الإعلام بين تطبيق القانون والواقع عبد الهادي محفوظ
يمتلك الاعلام المرئي والمسموع تأثيرا غير عادي في صناعة الرأي العام وتوجيهه. فالشاشة تدخل إلى كل بيت ولها سحرها الخاص ذلك أنها تزامن بين الصوت والصورة وتعطي بعدا إضافيا للخبر كما تزامن الحدث…وهكذا أصبح الاعلام والاعلان المرئي يسوّق السياسات والاشخاص والبضائع. ومن هنا الحاجة إلى مناقبية إعلامية وإعلانية. فالاعلام يمكن أن يكون بنـّاء أو هدّاما وفقا للوظيفة التي نريد أن نعطيه إياها. وهو قادر على الإثنين معا.
ففي مراحل الإنقسام السياسي والطوائفي تغلب وظيفة الإنقسام وفي مرحلة السلم الأهلي وفي ظل دولة المؤسسات تغلب وظيفة البناء والوحدة. وهذا ما نأمله في المرحلة الحالية.
البيان الوزاري الأول لحكومة الاستقلال الأولى في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 1943 اعتبر أن «الطائفية تقيّد التقدم الوطني من جهة وتشوّه سمعة لبنان من جهة أخرى فضلاً عن أنها تسمّم روح العلاقات بين الجماعات الروحية المتعددة التي يتألف منها الشعب اللبناني . وقد شهدنا كيف أن الطائفية كانت في معظم الأحيان أداة لكفالة المنافع الخاصة , كما كانت أداة لايهان الحياة الوطنية في لبنان إيهاناً يستفيد منه الأغيار»… والواضح أن الطائفية السياسية هي مصدر أساسي من مصادر الانقسام اللبناني والنزاعات اللبنانية. وهكذا يمكن للاعلامي اللبناني أن يُسهم في بلورة مفهوم أننا نريد أن نكون مواطنين في وطن لا مواطنين في طوائف ومزارع سياسية وهذا يتطلب إسقاط لغة التحدي في العلاقة بين اللبنانيين وبين الموالاة والمعارضة خصوصاً أن تكوين لبنان الهش يجعله أكثر عرضة من غيره في لحظة الضغوط والتأزم التي تمر بها المنطقة . فالتفاعل بين الطوائف على قاعدة المواطنية يغني حوار الطوائف ويجعل من الصيغة اللبنانية التي هي عبارة عن حوار تفاعل بين الأديان رسالة حضارية الى العالم على ما يقول ويستنتج الامام موسى الصدر ويجعل من لبنان ليس مجرد بلد بل رسالة على ما انتهى إليه قداسة الحبر الأعظم البابا يوحنا بولس الثاني …
كما قال ابن خلدون : العصبيات لا تبني أوطانا. وهذه العصبيات اصبحت السمة الاساسية في حسابات المجتمع السياسي وفي الترويج الطوائفي. وهي تعطّـل دور المؤسسات وتطبيق القانون. وهذا ما يتبين من خلال استعراض واقع الإعلام المرئي والمسموع. فالقانون المرئي والمسموع رقم 382/94 يحدد المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع مرجعية لهذا الاعلام تقع على عاتقه مسؤولية المساءلة والتصويب. لكن هذا القانون أعطى المجلس الوطني للاعلام صلاحيات استشارية بحيث يرفع توصيات ملزمة للحكومة في حال حصول مخالفات. غالبا هذه التوصيات تبقى في الأدراج بحكم غياب الإرادة السياسية الواحدة وبحكم الحمايات السياسية والطوائفية وأيضا بحكم المحاصصات الطوائفية على مستوى الإعلام المرئي والمسموع.
واقع الإعلام المرئي والمسموع والالكتروني في ظل القانون المرئي والمسموع 382/94 هو على الشكل الآتي :
– أحيانا كثيرة تتضمن مقدمات الأخبار التشهير بالعديد من الشخصيات والمقامات والاحزاب. وهي أقرب إلى التوصيات السياسية. وهذا مخالف للقانون الذي يشدد على الموضوعية وصحة المعلومة. فما يميز الإعلام المرئي عن المكتوب أنه يستخدم الفضاء وهو ملك عام لا يجوز أن يوضع في تصرف المؤسسة السياسية أو حساباتها. فالهواء السياسي ليس ملكية خاصة بل مرفق عام.
– الاساءة الى دول شقيقة.
– عبارات نابية وعنصرية تنطوي على التحريض الطائفي.
– بث مشاهد لعمليات الاغتيال والحوادث الامنية تتضمن انتهاكا لكرامة الشخصية الانسانية.
– تناول قضايا قيد التحقيق والتدخل في عمل القضاء.
– وضع هواء المؤسسات الاعلامية السياسي في معظم مساحاته بتصرف اتجاهات وتيارات سياسية دون سواها.
– التمييز بين المناطق اللبنانية في التغطية الاخبارية.
– تحوّل المؤسسات الاعلامية الى مواقع طائفية وسياسية.
– تأثير الاعلام المرئي بنسبة 25% بخيارات الناخبين.
بالنسبة للمجلس الوطني للاعلام :
– عدم التمكن من متابعة دوره , حيث لم يوضع بتصرفه الجهاز البشري والتقني اللازم الذي نص عليه القانون وألزم السلطة التنفيذية به.
– تعطيل هيئة البث الاذاعي والتلفزيوني.
