الجيش الاسرائيلي قتل خلال خمسين يوما من الحرب في قطاع غزة حوالي 546 طفلا فلسطينيا اثناء لعبهم أو نومهم أو هربهم: جدعون ليفي
180 طفلا رضيعا وحتى جيل 5 سنوات، 180 طفلا لا حول لهم ولا قوة، قتلهم الجيش الاسرائيلي في غزة في عملية الجرف الصامد أثناء نومهم ولعبهم وهربهم وفي أسرتهم أو بين أذرع والديهم. حاولوا تخيل ذلك. لقد قتل الجيش الاسرائيلي على مدى خمسين يوما 546 ولدا. أكثر من عشرة أولاد في اليوم، صف كل ثلاثة أيام، شريحة كل اسبوعين. فقط حاولوا تخيل ذلك.
إن المعطيات الدقيقة والمؤكدة لـ “بتسيلم” التي تم نشرها في هذا الاسبوع في ذكرى مرور عامين على القتل، يصعب تخيلها. يسهل نفيها بهز الكتف وبحرف النظر وبتثاؤب ينم عن الملل، أو بالمبررات التي تقدمها الدعاية الاسرائيلية. المعطيات التي كان يجب أن تطارد المجتمع الاسرائيلي وتقض مضاجعه وتُحدث نقاشا جماهيريا مشتعلا، لا تثير أي اهتمام. إن أي كارثة طبيعية في الطرف الآخر من العالم كانت ستثير في اسرائيل المشاعر الانسانية أكثر من هذه الجريمة، التي قامت بها على بُعد ساعة سفر من تل ابيب.
ومن اجل المقارنة: 84 ولدا اسرائيليا قتلوا في السنوات الثمانية الصعبة عند اندلاع الانتفاضة الثانية وحتى الرصاص المصبوب. 546 طفلا فلسطينيا قتلوا خلال خمسين يوما في صيف 2014.
هؤلاء الاولاد لم يُقتلوا بأيدي السماء، بل قام بقتلهم جنود اخلاقيون وطائرات تتبنى القيم ومقذوفات الضمير بأمر من قادتهم الذين لا يقلون عنهم من الناحية القيمية.
لم يقتلوهم في حرب حقيقية، وفي مواجهة قوة عسكرية حقيقية، وهي ايضا لم تكن حرب لا مناص منها. اغلبيتهم قتلوا بسبب القصف الجوي أو القذائف التي أطلقت عن بعد، دون رؤيتهم حتى. في اغلبية الحالات شاهدوا صورهم الصغيرة وهم يلعبون على الشاطيء أو وهم مجتمعون في بيوتهم البائسة أو وهم نائمون أو اثناء هربهم. كل شيء على شاشة حاسوب الجنود والطيارين. إنهم لم يقصدوا قتلهم، لكنهم ضغطوا على الزر وقتلوهم. مئات الجنود قتلوا مئات الاطفال.
وبعد ذلك بعامين، فان العنوان الكبير “صرخة الآباء” (“يديعوت احرونوت”، أمس) لا يتحدث بالطبع عن صرخة الآباء الثكلى هناك. فاسرائيل لم يسبق لها الاهتمام بما تتسبب به هناك. لجنة تحقيق؟ من اجل الانفاق. وهي ايضا لم تكلف نفسها عناء القاء نظرة . كل شيء كان باسم الأمن، وكل شيء لا يمكن منعه، وهي الضحية، وهم الشيطان. هذه هي الحال في الحرب، هذه هي الحال دائما: عدد القتلى الفلسطينيين 100 ضعف القتلى الاسرائيليين في الرصاص المصبوب، و30 ضعف في الجرف الصامد (“ما الذي أريده، أن يقتلوا اسرائيليين أكثر؟”).
إن هذا الامر لا يثير التساؤلات ولا الشكوك. ناهيك عن الحديث عن الانتقاد. ايضا من بقوا على قيد الحياة، فان 90 ألف شخص منهم ما زالوا بدون مأوى، يعيشون منذ عامين في البيوت المهدومة أو بيوت الصفيح البائسة. صحفية سويدية زارت غزة في الاسبوع الماضي عدة ايام وعادت مع الصور: مكعبات من الصفيح هي اماكن سكن لمن هدمت بيوتهم في خزاعة قرب خانيونس.
لا حاجة الى الاستمرار في تفصيل معطيات الكارثة في غزة. فهي لا تعني أحد في اسرائيل. غزة والرحمة الانسانية؟ هذا مضحك. ايضا حقيقة أنه بسبب القصف وحصار قطاع غزة فان 90 مليون لتر من المجاري تتدفق الى البحر المتوسط، ذلك البحر الذي يسبح فيه اولادنا. وهذا لا يقلق أحد هنا. ولكن الامر الذي لا يمكن استيعابه هو كيف يستطيع الاسرائيليون الاستمرار في العيش والرضى عن النفس على خلفية معطيات عملية الجرف الصامد. كيف أنه مع مرور الوقت لا تتقلب بطونهم ولو للحظة؟ الاشخاص الذين يقولون بجدية عن الجيش الذي قتل الاطفال قبل عامين فقط إنه الجيش الاكثر اخلاقية في العالم، ماذا يمكن الاعتقاد عنهم؟ وماذا يمكن التفكير بشأن المجتمع والدولة التي هذا هو النقاش فيها؟.
هآرتس