داريا نقطة تحوّل في مسار الحرب
ناصر قنديل
– قال محلل عسكري يتابع معارك سورية عن كثب منذ بداياتها، إنّ داريا الممتدّة على طول نصف دمشق، والتي بقي منها بيد الجماعات المسلحة أقلّ من ربعها حتى ليل أمس، قبل إعلان الاستسلام النهائي للمسلحين فيها مقابل انتقالهم إلى إدلب، إنّ داريا مفتاح الحرب في سورية، وأضاف أنّ تحريك جبهة الحسكة بوجه الجيش السوري بتحريض أميركي كان آخر خرطوشة لحماية مسلحي داريا، لأنّ قرار الجيش السوري بالمواجهة في الحسكة كان يستدعي نقل وحدات نخبة من الفرقة الرابعة المولجة بمهام داريا، وبالتالي وقف العملية العسكرية فيها. وشرح المحلل نظرته إلى مكانة داريا بكونها تقع على جدار مطار المزة في مدخل دمشق الغربي ويمتدّ ما يسيطر عليه المسلحون منها حتى مدخل حي البرامكة وسط دمشق، وتشكل أقرب موقع للمسلحين من مؤسسات الدولة المركزية، من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ومستديرة الأمويين قلب دمشق، وأنها تستنزف القوة المركزية في الفرقة الرابعة التي تشكل عصباً هاماً في بنية الجيش المقاتلة، وأنّ حسم أمرها سيعني معنوياً تضعضع جبهات مثل جوبر وخان الشيخ والمعضمية ومخيم اليرموك، وأنّ هذه المواقع بدورها سيعني تداعيها تساقطاً كحجارة الدومينو لمناطق الغوطة وصولاً لدوما، ومناطق القنيطرة، ومناطق البادية المفتوحة حتى درعا والحدود الأردنية والعراقية.
– أربع سنوات على الأقلّ وداريا معقل ثابت للجماعات المسلحة، يرقد بثقله على قلب دمشق، وعنوان لاهتمامات المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، ومحور تقارير للسفراء والمعنيين الدوليين بمتابعة ملفات سورية السياسية والعسكرية، فهي بارومتر مشروع حرب الاستنزاف والأمل بتسلل الضعف إلى بنية الدولة السورية، والمؤشر الذي تقاس عبره اتجاهات الريح العسكرية والسياسية، فالمتابعون يعلمون أنّ حسم الجيوب المتوزعة في دمشق وريفها لصالح الدولة والجيش، يحرّر قرابة عشرة آلاف مقاتل من مهام موزعة على قرابة عشرين جبهة اشتباك مختلفة. وأنّ هذا الحسم يدور حول نقطة بداية، ليست إلا داريا، فبدون حسمها يستحيل العمل لغير إنجازات موضعية بالمفرق، ومعها يمكن الحديث عن بداية تساقط حبات العنقود بالجملة، وما دامت داريا بيد المسلحين، يصير كلّ إنجاز للجيش محدود بمكانه، وعندما تصير داريا بيد الجيش، يصير إنجازها نصف إنجاز في كلّ موقع من مواقع المسلحين على أطراف دمشق باتجاهاتها الأربعة، ولذلك كانت الحملات لحساب داريا، وكان زجّ محترفي الحروب إلى داريا، وتمّ إيصال السلاح والذخيرة بكلّ وسيلة لمسلحي داريا.
– من الغد ستصحو دمشق على صباح مختلف، ومن الغد سيكون المشهد العسكري في سورية بدءاً من دمشق مختلفاً، وسيكون الأهمّ وهو ميزان القوى النفسي والمعنوي بين الجيش والمسلحين مختلفاً، وسيصير لسان حال الكثير من المسلحين الذين يسمعون دعوات الصمود من الخارج، فإذا كانت داريا قد سقطت فما جدوى الصمود؟ وسيكون لسان حال الجيش ضباطاً وجنوداً، إذا كانت داريا قد تحرّرت فلماذا نقيم حساباً لسواها؟ وسيكون لهذه الموجة السحرية على ضفتي الحرب فعلها في تغيير متسارع لمشهد الحرب من حول دمشق. وهذا يعني تسارع تحرير القدرة النوعية والكمية للجيش السوري المنشغلة بإدارة جبهات الحرب في جبهات دمشق، وهي الكمية والنوعية التي تحتاجها جبهات كشمال سورية خصوصاً في حلب، كي تدخل ساعات الحسم المتسارع، ومنها تتدحرج كرات النصر إلى سواها.
– يحق للجيش السوري وضباطه، وخصوصاً القوى التي صنعت نصر داريا الاحتفال بنصرهم، واعتباره بدء العدّ العكسي لتساقط أوراق شجرة المسلحين الذين تسبّبوا بالألم والنزيف لسورية، وهم يرون المسلحين يطلبون الانسحاب إلى إدلب معقل جبهة النصرة، ويخرج الإعلام العربي والغربي ليخبرنا أنّ مَن في داريا لا علاقة لهم بالنصرة، وهم مجموعات تعمل تحت إسم الجيش الحر. وقد قالت معارك جرابلس إنّ هذا الإسم ليس إلا حملة الأعلام ومتحدثي الفضائيات، يتقاسمه السعوديون والأتراك وتنظيم القاعدة غبّ الطلب ومن ورائهم جميعاً الأميركي، وقد سقطت عاصمتهم بالأمس عندما تحرّرت داريا.
– مبروك لسورية… مبروك للجيش العربي السوري.
(البناء)