حلب في لحظة احتفال: انتصار على الموت علاء حلبي
الزغاريد تملأ الشوارع، أكاليل الغار والأرز في كل حدب وصوب، أما الموسيقى والرقص فرحاً فهما عنوان يوم استثنائي لم تعشه حلب منذ أكثر من أربعة أعوام، تحديداً مذ قرر المسلحون دخول أقدم مدينة ما زالت مأهولة في التاريخ والتي شكلت عاصمة سوريا الاقتصادية، فاقتحم الموت أحياءها وأحال شوارعها العامرة دماراً، مشرداً سكانها بين دول الجوار مشتتاً إياهم في المحافظات وباقي المدن.
«اليوم انتصرت حلب على الموت»، بهذه الجملة المقتضبة يصف أبناء المدينة أسباب فرحهم بسيطرة الجيش السوري والفصائل التي تؤازره على حي بني زيد الواقع شمال المدينة، والذي كان أحد أبرز مصادر إطلاق القذائف على حلب.
يقول «ابراهيم» وهو أحد سكان المدينة: «من لم يعش في حلب خلال فترة الحرب ربما يستغرب كل هذا الفرح بالسيطرة على حي صغير، هو ليس مجرد تقدم عسكري أو انتصار في معركة، ما حصل اليوم هو فعليا إنهاء لقضية الموت الآتي عبر الصواريخ والقذائف والذي سرق أرواح مئات الشبان من أبناء المدينة، وحوَّل المئات إلى عجّز. لا يمكن لأحد أن يصف مشاعره في الوقت الحالي، نعم لقد انتصرنا، انتصرت حلب».
على وقع أنغام الموسيقى والرقص، احتشد عدد كبير من الأهالي في أحياء شوارع النيل، الموكامبو، الفرقان، المحافظة، حلب الجديدة، الرازي وغيرها، فشكلوا تجمعات تعتبر الأولى من نوعها في حلب منذ بداية الحرب، إذ لطالما اقتصرت مثل هذه التجمعات على بعض المناطق خوفا من استهدافها بالقذائف.
وأنهى الجيش السوري والفصائل التي تؤازره السيطرة على حي بني زيد بعد معركة سريعة بدأت في وقت متأخر من ليل الأربعاء ـ فجر الخميس، وذلك بعد أكثر من شهر ونصف على اندلاع معارك عنيفة على تخوم مدينة حلب من الجهة الشمالية، انتهت بفرض الجيش السوري طوقاً عسكريا متينا حول المدينة وبعزل المسلحين الموجودين داخلها عن الريف الشمالي المفتوح على تركيا، ليبدأ بعدها بالتضييق بشكل تدريجي على حي بني زيد من ثلاث جهات، ما دفع المسلحين الموجودين داخل الحي إلى الهرب من الحي إلى قريتي كفر حمرة وحريتان، سالكين طريقا ترابيا تاركين وراءهم جميع أسلحتهم؛ وقد عثرت قوات الجيش السوري على مستودعات عدة للقذائف، بالإضافة إلى معملين للمتفجرات كانت تصنع فيهما الاسطوانات المتفجرة وغيرها.
شادي حلوة، مراسل «التلفزيون السوري» الذي يرافق الجيش خلال عملياته العسكرية في المدينة، يصف مدينته خلال حديثه لـ «السفير» بأنها «عروس في ليلة زفافها»، يقول: «الفرح الذي تعيشه حلب اليوم جاء بفضل الجيش السوري الذي بذل أغلى ما يملك ليعيد الحياة للمدينة والأمن للأهالي، الجميع كان يترقب الجبهة الشمالية لحلب، فسكان المدينة خبروا خلال الحرب هذه الجبهة، وذاقوا من قذائفها مختلف أنواع الموت والدمار، وهو أمر انتهى بسيطرة الجيش على الحي».
ويشير إلى أن «سقوط حي بني زيد يعني أن وجود المسلحين في حلب لن يدوم طويلاً، خصوصا أن هذه الجبهة كانت تعتبر الأكبر في حلب، وقد وضع المسلحون فيها كل جهدهم للصمود في وجه الحصار الذي كانوا يراقبون اتمامه، وعلى الرغم من ذلك فإن وجودهم لم يدم إلا بضع ساعات بعد بدء عملية دخول الحي بشكل فعلي».
بدوره، يشير مدير «صحة حلب» الدكتور محمد حزوري إلى أنه للمرة الأولى منذ اقتحام المسلحين المدينة «تعيش حلب هدوءاً مستقراً من دون ترقب»، يتابع خلال حديثه لـ «السفير»: «لم تسجل اي حوادث خلال اليومين الماضيين، وهو أمر زاد من سعادتنا».
ويُقدِّر حزوري عدد المدنيين الذين قتلوا في المدينة منذ اقتحام المسلحين أحياءها في شهر تموز من العام 2011 بأكثر من عشرة آلاف مدني، بينهم نسبة كبيرة من النساء والأطفال الذين حصدت أرواحهم قذائف المسلحين، موضحاً أنه بالإضافة إلى القتلى تم تسجيل عشرات آلاف الإصابات والتي تَمَثَّلَ جزءٌ كبير منها بإعاقات كاملة.
وبعد ساعات من سيطرة الجيش السوري على حي بني زيد، بدأت البلدية بإزالة السواتر الترابية وتجهيز الطرق، كما زار وفد من غرفة صناعة حلب منطقة المعامل في الليرمون الملاصقة للحي بغية الإطلاع على حال المعامل والمنشآت التي يبلغ عددها أكثر من 600 تعرضت جميعها للسرقة.
وقال المهندس محمد جمول الذي رافق الوفد إن «نحو ثلثي المعامل والمنشآت تعرضت للدمار بشكل كبير، كما طالت عمليات السرقة جميع المعامل، باستثناء تلك التي تعرضت للدمار جراء الحرب ولم يستطع المسلحون نقل آلاتها».
وينتظر صناعيو حلب الانتهاء من مسح المنطقة وتأمينها وتعبيد بعض الطرق ليعودوا إلى منشآتهم بشكل تدريجي، آملين بإصلاح ما يمكن إصلاحه في ظل دعم كبير تقدمه لهم الحكومة السورية، وهي تحاول جاهدة دفع عجلة الصناعة في حلب للدوران من جديد، على أمل أن تعيد للاقتصاد السوري الذي أنهكته الحرب بعضاً من توازنه.
ويرى ابناء حلب في هذا «الانجاز العسكري» الأخير أولى خطوات عودة المدينة إلى حياتها الطبيعية، خصوصا مع تشديد الجيش للخناق على الفصائل المنتشرة في الأحياء الشرقية للمدينة، وانهيار تحصينات المسلحين في أبرز معاقلهم «بني زيد»، وذلك بالتوازي مع فتح القوات الحكومية معابر انسانية أمام المدنيين الراغبين بالخروج من أحياء شرق حلب (ثلاث معابر)، وبدء التفاوض مع بعض الفصائل للخروج من المدينة من دون قتال. وقد دفعت هذه العوامل مجتمعة أبناء المدينة لـ«اليقين» بأن إعلان حلب خالية من المسلحين بات أمراً قريباً، وحينها سيشمِّر أبناء الشهباء عن سواعدهم ليعيدوا بناء ما تدمر.
(السفير)