بقلم ناصر قنديل

كلينتون وكيلة غولن وشريكة بترايوس والانقلاب التركي ماذا عن نظرية النصرة طالبان سورية وليست القاعدة؟

ناصر قنديل

– تتقاطع جملة من المعلومات الوافدة من واشنطن لترسم مشهداً عن الاضطراب الأميركي قبيل الدخول في نهايات حرب القرن الحادي والعشرين التي كانت حرب الإمبراطورية العظمى الحالمة بحكم العالم، منذ سقوط جدار برلين وبدء حملة أوروبا التي قادها بيل كلينتون إلى حملة آسيا التي قادها جورج بوش وانتهاء بثنائية الاتحاد الأوروبي والعثمانية الجديدة لحصار روسيا والصين وإيران وإسقاط سورية قبيل الانسحاب من أفغانستان، والتي قادها باراك اوباما.

– يسلم الأميركيون على اختلاف مقارباتهم، وتنوّع ولاءاتهم وحساباتهم بفشل مشروع الأحادية القطبية في حكم العالم، ويبدو خير دليل على ذلك، الحال الانتخابية التي يعيشها الحزب الجمهوري المفترض وفقاً لثنائية الاستقطاب والتداول التي يقوم عليها النظام الأميركي، أن يرث الحزب الديمقراطي بخيارات أشد تطرفاً، فيعجز عن تقديم نموذج لمرشح متماسك ويصير سقف ما يقدّمه هو دونالد ترامب المضطرب والمرتبك والفاقد سياسة منسجمة، حتى صار التسليم لدى نخب الحزبين الجمهوري والديمقراطي بأن المرشحة الديمقراطية هلاري كلينتون هي الرئيس الأميركي المقبل، بما ترمز إليه من تقاطع تطلعات نخب الحزبين، عند التسليم بحقيقة فشل الحروب، والعجز عن كسبها مجدداً، وتجنب المغامرة بخوضها، والسعي حصراً لرفع سقوف التفاوض مع الشركاء الجدد الذين كانوا خصوم الأمس، وتحديداً الثلاثي الآسيوي الروسي الصيني الإيراني، الذي سيرث أفغانستان مع الانسحاب الأميركي منها.

– تمثل هيلاري كلينتون سقف تطلعات المعترضين على ما يصفونها بتنازلات باراك اوباما أمام روسيا وإيران خصوصاً، وبالتوازن مع روسيا وإيران يتحدد حجم الدور الأميركي في النظام العالمي الجديد، وحجم حلفاء واشنطن وخصوصاً السعودية و«إسرائيل»، في النظام الإقليمي الجديد، وتأتي كلينتون المتقلبة من تأييد حروب جورج بوش إلى وراثة فشلها، ومن تأييد الحرب على سورية وخسارة وزارة الخارجية بسبب التمسك بشنها، إلى التسليم بالعجز عن ذلك، ومن مناوأة التفاهم على الملف النووي مع إيران إلى اعتباره أفضل الممكن، لتشكل نموذج الانتهازية السياسية التي تبحث عنها واشنطن هذه الأيام، كما يبحث عنها حلفاء واشنطن، فكيف وأنها من نوعيات السياسيين الذي تؤثر المصالح المالية الشخصية في مواقفهم، والذين يطبع الفساد تاريخهم، ويتضمن سجلهم ملفات جرمية مالية مثبتة مثل دور كلينتون ومكتبها في فضائح ملف الفيفا وتسمية قطر لاستضافة الأولمبياد، وملفات جرمية أشد سواداً مثل دورها الموثق في تسليم الأسلحة الكيميائية لجبهة النصرة عبر السفارة الأميركية في بنغازي، لتبرير شن الحرب على سورية.

– شكلت كلينتون مع ديفيد بترايوس يوم كان رئيساً للمخابرات الأميركية ثنائي الحرب على سورية، وتشكل اليوم مع وزير الدفاع أشتون كارتر ثنائي اللعب والعبث في الوقت المتبقي من ولاية أوباما، لوضع رؤوس جسور تتناسب مع معادلة تخفيض سقف التنازلات، في مضمون التفاهمات، لحفظ أحجام أعلى في النظام العالمي الجديد، بوجه روسيا خصوصاً، وحجم مماثل للسعودية و«إسرائيل» في النظام الإقليمي بوجه إيران خصوصاً، وتشكل جبهة النصرة حصان الرهان الوحيد للمهمتين. وهذا هو التفسير الذي تقدمه صحف أميركية كبرى، للتغيير المفاجئ في وضعية النصرة وتسميتها، كما قالت واشنطن بوست، وللصاروخ الذي أسقط الطوافة الروسية، المسلّم لجبهة النصرة بموافقة وزارة الدفاع الأميركية، كما قالت نيويورك تايمز، وتاريخ كلينتون مع النصرة من يوم بنغازي والسلاح الكيميائي يقول بما قاله رفيق دربها ديفيد بترايوس عن النصرة كشريك بديل للجيش السوري في الحرب على داعش.

