بقلم غالب قنديل

التحول الاستراتيجي الجديد

غالب قنديل

تركزت الأنظار على مطار همدان في الجمهورية الإسلامية حيث ظهر التطور العسكري الجديد في سورية ومن حولها بغارات شنتها من هناك مقاتلات استراتيجية روسية على مواقع عصابات الإرهاب في مناطق حلب وإدلب وغيرها وهذا الحدث الكبير الذي يستكمل عاصفة السوخوي الأولى في خريف العام الماضي سيكون نقطة انطلاق لتحولات ضخمة وحاسمة دوليا وإقليميا وسيبقى علامة فارقة في ولادة تكتل الشرق الجديد الذي يغير وجه العالم والمنطقة من سورية.

سوف ينقضي وقت طويل قبل ان تعرف جميع قرارات وزراء الدفاع الثلاثة الروسي والإيراني والسوري في طهران وكذلك التعبيرات التي يرمز إليها القرار الصيني الذي أعلنه مسؤول عسكري كبير يزور دمشق عن اعتزام الصين تقديم مساعدات عسكرية للجيش العربي السوري على صعيد التجهيز والتدريب والتسليح وهو مايمثل بذاته مؤشرا نوعيا آخر على مروحة الاستعداد والانخراط العملي في دعم سورية من جميع شركائها الاستراتيجيين .

اولا الشراكة مع سورية في مقاتلة الإرهاب هو خيار حلفاء سورية في نهج مناهضة الهيمنة الأميركية الأحادية على العالم وخصوصا روسيا وإيران والصين وهؤلاء الحلفاء ينتقلون هجوميا من الإسناد السياسي والاقتصادي والعسكري إلى الانخراط المباشر في جهود عسكرية استراتيجية لقلب ميزان القوى وكسر مخطط الاستنزاف الذي ينفذه حلف العدوان بقيادته الأميركية وبجميع اطرافه فالواضح ان سورية وحلفاءها قرروا فرض امر واقع جديد في الميدان السوري قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية وبعد استنفاذ الفرص التي منحتها موسكو لواشنطن وأهدرت بل واستغلت لتعزيز قدرات العصابات الإرهابية وزمر القاعدة وداعش فبات المخرج في وضع الجميع أمام الأمر الواقع بخطوات جريئة وراسخة تؤسس لمعادلات جديدة.

ثانيا يدخل الحلف الوثيق بين روسيا وإيران مرحلة أشد قوة وفاعلية وليس من البسيط ان تكون الطائرات الحربية والصواريخ المجنحة الروسية اول طائرات حربية وصواريخ غير إيرانية يؤذن لها بعبور الأجواء منذ انتصار الثورة ومن ثم اول طائرات اجنبية تتواجد على الأرض في قواعد لسلاح الجو الإيراني وهي فاتحة لخطوات جدية وواسعة في مجال التعاون العسكري بين الدولتين الصديقتين والرئيسيتين في محور الشرق الجديد الذي يرتسم على طريق الحرير ويضم إلى روسيا وإيران وسورية الصين والهند عددا كبيرا من الدول التي ستنضم بعد سطوع جاذبية هذا المشروع الكبير الموازي لمنظمة شانغهاي وبروز ما فيهما من مزايا تجارية وتقنية واقتصادية في جميع المجالات.

ثالثا شركاء سورية جميعا مهددون بالإرهاب الذي تسعى الولايات المتحدة وحكومات الناتو على الدوام لاستعماله وإعادة توجيهه وبالتالي فالإرهاب التكفيري الذي حشد الى سورية باشراف أميركي تتواجد فيه جماعات معدة لتنقل إلى روسيا والصين وإيران وغيرها من الدول التي تريد واشنطن استنزافها وإخضاعها والحد من قدرتها على اعتراض الخطط والأحلاف الأميركية في العالم وليس من المصادفات ان تفيض حملة كلينتون الانتخابية بالعداء لروسيا وإيران وبالتحريض والحشد ضد الصين وهي صاحبة فكرة محور لآسيا التي سعى باراك اوباما لتجسيدها ضد الصين وبما ان الحروب بالوكالة هي خيار الولايات المتحدة بعد فشل غزواتها العسكرية فخطر استعمال الإرهاب المرتد من سورية هو الداهم وبات طريق انتصار سورية هو طريق حماية حلفائها بدون استثناء .

رابعا المناورات والأكاذيب الأميركية الغربية والتركية تهاوت تباعا في قضية مكافحة الإرهاب بعد افتضاح امرها في حلب ولذا فقد جاء القرار الميداني الروسي الإيراني السوري ليضع الجميع امام الأمر الواقع وليقول لهم لن ننتظر احدا نحن نبادر ونغير الوقائع والتوازنات ومن يرد ان يلتحق بحملاتنا فأهلا وسهلا ومن يعزف فلينتظر النتائج في خطوات لن يكون ما بعدها مثل ما قبلها في جميع المستويات العسكرية والسياسية .

في الميدان السوري ترتسم الخرائط الجديدة والتوازنات الجديدة في المنطقة والعالم والقرار الروسي الكبير يتزامن مع ثبات إيران على موقفها الأخوي اتجاه سورية وقيادتها وشعبها وقواتها المسلحة وفي هذا الميدان تنبثق منظومات القوة الإقليمية والعالمية المناهضة للهيمنة الاستعمارية واليوم يتضح توقيت نداء قائد المقاومة السيد حسن نصرالله إلى من غررت بهم جماعات التكفير ليلقوا السلاح وليقبلوا على فرص المصالحة قبل ان يطحنوا في سورية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى