مقالات مختارة

خطة إسرائيلية لـ«حزام أمني» جنوب سوريا: «محمية جغرافية» للاجئين يحيى دبوق

 

يحول دون التدخل العسكري الإسرائيلي المباشر في سوريا، الارتداع عن تداعياته السلبية أساساً، في موازاة أداء وأهداف الجماعات المسلحة التي ترعى و«تحرس» المصالح الإسرائيلية. مع ذلك، خطط التدخل والمناطق الآمنة المغلقة بعناوين مختلفة هي مدار أخذ وردّ في تل أبيب، في حال تغيّر الظروف والوضع القائم

لن تستنسخ إسرائيل، بشكل فجّ، خطة «الحزام الأمني» لجنوب لبنان، ما قبل عام 2000، وتطبيقها على الجنوب السوري. الظروف والإمكانات، لا تسمح لصانع القرار في تل أبيب، باستنساخ التجربة اللبنانية، والتدخل العسكري المباشر.

لكن ما بين الاستسلام للظروف والإمكانات، والامتناع الكامل عن التدخل، مروحة واسعة من الخيارات التي بإمكانها أن تحقق المطلوب والمصلحة الإسرائيلية شبه الكاملة.

نعم، أهداف وأداء المجموعات المسلحة التي تسيطر جغرافياً على معظم المناطق القريبة من الحدود الإسرائيلية، ومن بينها ما تصفه إسرائيل بـ«الجهات الصديقة»، تساهم في امتناع تل أبيب الرسمية عن تبني وتنفيذ أي اقتراح لحزام أمني في سوريا، طالما أنّ هذه الجهات بأدائها وأهدافها، وبتنسيقها أيضاً مع المؤسسة الأمنية في الجانب الثاني من الحدود، تحقق المصالح الأمنية الإسرائيلية. مع ذلك، الأفكار والخطط التي يجرى تداولها إسرائيلياً حول «المنطقة الآمنة» للاجئين في الجنوب السوري، وهي العبارة الملطفة لعبارة «الحزام الأمني»، تشير إلى أين يمكن أن تذهب تل أبيب في مقاربة الساحة السورية، وفي سياقات هذه الأفكار والحديث عنها، ينكشف أيضاً ما كان مستوراً، حول هوية الجماعات المسلحة في سوريا.

في العادة المتبعة والموجهة، يتحدث المسؤولون والخبراء الإسرائيليون، بحذر تجاه التدخل الإسرائيلي في سوريا، وتأتي المقاربة عامة، إلا ما يتعلق بالاستراتيجيات الكبرى التي تكون محل اهتمام خاص لمراكز الأبحاث والدراسات. الكشف الإسرائيلي عن تنسيق مباشر أو مساعدة استخبارية، أو حتى إمداد بالسلاح والذخائر، خارج إطار المساعدات «الإنسانية والمعونة الطبية»، يأتي محدوداً وغير مباشراً.

وما بين الاستراتيجية المعلنة والفعل العملي، اختلاف كبير. تقرّ تل أبيب أنها تقدم العلاج الطبي للجرحى للجماعات المسلحة في مستشفياتها، وتقر أنّ عدد الجرحى المعالجين لديها بالآلاف. تقر أيضاً، أنها تزودهم بالمساعدات الغذائية و«البطانيات والحليب للأطفال»، كما ورد على لسان وزير الأمن السابق، موشيه يعلون. وتقرّ ايضاً، بحسب التقارير المنشورة في الاعلام العبري، بوجود تنسيق أمني واستخباري مع الجهات المسلحة في سوريا، ضمن تفاهم غير معلن لتحقيق المصالح المشتركة في وجه الاعداء المشتركين، ومن بينها منع الجهات الثلاث: سوريا وإيران وحزب الله، من الإضرار بالمصالح الإسرائيلية على طول الحدود. وتعلن إسرائيل، أنّها راضية جداً عن الواقع الحالي، وتحديداً أداء المسلحين، ومن بينهم الجهات السلفية الجهادية، التي تؤكد أنها لم تطلق طوال السنوات الماضية، أي رصاصة بالاتجاه الإسرائيلي.