– عدم انجاز المخطط التوجيهي للاقنية والترددات الذي يشدد على اعتماد النظام الرقمي. فلبنان هو البلد الوحيد في العالم بعد موريتانيا الذي لم ينفذ خطة الانتقال إلى النظام الرقمي مع ما يستدعي ذلك من حرمانه مستقبلا من الحمايات الدولية لموجاته وقنواته.
– فوضى البث المرمز بالكابل وعدم اصدار قانون للبث المرمز خلافا لما نص عليه قانون الاعلام المرئي.
– استمرار الاعلام الديني خارج اي اطار قانوني محدد لتنظيمه.
– عدم انشاء الشبكة الموحدة للبث التي يمكن عبرها التطبيق الشامل للشروط القانونية والنموذجية وضمانة السلامة العامة.
– الترخيص لقنوات فضائية تبث في لبنان وتكتسب موقعا منافسا للمؤسسات المرخص لها وهي لم تخضع في آليات الترخيص او متابعة الاداء لأي من احكام قانون الاعلام المرئي والمسموع او دفاتر الشروط.
– تحرير القطاع من القيود التي تحد من جذب الاستثمارات الوطنية والعربية والدولية.
– عدم اتخاذ الاجراءات اللازمة لتشجيع الانتاج الوطني التلفزيوني والاذاعي وحمايته.
– غياب التنظيم النقابي لقطاع الاعلام المرئي.
– عدم مراجعة الرسوم بهدف تحويلها الى موازنة مكرسة للانتاج الوطني.
– 30% من الإعلام الإذاعي غير شرعي. كما أن غالبية المؤسسات الإذاعية الشرعية لا تغطي كامل الأراضي اللبنانية كما نص على ذلك القانون.
– عدم صدور قانون ينظم الاعلام رغم أن اللجنة البرلمانية الإعلامية قد أقرَّت مسودة القانون وتوصلت إلى قواسم مشتركة بين اقتراحي القانون المقدمين من النائبين غسان مخيبر وروبير غانم.
– تعيش المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة من مصدرين ماليين وفقا للقانون : الصناعة الدرامية والإعلان.
الصناعة الدرامية في لبنان لم تعد مصدرا بعد أن تراجعت إلى حدود الصفر. والإعلان كمصدر مالي تراجع إلى 40 مليون دولار. وهو يكاد يغطي نفقات مؤسسة تلفزيونية واحدة.
إذن من أين تؤمن المؤسسات التليفزيونية التسع مصادرها المالية. وكل ذلك مؤشر على أن الإعلام المرئي والمسموع في لبنان يتجه إلى الموت بعد أن كان إعلاما أولا في العالم العربي.
لا شك أن مشروع قانون الإعلام الموحَّـد الذي أقرته اللجنة البرلمانية الإعلامية وينتظر تصويت مجلس النواب عليه يوفر واقعا قانونيا جديدا يحرر الإعلام من ظاهرة الإستنساب السياسي ويعالج مشاكل الإعلام المزمنة. ذلك أنه يعطي المجلس الوطني للإعلام صلاحيات تقريرية كاملة من دون الرجوع إلى السلطة التنفيذية كما يدعو إلى إنشاء محكمة إعلامية ويعيد النظر بالعقوبات المترتبة على المخالفات بحيث يستبعد إقفال المؤسسات الدائم ويضيف تدبير الغرامة المالية. كما ينص على استبعاد التوقيف الإحتياطي للصحافيين. والواقع أن هناك نقاطاً لا تزال عالقة ومتروكة للجلسة العامة في مجلس النواب. ومنها موضوع الإمتيازات الحصرية للصحف. وكذلك نسبة ملكية العرب والأجانب في المؤسسات المرئية.
أيا يكن الأمر ثمة ما هو ايجابي في نقاش مشروع قانون الإعلام الجديد أن الفريقين السياسيين الرابع عشر من آذار والثامن من آذار تلاقيا في ايجاد الحلول للواقع الإعلامي. نأمل أن يكون هذا التلاقي مدخلا لتعزيز المشترك الذي يعزز من حضور الدولة والإرادة السياسية الواحدة في وقت تعصف فيه الأعاصير بالمنطقة وتهدد خريطتها السياسية. كما أن استعادة الاعلام اللبناني المرئي والمسموع لمكانته الأولى التي كانت له في العالم العربي تفترض امتلاك الدولة لرؤية إعلامية يكون في صميمها إنشاء مدينة إعلامية في لبنان الذي يمتاز بأنه يمتلك الكادرات والموقع والمناخ والخدمات وهذا ما لا يتوفر في أي مدينة إعلامية عربية بما فيها دبي. ومثل هذه المدينة الإعلامية في لبنان يمكنها أن تستقطب المؤسسات الإعلامية العربية والغربية وتشغـِّل المئات من خريجي كليات الإعلام على اختلاف اختصاصاتهم من كتاب وصحافيين ومخرجين ومصورين. كما أن هذه الإستعادة تفرض على الدولة تخفيف الأعباء المالية عن المؤسسات المرئية والإذاعية ، ذلك أن الدول الخليجية أدركت أهمية الإعلام المرئي فأطلقت مئات القنوات التي تتناول الأخبار والفنون والرياضة والطقس والطيور ، كما أنها ترعى مؤسساتها بالحماية والعناية.
(الديار)