مَن «أبو الميثاقية».. عون أم بري؟ ملاك عقيل
وضعت القوى المسيحية الرئيس نبيه بري مرّتين أمام «امتحان» الميثاقية: الأولى، في مجلس النواب، والثانية، في الحكومة. أما في ملف رئاسة الجمهورية فـ «قنبلة» الميثاقية «منها وفيها».
بعد آخر جلسة عقدها مجلس النواب، في نيسان 2015، تحت عنوان «تشريع الضرورة»، وتمّ خلالها إقرار رزمة من القوانين المالية، دخل التشريع في «كوما» بقوة «الميثاقية».
عقدة قانون الانتخاب كانت الأساس. فعدم التوافق على «هويته» الجديدة طيّر الانتخابات النيابية، مفسحاً في المجال أمام تمديدين متتاليين لمجلس النواب، ثم وصل الموسى إلى ذقن الهيئة العامة بـ «أمر مسيحي» ميثاقي: لا قانون انتخاب، إذا لا تشريع في ظل غياب رئيس الجمهورية.
يومها كان لبري موقف واضح من أزمة الميثاقية. هي ملزمة في جلسات الهيئة العامة في ملفات أساسية ومصيرية كانتخاب رئيس الجمهورية وقانون الانتخاب والموازنة والجنسية وتفسير الدستور أو تعديله وانتخاب رئيس مجلس النواب… في حالات كهذه، لا يجوز اتّخاذ أي قرار في غياب المكوّنات الاساسية لأي طائفة. اما في ما يخصّ التشريع العادي، من قانون الإيجارات وسلسلة الرتب والرواتب الى قوانين تعني شؤون المواطنين وتسيّر شؤون الدولة فتخضع بكل بساطة لنظام التصويت، فيما النصاب القانوني منصوص عليه في المادة 34 من الدستور (النصف زائداً واحداً)».
في المقابل، كان موقف ميشال عون أكثر راديكالية «فالميثاق يعني ميثاقية النظام والتمثيل النيابي والموقع الرئاسي في ضوء الصيغة اللبنانية الفريدة».
من دون الغرق في «حزورة» مَن جرّ الحكومة إلى فخّ الميثاقية، يتواجه عون وبري مجدّداً فوق رأس تمام سلام. وكأن الجدل البيزنطي بين «الجنرال» و «الأستاذ» سيُقدّر له أن ينفجر داخل السرايا، بعد أن نزع فتيله في ساحة النجمة برضوخ بري لـ «الأمر الواقع العوني لا بل المسيحي»، على حد تعبير أحد نواب «الكتائب».
تحدّث بري دوماً أمام زواره عن «نصاب طابش» لانعقاد جلسات الهيئة العامة قبل كل عقد عادي لمجلس النواب، فيما كان مفهوما صعوبة تأمين هذا النصاب ضمن العقد الاستثنائي بسبب الخلاف حول صلاحية حكومة سلام على إصدار مرسوم فتح عقد استثنائي لمجلس النواب لا يحمل توقيع رئيس الجمهورية شخصياً وليس الـ 24 وزيراً.
لكن نظرية «النصاب الطابش» التي روّج لها بري دوماً لم تسلك طريقها الى جلسات التشريع العادي، فهل تصحّ في عزّ أزمة حكومة تمام سلام؟
«أبو الميثاقية»، كما يصف بري نفسه، يواجَه اليوم بـ «منتوجه الخاص»، فهو الذي أوجد بذرته الأولى إثر استقالة الوزراء الشيعة في العام 2006، ومنع مثول حكومة فؤاد السنيورة البتراء امام البرلمان.
لاحقاً استخدم «تيار المستقبل» هذا السلاح لينسف الانتخابات النيابية على أساس رفض إجرائها قبل الانتخابات الرئاسية، فالتقط بري الكرة.
يومها اعتبر «دولة الرئيس» أن غياب المكوّن السني بأغلبيته عن الانتخابات يضرب الميثاقية، فارتأى السير بالتمديد للمجلس، محاولاً تأمين النصاب المسيحي له أيضاً كي لا يُعاير بسيره بالتمديد لمجلس النواب كرمى «لميثاقية السنة» والتنكّر لها بإقرار التمديد بغياب المكوّن المسيحي.
لكن، وفق قواعد الاشتباك العونية، لا «نصاب طابش» في حكومة ستصبح منزوعة الميثاقية بدءاً من اليوم. بالأمس ردّ بري خلال لقاء الأربعاء النيابي على النائب نبيل نقولا الذي بادره بالقول إن الميثاقية تقاس بالتمثيل السياسي وليس العددي، مؤكّداً «أن الحكومة تكتسب ميثاقيتها عند التكليف ولا تخسرها إلا حين تغيب طائفة بأكملها عنها».
كبر حجر الأزمة بين الطرفين الى حدّ نسف كل ما تراكم من إيجابيات سياسية ونفطية على خط الرابية – عين التينة مؤخراً.
في الشكل، أبلغ بري سلام أمس بأن وزراءه سيحضرون جلسة اليوم، لكن في المضمون موقف رئيس مجلس النواب معروف سلفاً في السرايا كما في الضاحية وصولاً الى الرابية في ظل اقتناع بري أنه لا يمكن استخدام ورقة الميثاقية كحجّة غبّ الطلب، فيما هو نفسه مَن اعتبر أن الميثاقية لا تنطبق حتّى على جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، باعتبار أن نصاب أكثرية الثلثين هو ميثاقي بحدّ ذاته، لأنّه شامل لكل الطوائف».
لا أحد قادر على ضمان استمرارية «الستاتيكو». «التيار» قد ينتقل الى مراحل أكثر تصعيدية، خصوصاً أن الرابية تعتبر أن مجرد التئام مجلس الوزراء «حتى لشرب القهوة» بات يشكّل استفزازاً صريحاً لفريق مسيحي كامل.
ومع أن مشروع الموازنة قد بُحث سابقاً في الحكومة لناحية أهمية إقرارها وإزالة الألغام من أمامها وتحديداً، مسألة قطع الحساب، إلا ان توقيت اعلان وزير المال علي حسن خليل عن احالة مشروع قانون موازنة 2017 الى مجلس الوزراء في غضون ساعات، لم يفسّر لدى الجانب العوني سوى أداة ضغط مباشرة على المقاطعين، «وتصويرهم وكأنهم محور الشرّ من تعطيل رئاسة الجمهورية إلى تعطيل التشريع في مجلس النواب وصولاً الى تجميد أعمال الحكومة والموازنة».
لم يتوافق نبيه بري وميشال عون يوماً على تعريف موحّد للميثاقية، ولا يبدو أنهما سيتوافقان على ذلك مستقبلاً.
(السفير)