أبو محمد الجولاني : ومعركة حلب ناصيف ياسين
أصبح أمرًا واقعًا ترابطُ المسارات في ” قوسِ الحروبِ” المفروضة على الأقطار العربية : من ليبيا مرورًا باليمن والعراق وسوريا ، مع انتفاضة البحرين ، وصولًا إلى لبنان . فأيُّ معركةٍ ، في أيّ بلدٍ منها ، تتجاوز آثارُها – سلبًا وإيجابًا – دائرتها المحلّيّة ، إلى الدوائر الأخرى المتعلّقة بها .
ولم يعُدِ القولُ ضربًا من التنجيم ، إنّ معركة حلب ، فيما وصلت إليه ، وما سيؤولُ عنها ، بعد تحريرها ، مؤشِّرٌ مفصليٌّ لا يُمكن القفز فوقه في تقييم طبيعة المسلسل النّاريّ في ” القوس ” المذكور ، لِما تُشكّلُهُ في عقدة المصالح الجغراسية المتقاطعة بين أطراف الصراع : محلّيًّا وإقليميًّا ودوليًّا…
حلب : هي ” الحصرمُ” الذي يستحلبُ لُعابَ أنقرة التي بذلت أقصى ما استطاعت ، في نهب بُنيتها الصناعيّة ، وتدمير قدرتها الإنتاجية ، لتجعلَ منها قطب الرّحى في منطقة الشمال السوريّ الذي تريد ضمّه ، أو الهيمنة عليه ، وقطع تواصل تجمّعات الأكراد على حدودها .
ولأنّ تركيّا هي ” بوّابة الأطلسي” وعصا أمريكا الغليظة في التأثير على كلّ المروحة المُحيطة ببلاد الأناضول ، لا سيّما بلاد العرب وآسيا الوسطى والقوقاز ، فإنّ واشنطن عازمةٌ – قدر ما أمكنها – على ألّا تُفرّطَ في أيّ مكسبٍ في هذا المجال ، مهما صغُرَ حجمُه ، لصالحها مع حليفتها ، ليبقى لها ، ” ولبوّابتها ” دور ” مسمار جحا ” الذي يتساند مع الدور الإسرائيليّ في محيط سوريا الجنوبيّ ، و” الهمّ المشترَك ” كذلكً، في قطع الوصل ما بين المقاومة الإسلامية وإيران ، إضافةً إلى تسويق تجارة الأسلحة الرائجة في إذكاء الربح ، والمعارك !
ولا يغربنّ عن البال ، طموحاتُ ” الغاز القطَريّ ” المتلازمة مع توجّهات ” الإخوان المسلمين ” المنسجمة مع ” العدالة والتنمية ” في تركيّا .
والهاجس الأساسيّ الذي رفضت السعودية أيّ ” مهادنةٍ ” فيه ، هو الساحة السوريّة التي يتحدّد منها مصير المنطقة بأسره ، لا سيّما انعكاساتها على حكم آل سعود ، في مُحيطٍ تعجّ أراضيه بتنظيمات ” الحركات والأحزاب ” الشعبية التغييرية المسلّحة – التي اكتسبت شرعيّتها فيما أبلت به في ميادين القتال – المتماسكة مع ما تبقّى من جيوشها ، وهي المتمثّلة بِ ” أنصار الله ” في اليمن ، و ” الحشد الشعبيّ ” في العراق ، و” فصائل الحماية الذاتية ” في سوريا ، إضافةً للمقاومة الإسلامية في لبنان ، وسوريا استطرادًا … مضافًا إلى ذلك : انتفاضة الشعب السّلمية في البحرين .
هذا ” القوسُ ” الذي لوى عنق أمريكا بِيَد حلف المقاومة والممانعة ، وعزّز تأثير الدور الروسيّ في المحادثات بين واشنطن وموسكو – كونُ روسيا ، بخسارتها لسوريا ، ينعدم تأثيرها في الحوض الشرقي والجنوبي للبحر الأبيض المتوسّط – وأرغم أردوغان – بعد الهزّة التي أصابته إثر محاولة الإنقلاب المُلتَبِسَة – على التخفيف من ” طاووسيّته ” ، والتفتيش عن مخرجٍ لدى روسيا وإيران … كلّ أطرافه ، الآن ، ينتظرون على قارعة معركةٍ مفصليّةٍ عنوانُها ” المُكَثّفُ ” حلب ، ولكن شظاياها سوف تتطايرُ في كل الإتجاهات .
لقد بدا واضحًا أنّ أمريكا – كعادتها في خططها : أ، وب، وج، وهلمّ جرًّا … لجأت ، استباقًّا ، لتدارك النتائج المرتقبة ، فاندفع وزير دفاعها لترتيب ” أمور الأمن الإسرائيلي” من جنوب سوريا ، كما تمّ الإيعاز لقائد ما يُسمّى بِ ” جبهة النصرة ” المدعو ” أبو محمد الجولانيّ ” إلى إعلان انشقاقه عن تنظيم ” القاعدة ” و تحويل اسم جبهته ، إلى إسم تمويهيٍّ جديد هو ” جبهة فتح الشام ” ممّا يساعد الأمريكيّين في التسويق له ، لاحقًا ، على أنه ” معارضة معتدلة ” يُرادُ إدخالُها في سياقٍ تسوويٍّ يُبقي للحلف الصهيو / أمريكيّ / الإرهابيّ ، إصبعًا لاعبًا في مصير سوريا …
لكن : هذه ” الألعاب البهلوانية ” التي مجّتها التجاربُ الماضية ، لم تعُدْ خافيةً على أولي الألباب ، حيث باتت القناعة راسخةً بأنّ ” المؤمنَ لا يُلدَغُ من نفس الجُحرِ مرّتين ” ، فكيف إذا تكرّر مرٌاتٍ ومرّات ؟!!