مقالات مختارة

«معارك النفس الطويل» في حلب: عملياتٌ «تمهيديّة» للجيش وحلفائه صهيب عنجريني

 

دشّن الجيش السوري أمس «مرحلةً تمهيديّة» من معارك استعادة ما خسره سابقاً في المحاور الجنوبية الغربية. جاء ذلك وسط استمرار طرفي المعارك في حشد وترميم الجبهات، استعداداً (على ما يبدو) لأشواط طويلة من القتال

معارك حلب مستمّرةٌ إلى حين. كلّ معطيات الميدان تؤكّد أنّ نجاح أحد المحورين في قلب الموازين بين عشيّة وضحاها لا يبدو أمراً متوقّعاً.

المؤكّد أيضاً أنّ الجبهات ليست مرشّحةً للانعطاف نحو انخفاض في حدّة الاشتباكات على المدى المنظور. وعلى العكس منذ ذلك، تنحو المعارك منحى يُحسب فيه التقدّم بعشرات الأمتار، ويكتسبُ معه كل مبنى أو نقطة تمركز يضمّها أحد الطرفين إلى سيطرته أهميّة مؤثّرة في المحصّلة النهائية. ويمكن القول إنّ هذا المسار ليس غريباً أو مفاجئاً بالنظر إلى مفصلية المعارك، والأهمية الاستثنائية لـ«عاصمة الشمال». ومنذ دقّت المجموعات المسلحة ناقوس الخطر، واستنفرت آلاف «الجهاديين» ومئات «الانغماسيّين» سعياً إلى فك «طوق حلب» كان من الواضح أنّ «جيش الفتح» (بـ«نصرته» و«تركستانه» وبقيّة اللائحة) يعي جيّداً حجم الخطر الذي يتهدّده بفعل «الطوق»، وأنّ المعركة باتت معركة وجود. في المقابل لا يبدو الجيش السوري وحلفاؤه في وارد قبول عودة عقارب الميدان إلى ما قبل السابع والعشرين من تموز. وتعكس الكواليس العسكرية السورية حجم الأهمية الموالاة لمعارك حلب، فالزيارة التي قام بها وزير الدفاع فهد جاسم الفريج قبل يومين لم تكن رمزيّة على الإطلاق. عمليّات «التقييم» التي تناولت المرحلة الماضية من المعارك، وخيارات الجبهات في المراحل القادمة أفضَت إلى جملة تغييرات من المرجّح ألا تقتصر على بعض القيادات وأن تتعدّاها إلى توزيع بعض القوّات على المحاور. ويسعى الجيش إلى استعادة النقاط التي خسرها إثر الانسحاب المفاجئ من مجمّع الكليّات العسكريّة (جنوب غرب حلب) إضافة إلى التلال الاستراتيجيّة، والعمل إلى تثبيت خطوط دفاع متقدّمة على مسافة من مداخل المدينة. ويهدف من وراء ذلك إلى إعادة إحكام «الطوق» بالسيطرة الميدانيّة وتوسيع هامش الأمان حوله، بعدَما أفلح أخيراً في سدّ «ثغرة الراموسة» بالنار. فيما يعمل «الحزب الإسلاميّ التركستاني» و«جبهة فتح الشّام/ النصرة» و«حركة أحرار الشام الإسلامية» وحلفاؤهم على تحقيق تقدّم إضافي نحو الأحياء الغربيّة، سعياً إلى جعل استغلال «الثغرة» أمراً متاحاً، والعمل على توسيعها وتحويلها إلى ممرّ دائم.

وبدا لافتاً أنّ طرفي المعارك يواصلان الحشد واستقدام الإمدادات، وإعادة توزيع القوات وكل ما تستلزمه المعارك من استعدادات على وقع نيران الوسائط بمختلف صنوفها، ومن دون أن تنخفض حدّة المواجهات. ويندرج ذلك في خانة حرص كلّ من الطرفين على عدم السماح للطرف الآخر بالتقاط الأنفاس، واستنزافه بأكبر قدر ممكن من الخسائر. مصدر ميداني سوريّ أكّد لـ«الأخبار» أنّ «المعطيات العامة مبشّرة، والمبادرة في يد الجيش وحلفائه على كل المحاور». المصدر قال إنّ «جاهزية القوات تامّة. سواء في ذلك ما يتعلّق بالعديد، أو العتاد أو خطوط الإمداد المفتوحة والمؤمّنة». في المقابل، واصلت مصادر المجموعات المسلّحة الحديث عن دخول مقاتلين جدد إلى ساحة المعركة، ووصول عدد منهم إلى الأحياء الشرقية. واحتفت صفحات ومواقع المعارضة بشريطٍ مصوّر يَظهر فيه السعودي عبد الله المحيسني (عرّاب «جيش الفتح») داخل تلك الأحياء. وزعم المحيسني في الشريط المذكور أنّه دخل رفقة ألف «انغماسي» وتوعّد بأنّ «المعركة لم تبدأ بعد، وفكّ الحصار هو البداية»، وأنّ «نتيجة المعركة المقبلة ستكون أن نلقي خطبة في ساحة سعد الله الجابري (وسط حلب)». ويندرج شريط المحيسني بما اشتمل عليه من مبالغات في خانة «الحرب النفسيّة» التي عادت بدءاً من أمس لتشهد نشاطاً ملحوظاً تجلّى في زيادة جرعة «البروباغندا» الإعلاميّة المبثوثة سواء عبر وسائل الإعلام التقليديّة أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم ممّا تؤكّده معلومات متقاطعة حصلت عليها «الأخبار» من مصادر عدّة عن دخول عدد من المقاتلين وكميّات من الذخيرة إلى أحياء حلب الشرقيّة فور نجاح «جيش الفتح» في إحداث «ثغرة الراموسة»، غير أنّ المؤكّد وفقاً للمعلومات أنّ عدد الداخلين «لم يتجاوز العشرات». وأمس دشّن الجيش السوري عمليّات متزامنةً في معظم نقاط الاشتباك الممتدّة على طول جبهة الجنوب الغربي استُبقَت بتمهيد ناريّ مكثّف. وحقّقت القوّات تقدّماً طفيفاً على بعض المحاور، ولا سيّما محور مشروع «1070» (شقّة) المتاخم لحي الحمدانيّة المترامي الأطراف، إضافةً إلى بعض النقاط في محيط الكليّات. وكان سكّان حي الحمدانية قد عايشوا يوماً جديداً من الأيّام الدامية، إثرَ إمطار المجموعات المسلحة الحيّ بعشرات القذائف الصاروخيّة. واستهدف عدد من القذائف سوق الهال المركزي، الذي اتّخذ أمس قرارٌ بنقله خارج الحي. السجالات السياسيّة بدورها لم تتخلّف عن مواكبة سخونة المشهد الحلبي، وتركّزت في الدرجة الأولى حول مقترح تهدئة «الساعات الثلاث يوميّاً» الروسي. ومن الملاحظ في هذا الإطار أنّ الطرف الرئيس المقابل لموسكو في السجال المفتوح لم يكن الولايات المتحدة، أو أيّاً من حلفائها بل تصدّت لهذه المهمة في الدرجة الأولى منظمة الأمم المتحدة. وقال المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في مؤتمر صحافي عقده أمس إنّ «الساعات الثلاث غير كافية، ونحتاج إلى 48 ساعة».

(الاخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى