مقالات مختارة

كتلة مضمونة لهيلاري ان تحركت للتصويت د.منذر سليمان

 

تحول السود عن الحزب الجمهوري

               اقصاء قطاعات اجتماعية معينة من المشاركة في تقرير مصيرها ظاهرة واكبت بروز النظم الحاكمة عبر التاريخ. بيد ان التهميش والاقصاء في النظام الاميركي تحديدا تعود جذوره ليس لحاجة النظام الرأسمالي ليد عاملة رخيصة فحسب، بل هي في صلب النظام القائم على التفرقة العنصرية.

الاقصاء ايضا طال المرأة عبر مراحل تاريخ الكيان السياسي الاميركي، ولم تكسب حقها في دخول المعترك السياسي الا مطلع القرن العشرين ومصادقة الكونغرس على مادة التعديل التاسعة عشر للدستور الاميركي، آب 1920.

دشنت نهاية الحرب الأهلية الاميركية، 1865، حاجة النظام السياسي للانفتاح ومصالحة القطاعات الاجتماعية الاخرى، وبروز المطالبة بانهاء نظام الرق والعبودية، وشهدت العقود الثلاثة المقبلة (1895) بوادر تشكل “حركة الحقوق المدنية” بين السود تحديدا للمطالبة بالمساواة وحق تملك الاراضي. على الطرف المقابل، اقدمت الدولة الاميركية على برنامج اعماري ضخم لترميم ما دمرته الحرب الاهلية في الولايات الاميركية الجنوبية.

الانفتاح الرسمي واجهه اقطاب النظام العنصري ببلورة منظمات وتجمعات ارهابية، اشهرها كو كلاكس كلان ومثيلاتها “القمصان الحمر،” و “عصبة البيض” والتي برزت على المسرح منذ عام 1870 هدفها الابقاء على نظام العبودية والفصل العنصري، من ناحية، نظرا لحاجة عجلة الانتاج الزراعي لايدي عاملة كثيفة وشبه مجانية، وحصر المكاسب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالعنصر الابيض ليس الا.

راوغ النظام السياسي بعد انتهاء الحرب الاهلية كثيرا، وسعى لاستقطاب ما استطاع من السود لتأييده، واصدر “التعديل الخامس عشر” للدستور الاميركي، شباط/فبراير 1870، تضمن حرية التصويت لمواطني الولايات المتحدة – المقصود بها آنذاك الذكور السود حصرا. بيد ان حقيقة الأمر لم تشهد المادة المذكورة تجسيدا حقيقيا الا بعد انقضاء نحو قرن من الزمن، وبقيت حبيسة الادراج طيلة تلك الفترة.

جسد النظام السياسي “العبودية” وشرعنتها مرة اخرى في قضية تدخلت فيها المحكمة العليا عام 1896، بمصادقتها على تشريع الفصل العنصري بمفردة اضحت اشهر من علم، نظام “الفصل لكنه عادل،” واستمر مفعوله قائما لعام 1954 باقرار المحكمة عينها قرارا مضادا للفصل العنصري – “براون مقابل هيئة التدريس؛” وعمليا استمر نظام الفصل معمول به في بعض الولايات الجنوبية لعقد الستينيات من القرن الماضي.

حركة “القضاء على نظام الرق” الاميركية بدأها عناصر في الحزب الجمهوري في الزمن الغابر، وهو الحزب الذي افرز الرئيس الاسبق ابراهام لينكولن، بينما اصطف الحزب الديموقراطي آنذاك الى جانب الحفاظ على النظام العنصري.

وعليه، أيد السود او ما تمكن منهم من حجز مقعد في السلم الاجتماعي آنذاك، الحزب الجمهوري غريزيا. الحزب الديموقراطي لم يسمح للسود المشاركة في مؤتمره العام الا بدرورة العام 1924، مع عودة بعض السود ممن شاركوا القتال في الحرب العالمية الاولى.

التحول الاجتماعي الابرز في توجهات السود لم يظهر الى السطح الا في اعقاب ازمة “الكساد الكبير،” 1929، واعلان الرئيس فرانكلين روزفلت عن مشروع “الاقتصاد الجديد،” ليستقطب قطاعات واسعة من العاطلين على العمل واعادة تشغيل الاقتصاد الاميركي.

