تموز والدرس الإعلامي
غالب قنديل
قبل أيام تلاقينا بدعوة من مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله الأخ والزميل محمد عفيف وقد تواجد في اللقاء عدد من الإعلاميات والإعلاميين الذي اطلقنا عليهم تسمية مجموعة تموز الإعلامية في مقال سابق وهم الذين تطوعوا خلال العدوان لخوض معركة الدفاع عن لبنان والمقاومة وكانوا فريقا عمل بانتظام وتناغم لفترة طويلة وممتدة بعد الانتصار في قيادة المواجهة الإعلامية وبالطبع فإنهم بذلوا جهودا مهمة إلى جانب عدد من الصحف الوطنية والمؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة والعديد من الكتاب والإعلاميين الذين وقفوا بحزم في وجه العدوان وناصروا المقاومة وتصدوا لكل من استهدفها وسعى لتبخيس دورها التاريخي دفاعا عن الوطن.
تتذكر المقاومة جميع شركاء النصر فهذا معروف عنها ومشهود لها به اتجاه جميع الحلفاء من حكومات وأحزاب سياسية وزعامات لبنانية وقد يجد الباحث صعوبة في حصرها بالاسماء لعددها الكبير ولطالما تذكرنا من خطاب الانتصار عام 2006 اعتذار السيد نصرالله لعدم ذكر جميع الشركاء بالأسماء حتى لا ينسى احدا فالحق يقال إن حشدا وطنيا عظيما قد التف حول المقاومة في تلك الملحمة وقد بادلته المقاومة العرفان بأشكال متعددة عملا بأخلاقيات الوفاء التي تميزها باعتراف العدو والصديق.
لكن وقع هذه الدعوة بالذات كان كبيرا عند الزميلات والزملاء المدعوين الذين أثر فيهم ان تكون المقاومة تذكر جهودهم التطوعية وتقدر ما قاموا به في اوقات حرجة ولو بعد عشر سنوات وهي تشهد لهم بما بذلوه من جهد فكري وإعلامي دفاعا عن الوطن الذي افتداه المقاومون بأرواحهم .
من الأمراض السياسية التي تستحق النقد اعتبار البعض أن وقوفه مع المقاومة والجيش في حرب تموز هو جميل سياسي او فضل إعلامي فالجميع وقفوا مع انفسهم ومع وطنهم وشعبهم وبالتالي هو الواجب الوطني المبدئي الذي لا شكر عليه لأي كان، لكن قيادة حزب الله وبدافع من الوفاء تسجل دوما شكرها لمن يتخذون الخيار في التوقيت المناسب وهكذا مثلا كان تعاملها الاستثنائي مع العماد ميشال عون الذي شكل موقفه في تموز انقلابا تاريخيا وثورة ثقافية كرست انتقال شريك كبير في الوطن إلى جبهة الدفاع ضد العدوان والتلاحم مع المقاومة وهي اولت اهتماما موازيا بمواقف قيادات كثيرة كالرئيس إميل لحود والرئيس سليم الحص والرئيس الراحل عمر كرامي والوزيرين سليمان فرنجية وطلال إرسلان وسواهم وكما يقول السيد لا مجال لذكر الجميع حتى لا ننسى أحدا.
مجموعة تموز الإعلامية تنادت في اول أيام العدوان للقاء من غير عوائق وبدون شروط وتطوع فيها زميلات وزملاء للمشاركة في بلورة الخطاب الإعلامي الوطني ولمواجهة العدوان الصهيوني على لبنان وقد أدى هذا الفريق دوره بإتقان وبكفاءة وبتواضع ولم تعلن الأسماء والأدوار حتى اليوم لابتعاد المشاركين جميعا عن الاستعراض بتواضع الملتزمين الذين يخجلون بجهودهم أمام تضحيات المقاومين والجنود في الميادين وهو ما قيل منهم صراحة خلال اللقاء.