– ينحصر الخلاف داخل الخيارات الأميركية، بين معادلتين تحت سقف الذهاب للتسوية، معادلة يقول بها أوباما ووزير خارجيته جون كيري، إن العبث مع روسيا وإيران بتبني النصرة ورفض تغطية الحرب عليها، سيُحرم واشنطن من فرص الفوز بحرب على داعش، ومنح روسيا وإيران وسورية فرص الفوز بالانفراد في الحربين على داعش والنصرة، من جهة أخرى، وأن مثل هذا العبث يشبه الدعوة لترك روسيا تدخل برلين وحدها، عشية إنزال النورماندي، في نهاية الحرب العالمية الثانية، تحت شعار ترك روسيا تواجه النازية وتغرق في الرمال. والمعادلة المقابلة التي تتبناها كلينتون ومعها كارتر الموعود بالبقاء في وزارته إذا فازت كلينتون ومعهما بترايوس ونخب ديمقراطية وجمهورية، تقوم على أن أفغنة سورية بوجه روسيا وجعلها تدفع أثماناً بمنح النصرة فرص المواجهة والأسلحة المناسبة، يفتح الفرص لتفاوض بشروط مختلفة، وأن حرب الاستنزاف لم تستنفد أغراضها لإنضاج الحل، وأن كون روسيا وإيران متورطتين مباشرة في الحرب، يمنح واشنطن فرصة الاستثمار على الزمن ورفض الاستعجال، وعبر تعديلات في وضعية النصرة يجري العمل عليها يمكن أن تكون شريكاً سورية يشبه طالبان وليس القاعدة، وأن حرباً طويلة في سورية بلا تورّط مباشر على طريقة حرب أفغانستان قبل أحداث الحادي عشر من أيلول تمنح واشنطن فرص الحفاظ على توازنات، وأدوار لها ولحلفائها من موقع القوة لا الضعف، وتجعل موسكو وطهران في موقع العرض لا الطلب.

– المخاطرة غير ممكنة بترك الاختبار لهذه السياسة لما بعد نهاية ولاية أوباما، فالزمن متسارع وستكون التفاهمات التي تمّت في موسكو قد أتمّت مفاعيلها وانتهت النصرة، وفازت موسكو وطهران ودمشق بقصب السبق، وإن لم يحدث ذلك وتواصلت الحرب، قد تشكل المغامرة مصدراً لإثبات صحة تحذيرات أوباما وكيري، من دفع لروسيا وطهران وسورية لخوض الحرب بالانفراد، واختلال التوازن لصالح روسيا عالمياً ولصالح حلفائها إقليمياً، لذلك فإن التوقيت الأمثل هو خوض الاختبار قبل ربع الساعة الأخير، أي في ما تبقى من ولاية أوباما ومن قلب إدارته وتحت رايتها، فإن أفلحت دخلت ولاية الرئاسة المقبلة من موقع القوة في التفاهمات، وإن أخفقت شكل سقف ما تبقى من ولاية أوباما فرصة لإنقاذ الموقف والعودة للتفاهمات.

– حديث وزير الدفاع الأميركي عن جبهة الجنوب وما يعنيه من صلة بنشر وحدات من النصرة المعدّلة تحت شعار الحرب على داعش على حدود الجولان وتوفير الغطاء لها، وما يحدث في شمال سورية من حرب ضروس تخوضها جبهة النصرة بوجه روسيا وسورية وإيران وحزب الله، في ظل موقف أميركي متلعثم، وتشجيع سعودي «إسرائيلي» مباشرين، يكشف الحلقة المفقودة في اختبارات كلينتون، وهي تركيا، السند الذي لا غنى عنه لمثل هذه المخاطرة. وهنا تحضر الرواية الخطيرة التي تتحدث عنها تقارير استخبارية تركية وروسية، حول دور تولاه الجنرال ديفيد بترايوس في تدبير الانقلاب في تركيا بعدما قررت الاستدارة نحو موسكو، والتيقن من فشل الرهان على النصرة، والتموضع على ما أسماه الأتراك بخط تطبيع العلاقات. وعن علاقة مكتب هيلاري كلينتون للمحاماة بإدارة مصالح فتح الله غولن داخل أميركا وخارجها، وعن دور لقاعدة أنجرليك وقائد المنطقة الوسطى في الجيوش الأميركية، وألغازهما عند بترايوس سيد أنجرليك والمنطقة الوسطى والنصرة معاً، وربما يفسر ذلك إذا صحت الروايات نقاط ضعف الإنقلاب التي تسبّبت بفشله، والتي ربما إذا انكشفت كلياً تتسبب بسقوط فرص كلينتون بمواصلة خوض اختبار ربع الساعة الأخير رغم التمويل السعودي السخي والتشجيع «الإسرائيلي» العلني.

– بنظر متابعين في موسكو ما يجري في شمال سورية وفي واشنطن يعني شيئاً واحداً، وهو أن إدارة أوباما تحولت من الآن بطة عرجاء، وأن التفاهمات تبدو حبراً عاى ورق لا تملك إدارة أوباما قدرة حمايتها، وليس فقط تنفيذها، ولذلك يبدو ترك الكلمة الفاصلة للميدان السوري بلا حدود وضوابط. هو الطريق الوحيد الذي دعا إليه السوريون والإيرانيون وحزب الله واستمهلتهم موسكو لمنح واشنطن فرص التموضع على خطوط التفاهمات، وتبدو تركيا اليوم بنظر موسكو شريكاً أفضل من واشنطن للتفاهمات، كما تبدو واشنطن القادمة مع كلينتون شريكاً غير جدير بالثقة إلا منزوع الأنياب، وأولها استكمال سحق النصرة، وتأخير روزنامة الحرب على داعش، وترك التفاعلات في العلاقات التركية الأميركية تكشف المستور عن دور كلينتون في الانقلاب.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى