نهاية آب 2016 موعد فاصل فتذكّروه
ناصر قنديل
– منذ ثلاث سنوات وكل شيء يقول إن نهاية آب 2016 سيكون موعداً فاصلاً للحرب في سورية، وقد كتبت تحت عنوان «آب المقدّس». من أين جاءت هذه القدسية، منذ فترة؟ فمن أين جاءت في تشرين الثاني 2013 مع توقيع التفاهم على الحل السياسي للسلاح الكيميائي السوري، بعد التسليم الأميركي باستحالة الذهاب للحرب، وقبول عودة الأساطيل التي جاءت لتخوض حرباً من دون أن تخوضها، والعودة للمفاوضات حول الملف النووي الإيراني التي كانت معطلة منذ سنة وأشهر في آب 2012 بعد مفاوضات بغداد التي لم يعد سراً أنها تعطلت بسبب رفض إيران إدخال الوضع في سورية بنداً على جدول أعمالها؟ ومن أين جاءت مهلة السنة لهذه المفاوضات، وعندما انتهت السنة في تشرين الثاني 2014 وكل شيء يوحي في فيينا حينها، أن الاتفاق بخطوطه العريضة بات مبرماً، لدرجة قال فيها جيفري فيلتمان، على لسان النائب وليد جنبلاط «نحتاج ونريد هذا الاتفاق ونريده مثلما تحتاجه وتريده إيران وربما أكثر، لكننا مددنا مهل التفاوض لنمنح حلفاءنا الوقت اللازم ليتأقلموا مع مرحلة التفاهمات»؟ ليصير السؤال من أين جاءت مهلة الأشهر السبعة لتمديد التفاوض، وليس الثلاثة مثلاً أو الستة، وفقاً لانتظام القياس بمعيار اختيار السنة وأجزائها المتساوية، لتنتهي المهلة في مطلع تموز 2015، ويتم توقيع الاتفاق في منتصفه، بعدما وقع اتفاق الإطار في نهاية آذار الذي سبق، وتترك مهلة سنة من منتصف تموز 2015 لمنتصف تموز 2016 لإنضاج التفاهم حول سورية، كما قال عملياً قرار مجلس الأمن 2254 الصادر مطلع 2016، إن شهر آب موعد دستور جديد في سورية، والقصد طبعاً موعد لنهاية حاسمة، بدستور أو بسواه، لأن الأهم هو آب وليس طبيعة ووجهة التحول الحاسم فيه.
– آب 2016 لم يرد في حساب السنة والأشهر السبعة للملف النووي الإيراني من استحقاقات إيرانية، أو تقويم إيراني، ولا جاء للمشهد السوري من استحقاقات سورية أو تقويم سوري، بل جاء إليهما من استحقاق أميركي، وتقويم أميركي، ليدخل إلى سائر الملفات التي تهتم لها واشنطن. فملفا إيران وسورية بترابطهما العضوي، هما ملفا واشنطن المركزيان في الشرق الأوسط، وبالمكانة التي يحتلها الشرق الأوسط منذ خرجت واشنطن لحربي أفغانستان والعراق، هما ركيزة استيلاد الشرق الأوسط الجديد، وبقدر الانخراط الروسي فيهما سيكونان ركيزة بناء العلاقات الروسية الأميركية، وعبرها ركيزة النظام العالمي الجديد. وهذا ما صار أشد وضوحاً مع التموضع العسكري الروسي في سورية، في مرحلة ما بعد التفاهم على الملف النووي الإيراني وتوقيعه، ولا فرص للانتظار لما بعد آب 2016 للخطوات الحاسمة في تركيز قواعد النظامين الدولي والإقليمي الجديدين، وإلا صار الخروج النهائي من أفغانستان مطلع 2017، ومعه الخروج من البيت البيض للرئيس الحالي وإدارته، وتولي إدارة جديدة، إعلاناً بتسليم آسيا للثلاثي الآسيوي الروسي الإيراني الصيني، المتصل حينها براً عبر أفغانستان، للمرة الأولى منذ انتصار الثورة في إيران. وهو ما حالت دونه واشنطن لقرابة أربعة عقود، وخاضت لأجل منع حدوثه أو تعطيل مفاعيله ببلوغ البحر المتوسط حروباً وحروباً، كانت أهمها وأخطرها وأكبرها وآخرها حرب سورية، ففي نهاية آب آخر الفرص لفعل شيء بحجم التفاهم مع روسيا وإيران، على خريطة سورية بشقّيها، الحرب على الإرهاب ومستقبل الدولة السورية، بعدما منحت واشنطن التي فشلت بإسقاط سورية بالضربة القاضية من الجولة الأولى، أسوة بما فعلت في مصر وتونس وليبيا واليمن، الوقت الكافي للجولات المتلاحقة بالخيارات المتعددة، لكسب النتيجة بالنقاط وترصدت الحسابات التي يمكن أن تبنى عليها التفاهمات.