حركت المناسبة لدينا فكرة اهمية المعركة الإعلامية التي كانت في تموز من اخطر فصول الحرب وقد سخرت لها كالعادة إمبراطوريات إعلامية عملاقة غربية وخليجية استنفرت لمؤازرة جيش العدو الصهيوني ولتشويه صورة المقاومة وقلب الحقائق وبداية لإظهار الكيان الصهيوني في حالة الدفاع وحزب الله في موقع المعتدي في حين ركزت تلك الوسائل العملاقة جانبا مهما من جهودها لاستثارة المزيد من التناقضات اللبنانية ولتسعير الحملات ضد حزب الله التي انطلقت من الرياض والقاهرة ببيانات رسمية تلقفتها قوى الرابع عشر من آذار في لبنان واجترها قسم من الإعلام اللبناني بلا رفة جفن وقد كشفت تصريحات جيفري فيلتمان بعد انتقاله من عوكر إلى واشنطن عن غرف عمليات إعلامية لشيطنة المقاومة انفق عليها السفير فوق العادة ملايين الدولارات لتبلغ نصف مليار دولار خلال سنوات كان من بينها واهمها عام 2006 بالنظر لما طرحته الحرب من رهانات في المخيلة الأميركية الصهيونية السعودية تلقفها الفريق اللبناني الذي تورط في مساندة الحرب الإسرائيلية وحساباتها وفصولها.
عندما توقف العدوان كانت المعركة الإعلامية التي خاضتها المقاومة ومناصروها قد حصدت بعضا من أهدافها لكنها واجهت تحدي الإنكار المدبر ضد النصر التاريخي لحماية صورة التفوق الصهيوني الافتراضية التي حكمت العقل العربي وسيطرت عليه منذ هزيمة العام 1967 لكن تلك الصورة ترنحت عام 2000 مع التحرير وانهارت على أرض الواقع في العام 2006 بقدرات المقاومة وبردعها الذي اعترف به تقرير فينوغراد وبالرغم مما تقدم فقد استمر الإنكار وتواصل بدافع الرعب من تعاظم الزخم الشعبي والسياسي للمقاومة ولمناصريها في البلاد العربية .
هكذا كان الخيار الذي ذهب إليه حلف العدوان بقيادته الأميركية هو تحضير وحش التكفير وتصنيع مشروع الفتنة لتمزيق الشارع ولصرفه عن محورية المقاومة ضد الصهاينة وهكذا تعددت وتعقدت جبهات القتال الإعلامية واشتدت أهميتها مع انطلاق العدوان على سورية حين وقع البعض في فخ الدعاية الأميركية عن ثورات من اجل الديمقراطية امتطاها انتهازيون ومرتزقة شكلوا واجهات لوحش التكفير وجيوش العملاء في حرب أميركية بالواسطة محكمة التحضير والترابط لتمزيق الدول والمجتمعات والجيوش ولإحياء فكرة الشرق الأوسط الجديد التي سقطت في حرب تموز وقد اقتضى انتظار وقت غير قصير لجلاء الصورة ولمراجعة المواقف الخاطئة.
تتزايد الحاجة اكثر من أي وقت مضى لمجموعات تفكير وتخطيط وإدارة في معركة الإعلام او الأصح كما يسميها السيد نصرالله معركة الوعي وهذا يتطلب جهدا وإمكانات لا تعطى الاهتمام الكافي حتى اليوم لدى قوى المقاومة والاستقلال في منطقتنا بكل أسف وهذا يشمل خصوصا كلا من إيران وسورية وحزب الله وجميع انصار الخيار الاستقلالي المناهض للهيمنة الاستعمارية الصهيونية في البلاد العربية .
علينا دراسة التجارب التي نجحت ومنها تجربة تموز وان نبني عليها وان نعين وجوه القصور والفشل لاستنباط ما يتناسب والتحديات الراهنة خصوصا واننا مقبلون على مراحل يجمع فيها حلف العدوان بين استراتيجيات الحروب الناعمة والحروب بالواسطة وهما أشد تعقيدا وصعوبة في جبهات الإعلام والثقافة والفكر السياسي من حروب الغزو والاحتلال.