استحقاقات آب… سورياً ولبنانياً هيام القصيفي
يتطوّر مسار المحادثات الدولية للدفع نحو إجراء مفاوضات جنيف حول سوريا. مرة أخرى يقف لبنان عاجزاً عن أي مواكبة، فتنصرف القوى السياسية الى استثمار عناصر الربح والخسارة السورية لتمتين مواقعها الداخلية
يدخل لبنان مع شهر آب مرحلة انتظار جديدة لا تتعلق حكماً بما ستسفر عنه خلوة الحوار الوطني، وقد باتت نتائجها معروفة سلفاً قياساً الى التجارب السابقة.
فالانشغال الداخلي بملفات الفساد المعشّش في إدارات الدولة، وبتسيير عجلة الحكومة بالحد الادنى، حجب الرؤية عمّا يجري في سوريا، سواء في ما يتعلق بحلب أو بتطورات الجنوب السوري، والاستعداد لجولة جديدة من المفاوضات السورية في جنيف. ففي موازاة الإطار العام الذي باتت تفرضه حلب كعامل أساسي، سواء عسكرياً أو إنسانياً، فإن مصير المفاوضات السلمية المعلقة، منذ أشهر، بعدما توقفت في جنيف، يعيد إحكام ربط الازمة اللبنانية بالوضع السوري، بحسب أوساط سياسية لبنانية، ترقباً لما يمكن أن تحمله من مؤشرات سلبية أو إيجابية تترك ارتدادها المباشر على لبنان الذي ينتظر منذ الشغور الرئاسي الافراج عن قرار الرئاسة من بوابة الحل السوري.
فالموفد الدولي ستيفان دي ميستورا وصف الاسبوع الماضي، حين أعلن أن الامم المتحدة تعتزم إجراء المحادثات السورية في آب، الاسابيع الثلاثة المقبلة بأنها «مهمة جداً لتعزيز فرص الحوار ووقف العنف في سوريا». وتزامناً مع حركة دي ميستورا، وتنقله بين عدد من العواصم لوضع إطار التفاوض المتجدد والدفع في اتجاه عقد لقاءات جنيف، كانت روسيا والولايات المتحدة تعززان اتصالاتهما واللقاءات الديبلوماسية، بما يصب في مصلحة عقد اجتماعات جنيف وإطلاق العملية السلمية التي كان يفترض أن تبدأ مع مطلع آب، وفق التفاهمات السابقة، ولم ترَ النور.
والاسابيع التي تحدث عنها الموفد الاممي تمثل، بحسب هذه الاوساط، أهمية للبنان بقدر ما هي مهمة لسوريا. فتعليق الآمال على هذه المفاوضات لا يتأتى فحسب من خلال ترتيب اتفاقات تهدئة وهدنة ظرفية، بل يعكس رؤية العواصم المعنية، واشنطن وموسكو في الدرجة الاولى وطهران والرياض وتركيا في الدرجة الثانية، من أجل رعاية اتفاق تهدئة مرحلي يؤمن ترتيب الاوضاع السورية في الاشهر المقبلة، على الاقل، إن لم يكن حلاً طويل الأمد في مرحلة حساسة ودقيقة، لأن توقيت المفاوضات يأتي بين سلسلة مواعيد دولية لافتة، كالانقلاب التركي والاستعداد للانتخابات الاميركية، ومتغيرات كبرى سواء أمنية كالعمليات الارهابية التي ضربت فرنسا وألمانيا، أو الحرب المستمرة على تنظيم «داعش» في سوريا والعراق، أو إعلان «جبهة النصرة» فك ارتباطها بتنظيم «القاعدة». لذا ينظر الى الاهتمام الدولي بالمفاوضات على أنه مفصلي ودقيق أكثر مما كان عليه الامر مع المفاوضات التي جرت سابقاً، لأنها قد تشكل مرحلة مهمة في مسار الحرب السورية بعد سنوات على اندلاعها، إذ إن ثمة مؤشرات تتحدث عن إمكان التوصل الى ترتيبات ووضع أطر للحل، قبل الانتخابات الاميركية المقبلة، أي وضع آلية مضبوطة الايقاع على سكة التنفيذ، أمام الادارة الاميركية الجديدة، سواء حصل تغيير استراتيجي يمثله وصول المرشح الجمهوري دونالد ترامب الى البيت الابيض، أو حتى المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون التي تملك رؤية مختلفة عن رؤية الادارة الحالية لأزمة الشرق الاوسط وحرب سوريا.
من هنا، وقبل أن تنشغل واشنطن بالانتخابات الرئاسية، ويدخل معها الشرق الاوسط مرحلة انتظار جديدة، يصبح الضغط الدولي في شأن مفاوضات جنيف تصاعدياً وحيوياً، وتصبح حركة وزيري الخارجية الاميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف حركة مكوكية ومكثفة، لأن أي فشل في إيجاد تسوية ظرفية، يعني أن سوريا والمنطقة ستدخلان أشهراً طويلة من الفوضى ومن الحرب التي لا يمكن لأي طرف توقع نتائجها وامتدادها، علماً بأن هذه المرحلة الحساسة ستتزامن مع انصراف أوروبا الى معالجة همومها الداخلية مع تفاقم أزمة النازحين ومكافحة التنظيمات الارهابية، وتنظيم الإدارة الاميركية الجديدة نفسها في البيت الابيض، ما يعني ترك دول الشرق الاوسط غارقة في معالجة أزماتها وحدها.
لذا يفترض أن يصبح لاستحقاق المفاوضات السورية، مرة أخرى، أهمية لبنانية، على اعتبار أنه قد يساهم في تعزيز أوراق الحل اللبناني، في إطار متكامل، يتعلق بالإفراج عن قرار إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية. لكن مرة أخرى أيضاً، لا تظهر القوى اللبنانية أنها على قدر عال من المسؤولية في مواكبة هذا الاستحقاق السوري. وقد بدت الايام الاخيرة حافلة بالمواقف التي استعادت التموضع خلف التطورات السورية، وتثمير نتائج المعارك العسكرية وما يحصل في حلب تحديداً (وغيرها)، على قاعدة الانحياز الى المواقف السعودية والتركية والايرانية، من بوابة تثبيت كل طرف مواقعه. وخطورة ما شهدناه في الايام الاخيرة، أن المواقف الداخلية تستند الى ميزان الربح والخسارة في سوريا، بما لا يسمح باستخلاص توقعات مبكرة بشأن حلول قريبة للأزمة الداخلية. لكن أصعب ما قد يواجهه لبنان، ويفترض الاستعداد له، إذا لم تنعقد المفاوضات أو فشلت مرة أخرى، وانتهى شهر آب الى مزيد من تأجيج النار السورية، هو أن يصمد مجدداً في وجه امتداد الحرب، فيما يتصاعد خطر التنظيمات الاصولية وتتضاعف عناصر التفكك الداخلي، وتكبر دائرة الاتهامات المتبادلة، بخلفيات إقليمية، بما يسمح مجدداً بانفلات الأمن؟
(الأخبار)