14 آذار: الرياض تتركنا بمواجهة طهران وحدنا ابراهيم ناصرالدين
عندما حدد وزير الخارجية الاميركي جون كيري خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف مطلع شهر آب موعدا لبدء المرحلة الانتقالية في سوريا ظن عدد من المسؤولين اللبنانيين ومنهم رئيس مجلس النواب نبيه بري ان انطلاق الحوار اللبناني في هذه الفترة سيكون مناسبا لمواكبة التسوية المفترضة في سوريا، لكن حساب «الحقل تعارض مع حساب البيدر»، احداث كبيرة وكثيرة غيرت معالم هذا التفاهم «المتعثر» مرحليا، «انقلاب» تركيا المفاجىء خلط الاوراق، هجوم تطويق حلب «غير المفاجىء» فرض وقائع جديدة لا يمكن لاحد تجاوزها، تسريع السعودية وبعض دول الخليج التطبيع العلني مع اسرائيل فرض حسابات ايرانية جديدة، كلها احداث لا تصب في مصلحة انطلاق التسوية اللبنانية، ما يعني ان الازمة مرشحة للمزيد من الجمود بانتظار حدث ما يحرك «المياه الراكدة»… وهو «المجهول» الذي يخشاه رئيس المجلس النيابي الذي سيخلص في نهاية الجولة الحوارية الجديدة الى مقولته الشهيرة «اللهم اني قد بلغت»…
وفي هذا السياق تقول مصادر دبلوماسية في بيروت ان الاجواء التفاؤلية الحذرة عند رئيس مجلس النواب اللبناني تقاطعت حينها مع معلومات قدمتها اوساط غربية لبعض اصدقائها في بيروت على شكل نصيحة، وفي مقدمتهم النائب وليد جنبلاط، لضرورة الانتباه الى امكانية ان يتحول لبنان قريبا الى محطة مركزية، دولية لاعادة اعمار سوريا والاجدى في هذه المرحلة العمل على الحصول على حصة معقولة من «كعكة» إعادة الإعمار بعد إنتهاء ملامح «الصفقة الكبرى» بين الاميركيين والروس، مع تأكيد تلك الاوساط على ان مسألة ضرب تنظيم «داعش» في الموصل والرقة ودير الزور مسألة وقت ليس الا، اما «صفحة» التنظيمات الارهابية الاخرى، فقد بدأت تطوى تدريجياً ومضمون الاتفاق الأميركي الروسي سينتج عنه في المحصلة صفقة شاملة ستؤدي الى تصفية الفصائل المتطرفة واشراك «المعتدلة» بالحل وبعدها يبدأ فصل »إعادة الإعمار«.
طبعا هذه الاجواء نقلها «البيك» الى بري، وهي معلومات قد تكون وراء قبول جنبلاط بفكرة انتخاب رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون رئيسا للجمهورية، فما نقلته تلك الاوساط كان حاسما لجهة بقاء الرئيس السوري بشار الاسد، وهي مسألة حسمت بين الطرفين الروسي والاميركي، وبقائه في المرحلة الانتقالية بات امرا مسلما به، وبحسب المعلومات فان واشنطن سلمت بالامر الواقع على ان تشمل «الصفقة» تعيين ثلاثة نواب للرئيس واحد تسميه المعارضة وآخر يسميه النظام السوري والثالث «حيادي» على ان يتنازل الرئيس عن صلاحيات محدودة وغير مؤثرة… وعلى ان يتم صياغة دستور جديد واجراء انتخابات نيابية ورئاسية مفتوحة امام الجميع ولا يستثنى منها أحد…
لكن التطورات والاحداث في المنطقة «فرملة» التفاهم، وتبين ان ثمة عراقيل اقليمية دخلت على «الخط» وزادت من سوء الاوضاع، الخلاف الاميركي التركي عقب الانقلاب الفاشل ادى الى تراجع «المونة» الاميركية على تركيا التي دخلت في مرحلة «اعادة الحسابات… السعودية ومعها دول خليجية ضغطت على واشنطن لتمييع التفاهم مع الروس وتأجيل تنفيذه، ما ادى الى ازمة حقيقية بين موسكو وحليفيها الايراني- والسوري، ليحصل في وقت لاحق التفاهم على معركة حلب لقلب التوازنات الميدانية ودفع الولايات المتحدة للعودة الى تطبيق التفاهمات، وكان التظهير الاول لهذا الاتفاق عن طريق الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي اعلن في خطابه قبل الاخير عن «الحسم الاستراتيجي» في حلب… وجاءت احداث الايام الاخيرة لتثبت ان انطلاق الحوار اللبناني جاء في اكثر الاوقات سوءا، الجميع منشغل «بالملحمة الحلبية» ويسعى لكسب المعركة هناك، لا احد مستعد للتخلي عن اي من اوراقه مهما بلغت «تفاهتها»، لن تنجح اي عملية تفاوض في بيروت بينما تشتعل النيران في «الشهباء»، معادلة يعرفها جميع من تحلقوا حول طاولة الحوار ولا يأمل اي منهم بخروج «الدخان الابيض» قبل انقشاع «الدخان الاسود» من السماء السورية..
وفي هذا الاطار، تلفت اوساط سياسية مطلعة في بيروت الى التفاوت الواضح في تعامل كل من طهران والرياض مع الملف اللبناني، وهذا ينعكس بشكل واضح على الحلفاء اللبنانيين، فثمة زيارات شبه شهرية للمسؤولين الايرانيين لبيروت، وتشكل اللقاءات بين هؤلاء والسيد نصرالله جزءا رئيسيا من اهداف هذه الزيارات التي يجري تزيينها بجدول اعمال رسمي لا «يثمن ولا يغني من جوع»، في المقابل تدير السعودية «ظهرها» للبنان الرسمي ولحلفائها الذي يعانون في طلب المواعيد خصوصا في فصل الصيف، وهو موعد «مقدس» لاجازات الامراء الصيفية خارج المملكة، وآخر ما يعلق في ذاكرة اللبنانيين التهديد الدبلوماسي السعودي في القمة الاخيرة في موريتانيا والذي اجبر رئيس الحكومة تمام سلام على ارسال توضيح مكتوب لصحيفة السعودية حول موقف لبنان من البيان الذي يدين التدخلات الايرانية، بعد ان التبس الامر على المسؤولين السعوديين.. وفيما ينتظر الرئيس سعد الحريري نيل «المغفرة» الملكية، لا تزال اصداء التهشيم الشخصي لوزير الداخلية نهاد المشنوق من قبل مصدر رسمي سعودي تتردد في بيروت، بعد ان عيره بانه كان ليكون في سجن تدمر وليس في الحكومة لولا المملكة، وذلك لانه تجرأ في لحظة «تخل» على انتقاد السياسة السعودية في «زمن» الملك عبدالله..
الدينامية الايرانية تجاه بيروت برزت من خلال زيارة رئيس لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الايراني علاء الدين بروجردي، علما ان معاون وزير الخارجية الايراني حسن جابر الانصاري كان في بيروت قبل شهر تقريبا، وهذا ما دفع اوساط في 14آذار الى الحديث صراحة ضمن دوائر ضيقة عن خلل «فظيع» في التوازن سببته الاستراتيجية السعودية بالخروج الممنهج في لبنان، وهو تساءل « كيف يريدون منا المواجهة لوحدنا»؟ طهران تملاء الفراغ الدبلوماسي العربي، وتطرح نفسها بديلا عن الدبلوماسية الاوروبية الهزيلة التي تحصر اهتمامها فقط ببقاء اللاجئين في الاراضي اللبنانية، بينما تعزز طهران دعمها للحلفاء عبر تكثيف التشاور والابقاء على خطوط التواصل مفتوحة من اليمن مرور ا بالعراق وسوريا وصولا الى حارة حريك حيث «المطبخ المركزي» الذي يديره السيد نصرالله..
وفي هذا السياق، سخرت اوساط في 8 آذار من التقديرات الخاطئة لدى الفريق الاخر والتي ربطت بين زيارة بروجردي وطاولة الحوار، والتفسير الخاطىء لكلامه حول الاستعداد لتقديم المساعدة لايجاد الحلول، والايحاء بان طهران تبحث عن «قبض الثمن» الرئاسي في ساحات اخرى من الاميركيين… «هذه التوهمات ليس موجودة في الواقع لان طهران لا تفاوض في هذا الملف عوضا عن الطرف اللبناني المعني بذلك، والمتمثل بحزب الله.. السيد نصرالله له «الكلمة الفصل» في ساحات المنطقة فهل من المنطقي ان تفرض عليه تسويات في «ملعبه»؟ طبعا لا ..وفي الملفات الاخرى لا توجد اي تسويات على «النار» مع الاميركيين والكل يسلم بان الامور مجمدة حتى الانتخابات المقبلة..
اما العلاقة مع السعودية فهي من سيىء الى اسوأ، وارتماء المملكة في «حضن» اسرائيل يشكل اولوية ايرانية في هذه المرحلة لان طهران تدرك جيدا خطورة هذا الموقف وامكانية تدحرجه الى ما هو اخطر في المستقبل، ولذلك فان بروجردي تقصد بحث هذا الملف في بيروت، ولم يكن حديثه النقدي للسعودية بعد لقائه الرئيس سلام «زلة لسان» بل كان كلاما دبلوماسيا معد سلفا فيه «رسالة» واضحة لكل من «يعنيهم الامر»..واذا كان الرئيس بري قد مازح المتحاورين بقوله ان «وجوههم بتقطع الرزق» فهو يدرك جديا ان هذه الوجوه ليست الا تعبيرا عن هذا الواقع الاقليمي والدولي «القاتم»..يدرك جيدا ان السيد نصرالله لن يتراجع عن دعم ميشال عون للرئاسة، هو يعرف جيدا ان الحريري ينتظر «الخبر اليقين» من السعودية، ودونه لا يستطيع التراجع «قيد انملة» عن مواقف باتت «تخنقه»…لا تبدو المخارج متاحة سيكون الانتظار سيد الموقف مع الدعاء بان لا يكون مكلفا…
(الديار)