وعليه، وجدت الاقليات، ومنهم السود، في خطة التنمية الاقتصادية ضالتهم. واشارت الاحصائيات آنذاك عن ميل نحو 71% من السود الى تأييد الحزب الديموقراطي، في حين ان نسبة عضويتهم في الحزب لم تتعدى 44%. وتتالت منذئذ التشريعات والمبادرات الرئاسية لالغاء بعض مظاهر الفصل العنصري، بدءا بالقوات المسلحة في عهد الرئيس ترومان عام 1948، واجراءات مشابهة للحد من الاقصاء العنصري في هيكل القوى العاملة في اجهزة الدولة.

انتخابات ذلك العام،1948، اسفرت عن تصويت 56% من السود لصالح الحزب الديموقراطي، واستمر التأييد تصاعديا منذئذ الى المستويات الراهنة، رغم بعض التراجعات في عقد الستينيات من القرن الماضي والحرب الفيتنامية.

يشار الى ان الاب الروحي لحركة الحقوق المدنية، مارتن لوثر كينغ، ووالده كانا مسجلين في صفوف الحزب الجمهوري، الذي استند الى قاعدة دعم شبه ثابتة خاصة في الولايات الجنوبية، قبل حدوث الهزات الاجتماعية على خلفية الحرب الفيتنامية وتداعياتها الداخلية.

عند هذه المرحلة المفصلية، صادق الرئيس الاميركي ليندون جونسون على “وثيقة الحقوق المدنية،” والتي رفضها عدد من ممثلي الكونغرس الديموقراطيين عن الولايات الجنوبية. بالطبع لا يجوز اغفال دور الرئيس الاسبق جون كنيدي المفصلي في الدفع لاقرار الحقوق المدنية، والذي استكمله خلفه جونسون.

فازت الوثيقة بدعم بارز للرئيس جونسون من ممثلين عن الحزب الجمهوري في الكونغرس. تداعيات “الوثيقة” ظهرت في التحول المباشر لغالبية قطاع السود لتأييد الحزب الديموقراطي وسيطرته على الكونغرس لفترة زمنية طويلة؛ وحصل جونسون على تأييد 94% من اصوات السود ذاك العام.

تقلصت كتلة السود المؤيدة للحزب الجمهوري تباعا منذ عام 1936، من نسبة 28% الى نسبة 6% عام 2012؛ اشدها انخفاضا كانت انتخابات عام 1968 التي انحدرت فيها الى نسبة 3% في عهد الرئيس نيكسون. وعليه باشر الحزب الجمهوري ببلورة “استراتيجية لولايات الجنوب،” لاستقطاب العنصر الابيض بعد تيقنه من خسارته قطاع السود الى فترة زمنية طويلة.

استراتيجية نيكسون اعلاه حافظت على “نقاء” العنصر الابيض في جنوبي الولايات المتحدة وتأييده الحزب الجمهوي، الأمر الذي يسلط الضوء على قاعدة الدعم “الصلبة” من البيض خلف المرشح دونالد ترامب، مقابل تأييد الاغلبية من السود المرشحة كلينتون.

بيد ان التغيرات الديموغرافية والاجتماعية والسياسية في صفوف السود بشكل عام قد لا تذهب تلقائيا لتأييد المرشحة كلينتون، استنادا للبيانات المستقاة من طبيعة التصويت في الانتخابات التمهيدية.

دروس الانتخابات التمهيدية

مشاركة السود بشكل عام في الانتخابات التمهيدية، خاصة المغلقة للحزب الديموقراطي بشكل حصري، شهدت عزوفا ملحوظا في ظل غياب مرشح اسود، وقد يتكرر معدل تقلصها في الانتخابات الرئاسية.

اشارت البيانات الرسمية عن نتائج الانتخابات التمهيدية في الولايات ساحة الصراع، العام الجاري، تقلص نسبة مشاركة السود قياسا الى انتخابات عام 2008: 40% في ولاية اوهايو، 38% في ولاية فلوريدا، 34% في ولاية نورث كارولينا.

واوضح مؤسس منظمة “اصوات السود ذو أهمية،” شارلي كينغ، ان حملة المرشحة هيلاري كلينتون ستواجه عقبة كبيرة في كسب الناخبين الديموقراطيين الذين صوتوا لصالح الرئيس الاسبق رونالد ريغان، فضلا عن انضمام 4 مليون ناخب جديد الذين شكلوا العصب الحساس لنجاح المرشح اوباما.” واضاف ان ادراك تلك الحقيقة يفسر “خطورة حملة منافسها دونالد ترامب.”

واضاف كينغ، المستشار الاستراتيجي السابق للحزب الديموقراطي، ان منظمته لا يساورها القلق من نسبة تصويت مرتفعة من السود لصالح الحزب الديموقراطي، بيد ان الخطورة تكمن في نسبة المشاركين التي تطمح كلينتون لتعادلها مع النسبة الكبيرة المصوتة للمرشح اوباما.

احدث استطلاعات الرأي لاركان المؤسسة الحاكمة، اجرتها سوية شبكة (ان بي سي) للتلفزة وصحيفة وول ستريت جورنال، اشارت الى تأييد نحو 81% من السود لكلينتون، وبذلك تتفوق نسبة الدعم على معدل التأييد لها بين اوساط عموم الناخبين الديموقراطيين، 75%؛ 51% للجالية اللاتينية؛ و73% بين صفوف الليبراليين.

التأييد المبدئي لمرشح ما لا يعادله اقبال قوي للناخبين عند انطلاق صفارة التصويت في 8 تشرين الثاني / نوفمبر المقبل.

تنامت مشاركة السود في الانتخابات الرئاسية بتثاقل ملحوظ مقارنة مع مشاركة مجمل القاعدة الانتخابية، وفق البيانات المعتمدة: 10% في انتخابات عام 2000؛ 11% عام 2004؛ 13% عام 2008 و2012. الدورتين الاخيرتين شهدتا اكبر اندفاعة بالمشاركة، نظرا لترشح الرئيس اوباما، وشكلت شبه تعادل مع نسبة مشاركة البيض: 66% للسود مقابل 64% للبيض. يشار الى ان مشاركة البيض في الانتخابات فاقت مشاركة السود بنسبة ثابتة بين السنوات 1996 – 2004، بلغ الفارق بينهما 7 نقاط مئوية.

بيانات الدورة الانتخابية لعام 2012 اشارت بوضوح الى ان مشاركة السود النشطة كانت العامل الحاسم وراء فوز الرئيس اوباما في سبع من الولايات الحاسمة: فلوريدا، ماريلاند، ميشيغان، نيفادا، اوهايو، ويسكونسن، بنسلفانيا وفرجينيا التي بلغ مجموع مندوبيها للهيئة الانتخابية العامة 112 صوتا، من مجمل 270 صوتا، التي كان من اليسير خسارة الانتخابات بدون تأييدها. الدور الحاسم للولايات المذكورة، باستثناء ماريلاند، يتكرر في الدورة الانتخابية الحالية ايضا.

انخفاض مشاركة السود، نظريا، لن يضعضع حظوظ المرشحة كلينتون، بل سيجسر الهوة الفاصلة مع منافسها في عدد من الولايات التي هي بغنى عن اي نسبة خطأ قد تلحق بها. لمزيد من الايضاح، اشارت البيانات المعتمدة الى ان نسبة مشاركة السود في ولاية فرجينيا، مثلا 20% الدورة الماضية؛ وان انخفضت الى نسبة طفيفة لـ 18% كان سيفوز بنسبة 1.6% بدلا من رصيده البالغ آنذاك 3.9%. القلق عينه قد يتجسد في ولايات حاسمة مثل اوهايو وويسكونسن.

اما في ولاية فلوريدا فان اي تقلص، مهما كان ضئيلا، في نسبة مشاركة السود والتصويت لصالح كلينتون قد يؤدي الى خسارتها بالكامل، وهي التي خسرها المرشح الجمهوري ميت رومني بنسبة 49% مقارنة لنسبة منافسه اوباما البالغة 50%. تعاظمت أهمية ولاية فلوريدا في العقود الاخيرة التي تعني خسارتها لاي مرشح خسارة صافية بالمجمل.

عند حسبان نسبة الناخبين البيض من الديموقراطيين والذين سيصطفون لجانب ترامب نكاية بكلينتون، الذين كان يطلق عليهم وصف “ديموقراطيوا ريغان،” تتضح حجم الخسارة التي تنتظر المرشحة كلينتون. لمزيد من الايضاح، نال الرئيس اوباما تأييد 36% من اصوات الطبقة العاملة من البيض عام 2012، والذين من المرجح بقائهم في صف تأييد المرشح ترامب، ان لم يتم تدارك الأمر من قبل الحزب الديموقراطي واستعادة ثقة وتأييد تلك الشريحة.

ترامب يغازل السود

في خطوة فاجأت اغلب المراقبين، استغل المرشح دونالد ترامب وجوده في ضاحية يقطنها اغلبية من البيض بالقرب من مدينة ديترويت للتودد الى قطاع السود طالبا تأييدهم لأن “تجمعات الاميركيين من اصول افريقية تعاني من سيطرة الحزب الديموقراطي .. ماذا ستخسرون بتأييدي. تعانون من فقر مدقع، مدارسكم ليست جيدة، ومعدلات البطالة بينكم مرتفعة، وتبلغ النسبة نحو 58% بين صفوف الشباب.” بالطبع كانت القاعة خالية من اي تواجد للسود، اذا استثنينا بعض الصحافيين وموظفي حملته.

من نافل القول ان ترامب لا يحظى بنسبة تأييد معتبرة داخل تجمعات السود، ومعظمهم يعتبرونه من اشد المتعصبين والعنصريين والذي لا يفوت فرصة او مناسبة دون اهانة وتحقير السود والاقليات الاخرى.

بالمقابل، لم تفلح جهود المرشحة كلينتون بحشد السود او الناخبين البيض للحظة بينما تجرأ ترامب على مخاطبة خصومه طمعا في التأييد. وووجه ترامب انتقادا قاسيا لكل من الرئيس اوباما والمرشحة كلينتون “لفشل سياساتهما في تحسين اوضاع السود طيلة الاعوام الثمانية الماضية.”

مهرجانات ترامب الخطابية “ناصعة البياض” بدأت تشهد حضورا رمزيا لبعض الرموز الدينية من السود، كما شهدنا مطلع الاسبوع في مدينة اوستن بولاية تكساس، واثمرت جهود الاستقطاب بحضور عدد اكبر من السود في اللقاء المذكور، للدلالة على صوابية نظريته بأن السود بغالبيتهم ليسوا في صف المرشحة كلينتون.

خطاب ترامب بدأ يلقى بعض التجاوب بين صفوف المهمشين والعاطلين عن العمل خاصة لانتقاداته القاسية لسياسات “عولمة التجارة” التي ادت الى اقصاء المزيد عن سوق العمل وهروب الرأسماليين خارج الولايات المتحدة طمعا في جني معدلات اعلى من الارباح. يشار الى ان حالة الاقتصاد والرفاه الاجتماعي تحتل أهمية بلغت نسبتها نحو 40% بين صفوف السود بشكل خاص.

تصريحات ترامب لها ما يبررها وان كان صاحب الرسالة لا يتمتع بمصداقية عالية. بيانات مكتب التحقيقات الفيدرالي، اف بي آي، وصف تردي الاوضاع الاجتماعية واالاقتصادية بين صفوف السود بانها نتيجة “وباء الغش والخداع،” في اعقاب انهيار سوق العقارات عام 2008.

حقيقة الأمر ان ترامب ليس بحاجة لكسب نسبة معتبرة من اصوات السود ليحقق الفوز، وما عليه الا التأثير على قطاع ضئيل لكسب تأييده لا يتعدى حجمه 2-3%، وهي النسبة التي اصطفت لجانب المرشح الجمهوري ميت رومني سابقا.

اشار استطلاع حديث للرأي اجرته “جامعة اتلانتيك فلوريدا” الى تأييد نسبة 20% من الناخبين السود في الولاية للمرشح دونالد ترامب؛ بالمقابل نال ميت رومني تأييد 4% فقط من السود هناك. اما المرشحة كلينتون فقد نالت تأييد نسبة 68% من اصوات السود في فلوريدا، وفق الاستطلاع اعلاه الذي نشر في مطلع الاسبوع. بل ان ترامب تقدم على منافسته كلينتون بنسبة 43% مقابل 41% في فلوريدا.

الاوساط المقربة من ترامب ترجح نجاح مرشحهم في كسب تأييد نسبة “كبيرة” من اصوات السود “الاكبر في تاريخ الحزب الجمهوري” الحديث، وقد تبلغ ازيد من 15% وربما تقترب من 20%. تعليل الفرضية يستند الى “عدم تقيد” المرشح بتقاليد المؤسسة وميله لتسمية الاشياء باسمائها “مهما كانت قاسية وصادمة،” وفق رواياتهم المتعددة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى