“المستقبل” لا يقلب طاولة الحوار.. ولا يواجه!: كلير شكر
أثبت نهاد المشنوق مرّة جديدة أنه ليس من روّاد الاختباء خلف الإصبع أو تجميل الحقائق حين تكون مرّة. خلال حفل تكريم بيروتي، لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، مساء يوم الخميس الماضي، اختار الاعتراف بالحرف الواحد أنّ خيارات فريقه السياسي محدودة، ولكنها ليست معدومة. الواقعية تفترض التعامل مع ما هو ممكن ومتاح، وليس على قاعدة التمني .
أعاد تذكير من سها عن باله أنّ جلوسه الماراتوني الى طاولة الحوار الثنائي مع «حزب الله» لا يعني أبداً أنّه صار من قماشة «الانهزاميين»، كما يقول عارفوه. وأن يكون في طليعة المنظّرين لتسوية رئاسية تقطع الطريق أمام تنازلات اضافية يُخشى أن تفرضها التطورات الاقليمية، لا يعني أبداً أنّ الرجل تخلى عن أدبيات «الخصومة» حين يلزم، وعن مساره الاعتراضي، لا بل «الصقوري» حين تستدعي الحاجة.
صحيح أنّ وزير الداخلية يشكل رأس حربة المتحمسين لاتفاق سياسي محدود يأتي بـ «الجنرال» الى قصر بعبدا، أي مخفف من أثقال «السلة» وأية بنود أخرى، الا أن هذا لا يمنعه حين تدعو الضرورة، من ترسيم جدار الفصل، بين ما يمكن التوافق عليه مع الخصوم وبين ما هو موضع اشتباك غير قابل للتفاهم.
«سرايا المقاومة» كانت وما تزال بالنسبة اليه نقطة خلاف جوهري مع «حزب الله» ولم ترتق يوماً الى مرتبة «ربط نزاع»، ولذا كان من الطبيعي أن يرفع لهجة خطابه بعد تسليط الضوء عليها اعلامياً من قبل «حزب الله»، ما يعني أنّ اعتراضه محدود موضعياً.
بهذا المعنى، يُفهم أنه لم يكن يخطط حين وصفها بـ«سرايا احتلال»، لقلب طاولة الحوار سواء تلك المعلنة مع «حزب الله» أو غير المؤطرة مع «التيار الوطني الحر» أو تلك «المعلّقة» مع سليمان فرنجية، ولا لنسف أي منها.. أو حتى تعديل مسارها..
تشي الصورة المركّبة عن «تيار المستقبل» أن هذا الفريق مربك، وطبعاً مأزوم. وليس مشهد مناقشة الكتلة النيابية للخيارات السياسية ـ الرئاسية الأربعة، الا بمثابة تعبير ناعم عن هذا الإرباك. ليس غريباً أن يقف معظم أعضاء الكتلة ضد ترشيح عون، بل الغرابة في مقاصد تلك «الصندوقة» غير الرسمية.
بدا هذا المشهد «المفبرك»، وكأنه بداية رسالة مشفّرة للرابية بأنّ حِمل تبني الترشيح ثقيل على كتفيّ سعد الحريري. ولا بدّ من وقفة تأمل تعيد جدولة الحسابات واستطراداً الخيارات. فالمبادرة الباريسية التي دفعت بسليمان فرنجية الى الصفّ الأمامي مترنّحة، والمحاولة الثانية لحياكة تفاهم مع رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» مصيرها مثل الأولى عمليا.
ولهذا، ثمة من قرأ في سطور «الانتفاضة المشنوقية»، بداية تموضع جديد لـ «تيار المستقبل»، ونعياً غير رسمي لمبادرة ترشيح عون أو بالأحرى للمسار التفاوضي بين جبران باسيل ونادر الحريري. بتعبير آخر، هناك من رأى أنّ الفريق الأزرق يفكر جدياً في التحوّل من سياسة مدّ اليد للتفاهم، الى خيار المواجهة بأكلافها وأثمانها وأدواتها، علّها تؤمن ما عجزت الديبلوماسية عن تحقيقه.
المطلعون يؤكدون أنّ نقاشاً جدياً فتحت أبوابه داخل «تيار المستقبل» ربطاً بسؤال محوري: الى أين، وذلك بعدما تبيّن أن امكان الخرق على قاعدة التوافق مع الخصوم تحديداً «حزب الله» صعبة جداً ربطاً بالظروف الاقليمية الاشتباكية.
ويجزمون أن المشنوق لطالما دعا رفاقه الى حسم الخيار: اما الذهاب بشجاعة الى التسوية واما الوقوف بشكل واضح على خط المواجهة، لأنّ سياسة «رجل للأمام وأخرى للوراء» لا تفيد ومضارها أكثر من منافعها.
ولهذا يؤكدون أنّ موقف وزير الداخلية لا يمثل عودة الى الوراء ولا هو اندفاعة الى الأمام أي الى المواجهة. ثمة مراوحة لن تكسرها سوى عودة سعد الحريري الى بيروت، الا اذا كان هناك من يملك جوابا على سؤال محوري: اين هي السعودية في كل مفردة من مفردات خطاب وزير الداخلية الأخير؟
(السفير)