أبعاد قضية النائب دشتي
غالب قنديل
تميزت دولة الكويت بنظامها البرلماني التعددي وبمساحة واسعة من حرية التعبير والرأي وبتنوع إعلامي حفظ للإمارة مكانة خاصة خليجية وعربية منذ حوالي خمسين عاما وقد شهدت خلالها نشاطات شعبية وسياسية داعمة للمقاومة الفلسطينية وبعد الغزو الصهيوني للبنان شاركت النخب الوطنية في الكويت مع شركاء من البحرين والإمارات في تكوين شبكة خليجية داعمة للمقاومة اللبنانية تولت جميع التبرعات وحشد التضامن الشعبي مع المقاومين الذين قاتلوا قوات الاحتلال الصهيوني حتى التحرير.
لكن ما يجري في السنوات الأخيرة تحت الضغط السعودي الذي تتعرض له السلطات الكويتية بات بمثابة محاولة لنحر الحريات السياسية والإعلامية في البلاد من اجل إرضاء المملكة وتحريم انتقادها او الخوض في وجوه لتورطها بدعم الإرهاب التكفيري لمواصلة العدوان على سورية وللتدخل في العراق ولشن حرب الإبادة في اليمن بينما يمثل إسكات المعترضين على التدخل السعودي لقمع انتفاضة البحرين السلمية مطلبا سعوديا ملحا.
إضافة إلى هاجس الخوف من العدوى الذي يثير قلق المملكة السعودية امام أي مظهر ديمقراطي او تعددي في جوارها القريب طرحت الحالة الكويتية مطلبا دائم في مناخ العلاقات الثنائية هو عدم التعرض للشؤون السعودية الداخلية ومؤخرا أضيف إليه مبدأ منع الانتقاد السياسي للسلوك السعودي في المنطقة رغم ارتداد خطر الإرهاب التكفيري الذي تدعمه جهات سعودية نافذة داخل الكويت التي تعيش تهديدا امنيا منذ عملية تفجير مسجد الإمام الصادق ويومها وقعت صحف العائلة السعودية في إرباك وحيرة وبعدما تحدثت عن قدوم المفجرين من سورية وإيران سرعان ما كشفت التحقيقات انهم يحملون الجنسية السعودية وقدم أحدهم إلى الكويت من المملكة مباشرة.
الأحكام التي صدرت أمس ضد النائب الكويتي الدكتورعبد الحميد دشتي هي احكام سياسية بامتياز ومن الناحية الحقوقية فهي عقاب على رأي سياسي أدلى به بشأن أحداث وتطورات جارية تمثل عناوين جدال سياسي وإعلامي في جميع انحاء المنطقة والعالم فقد اتخذت تلك الآراء ذريعة للمحاكمة الغيابية ولنزع الحصانة البرلمانية وجاءت اول الأحكام بمثابة محاولة مكشوفة لترهيب المعترضين على السياسات والحروب السعودية المتنقلة التي تواجه الفشل فتزيد مخاوف المملكة من ارتفاع أصوات ناقدة في الجوار قد تجد لها الصدى الداخلي الذي ما يزال صامتا وخجولا وثمة من يتوقع ارتفاعه فجأة بفعل صراعات السلطة بين اجنحة العائلة الحاكمة ونتيجة لما يضج به الداخل السعودي من تفاعلات مكتومة لأزمات اقتصادية واجتماعية ولتوتر سياسي تحيط به خيبة المغامرات العسكرية الأخيرة .
تصاعد في هذه الأجواء التعامل السعودي مع مظاهر التمايز الكويتية وتكثف الضغط لتكييف الواقع السياسي والإعلامي الكويتي بصورة يصبح معها الإدلاء بموقف او تعليق بمثابة “إساءة” يأتي عقابها بالسجن لسنوات وقد اختير الناقد الأبرز والصوت المرتفع كمثال يتم استهدافه لتعميم حالة من الصمت والسكون .
الدكتور عبد الحميد دشتي هو سياسي وبرلماني كويتي وناشط حقوقي دولي عرف بمواقفه الداعمة لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين وبمناصرته للثورة الشعبية السلمية في البحرين وقد تميز بموقفه القومي من الصراع العربي الصهيوني ودعمه لقضية فلسطين وبتعاطفه من هذا الموقع مع الدولة الوطنية السورية في وجه العدوان الاستعماري وكذلك بموقفه المتصدي لحرب الإبادة الأميركية السعودية في اليمن وقد كرس دشتي السنوات الخمس الأخيرة لنشاط متميز في المحافل الدولية المختصة بحقوق الإنسان أثمر بيانات وتقارير دولية تدين جرائم الإرهاب والقمع والعدوان بناء على ما ساهم في جمعه وعرضه من الوثائق والمستندات.
ختاما نقول : عمم بعض إعلاميي محور المقاومة لغة مريضة في التعامل مع الأحداث التي تشهدها المنطقة مستهدفين أبناء منطقة الخليج بلغة عنصرية بائسة عبر مفردات من نوع “الأعراب” و”العربان” وسواها ناكرين وجود جمهور مكتوم الصوت في تلك الدول يتضامن بمشاعره مع المقاومة ومع سورية ومتنكرين لوجود قامات وطنية وديمقراطية كبيرة تتحمل الكثير من العسف والظلم والجور بسبب مواقفها الحرة فهل يعبر هؤلاء عن تضامنهم مع الدكتور عبد الحميد دشتي كفعل نقد ذاتي على التعميم الغبي الذي لاينتج إلا عن جهل وقلة دراية ؟