– ليس سراً أن ما يجري حول سورية خلال هذا الشهر كبير جداً، وحاسم ومصيري. وليس سراً أن هذا التدافع في الأحداث الكبرى والتزامن والتتابع لم يأتِ بالصدفة، وأن استحقاق نهاية آب يلاحق الأميركيين للتسريع بفعل ما يجب فعله، وأن حلفاء واشنطن الذين نالوا الوقت المستقطع لحسم حروبهم في اليمن وشمال سورية وجنوبها، في ما يخص السعودية وتركيا وإسرائيل، ليقتطع كل منهم الجغرافيا التي تحجز له مقعداً تفاوضياً مناسباً في النظام الإقليمي الجديد، فقدوا القدرة على طلب المزيد، وبعضهم يماشي الأميركي في توظيف ما لديه لاستباق نهاية المهلة الأخيرة كحال تركيا، مكتفياً بما لديه ليدخل قطار التسويات، بعدما أدرك أن ما حجزه من الجغرافيا السورية مطلع عام 2015 مستفيداً من مهلة المفاوضات الممددة للملف النووي الإيراني، صار عبئاً عليه بتوازن رعب اقتطاعات جغرافية مشابهة قام بها الأكراد، وصارت مقايضتها بدخول التسوية الشاملة لحساب دولة سورية موحّدة يعرف سلفاً أنها بقيادة الرئيس السوري بشار الأسد هي أفضل الشرور عنده، طالما سيلقى دعماً وعوناً لاقتصاده المنهار من موسكو وطهران وتعويماً لمكانته السياسية بما يعوّض بعض خسائر المقامرة المجنونة التي رمى بكل رصيده فيها، تحت عنوان حلم السلطنة، وبعضهم يعتمد على رصيده الأميركي ليكون ضمن أي تسوية كحال «الإسرائيلي» الذي خسر جولة جنوب سورية مع المقاومة منذ عملية القنيطرة مطلع عام 2015، مع بداية المهلة الممددة لمفاوضات النووي الإيراني، فيفتح منصات التسويات الكبرى بالتناغم مع المبادرة الفرنسية لمفاوضات فلسطينية «إسرائيلية»، تتم تحت عنوان المبادرة العربية للسلام وتنتهي بدويلة في غزة، بمثل ما ينفتح على فرضيات حروب محدودة تفتح باب مفاوضات سلام شاملة، بينما بقي السعودي ينتقل من فشل إلى فشل وتورط إلى تورط ومن عناد إلى عناد، ليتولى وحده دفع فواتير الخسائر المتراكمة على حلف الحرب كله.
– في منتصف آب تتسارع الأحداث وتتدافع التطورات، ليظهر كأن حلفاً يضمّ روسيا وأميركا وإيران وتركيا وسورية والعراق، يتناغم على ساحة الشرق الأوسط، فتنضمّ أميركا ممسكة بيد روسيا في إعلان لافت لوزيري الدفاع والخارجية الروسيين عن تعاون أميركي روسي عسكري وشيك في حلب. وتعلن تركيا عن تعاونها مع روسيا وإيران وتطوّرات حاسمة قريبة في سورية، ويستعد العراق لاستقبال مفاعيل هذا التعاون في حرب الموصل. وتتموضع القاذفات الاستراتيجية الروسية في إيران. وتعلن واشنطن عن تفاهم مع تركيا رغم كل التوتر، على تموضع طائرات ستحتاجها في الحرب على داعش في قاعدة أنجرليك. ويوجه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله نداء لجماعات النصرة وداعش بأن الساعة الحاسمة تقترب، وثمة شق في الباب قد يفتح إذا أرادوا أو أراد بعضهم الخروج من هذه الحرب، قبل أن تبدأ الحمم بالتساقط فوق رؤوسهم، وتتقدم القوات لتجتاح معاقلهم.
– سيشهد التعاون الأميركي الروسي تجاذبات كثيرة في الأيام المتبقية من آب، في ضوء ارتباك الإدارة التي تنهي مهامها، مع دخول المرشحة الرئاسية الديمقراطية هيلاري كلينتون وفريقها المكون من وزير الدفاع الحالي آشتون كارتر ومدير المخابرات السابق ديفيد بتريوس لتأجيل هذا التعاون. بينما تبدو روسيا ماضية مع حلفائها نحو الموعد المتفق عليه وهو نهاية آب، مع واشنطن وبدونها. وهذا ما تعلمه واشنطن ويضغط عليها بقوة، بينما تبدو تركيا قد قدمت بوقوفها أمام أميركا في مسار التعاون سبباً إضافياً للارتباك الأميركي، وسيتصل وزير الخارجية الأميركية جون كيري حتى نهاية آب مراراً بنظيريه الروسي والتركي.
– إنها اللحظة التي لا يشبهها إلا تزامن الإنزال الأميركي في النورماندي مع الزحف السوفياتي نحو برلين، في نهاية الحرب العالمية الثانية، ووحدها جماعة الرياض في «كوما سياسية» تشبه ما كانت عليه جماعة فيشي الفرنسية التي تعاملت مع الاحتلال النازي، تنتظر مصيرها الأسود وقادتها يبشرون بـ «أنهم على ثقة بأن التطورات المقبلة من واشنطن وانقرة لصالحهم وأن راعيهم السعودي يسيطر على الأمور» ويقف بعيداً من يقول لهم همساً، نعيماً… تعيشوا وتاكلوا غيرها… كل ثورة وأنتم بخير… تخبزوا بالعافية يا شباب… الجنسية التركية أفضل ما سيُعرض عليكم فلا تفوّتوا الفرصة مع تملككم شققكم الفارهة على البوسوفور.
(البناء)