إرهابية مثل تنظيم داعش في مناطق قريبة من الحدود التركية، إضافة إلى استفادتها من تعاون الدولة التركية معها في مواجهة الدولة والجيش السوري ونجاحها في خلق مناخ متعاطف معها، ولا سيما في المناطق التي تشكل مناطق مؤيدة لحزب العدالة والتنمية، وبديهي آجلاً أو عاجلاً سوف ترتدّ هذه التنظيمات الإرهابية وتستهدف تركيا، وهي بدأت ذلك فعلاً، وإنْ كان على نحو تحذيري.
المغامرة الجديدة قد تفوق أخطارها أخطار المغامرة الأولى، لا سيما أنها تشير إلى احتمال وقوع صدام مباشر، وهو بدأ فعلاً، مع أكراد سورية، ويرجح أن ينشأ وضع يشبه الوضع القائم على الحدود العراقية التركية، أيّ تتحوّل منطقة الحدود السورية التركية إلى جبهة عسكرية مع فارق أنّ ما لدى وحدات الحماية الكردية من أسلحة ومن خبرات قتالية، ما يؤهّلها لأن تخوض حرب استنزاف ضدّ الجيش التركي ستكون كلفتها أعلى بكثير من كلفة الحرب الدائرة بين حزب العمال الكردستاني، والقوات التركية المستمرة منذ عام 1984.
(البناء)