مع ذلك، الأصوات الإسرائيلية، من خبراء ومختصين، وما يجري تداوله في الغرف المغلقة بينهم وصناع القرار، يفيد بوجود خطط متبلورة ومغايرة حول التدخل في سوريا، لمواجهة التغير الممكن في الوضع القائم، أو استغلال لمتغيّرات فيه، تحقق أكثر المصالح الإسرائيلية. في هذا السياق، على سبيل المثال، صدر عن معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، قبل أشهر، دعوة واضحة لتغيير السياسة الحالية إزاء سوريا، والانتقال الى التدخل المباشر، وتحديداً ما يتعلق بالجنوب السوري من خلال فرض منطقة خاصة بإسرائيل، ما يمكنها من لعب دور أفعل في تحديد المستقبل السوري، ومواجهة التهديدات المتمثلة في امكانية بقاء النظام في سوريا. هذه الدعوة، واصلت حضورها، حتى ما بعد التدخل العسكري الروسي، وكتب رئيس المعهد، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية اللواء عاموس يدلين، أن بالإمكان تنفيذ خطة التدخل المباشر، حتى مع الحضور العسكري الروسي، في حال استطاعت تل أبيب تلبية المصالح الروسية في سوريا.

في هذا السياق أيضاً، كشفت مجلة «ميكور ريشون» العبرية، عن خطة جديدة يجرى التداول فيها في تل أبيب، وحظيت بموافقة مبدئية من المسؤولين الإسرائيليين، حول إمكان استخدام اللاجئين السوريين، لإقامة حزام أمني في جنوب سوريا، بصورة معدلة في الشكل، عن صورة الحزام الأمني السابق في جنوب لبنان.

في مقابلة أجرتها المجلة مع رجل الأعمال الإسرائيلي «موتي كاهانا»، رئيس منظمة «عماليا»، وهي منظمة «إغاثة» إسرائيلية للاجئين السوريين، تستخدمها تل أبيب للتدخل غير المباشر في سوريا إلى جانب «البطانيات والحليب»، أشار كاهانا إلى وجود «خطة إنسانية» يجري العمل على بلورتها حالياً، لإقامة «منطقة آمنة» في الجنوب السوري، حيث يتجمع فيها اللاجئون لـ«تلقي المساعدات». ويلفت الى ان «المنطقة تتعلق، كمرحلة اولى، بمنطقة محمية وآمنة تقام على عرض عشرة كيلومترات من شرق الحدود الاسرائيلية، وبطول عشرين كيلومتراً من القنيطرة جنوباً، مع اختيار اللاجئين المجمعين فيها جهازاً محلياً مستقلاً للحكم الديموقراطي، يشكّل أملاً لتعميمه لاحقاً نحو كل سوريا».

يكشف كاهانا أن الخطة موضوعة على طاولة جهات إسرائيلية رفيعة المستوى، و«اجتمعنا لهذه الغاية مع وزراء واعضاء كنيست اسرائيليين، وتلقينا منهم ردوداً ايجابية». وحول تفاصيل أكثر للخطة، يشير كاهانا إلى أنّ «الاتجاه بأن لا نقيم معسكرات لاجئين ضمن خيم، بل استغلال البنية التحتية الموجودة في المنطقة المحددة لجلب اللاجئين اليها، خاصة مع وجود 20 قرية قائمة حالياً فيها، يمكنها ان تستوعب عشرات الآلاف من اللاجئين، ومئات الآلاف في المراحل اللاحقة». ويكشف أيضاً عن النواحي الامنية للمنطقة المقصودة، فيشير إلى أن اللاجئين انفسهم هم المسؤولون عن أمنهم، فعليهم أن يختاروا ممثليهم ومن يدافع عنهم وعن حدود المنطقة، من بينهم.

البارز أيضاً في حديث كاهانا، الكشف عن خطة شبيهة بالخطة الحالية للجنوب السوري، عمل على تنفيذها في منطقة مدينة ادلب في شمال سوريا، إلا أنها منيت بالفشل نتيجة ما قال إنه تردد وفشل لسياسة الإدارة الأميركية هناك، معرباً عن أمله بأنّ نتيجة الخطة الموضوعة للجنوب السوري مغايرة. وقال: «بدأنا العمل في منطقة ادلب، وأرسلنا إلى هناك سلاحاً للمتمردين وإمدادات إنسانية، وكان التوجه والأمل في النتائج مبنيين ايضاً على إمكان التدخل الاميركي السريع للإطاحة بنظام (الرئيس السوري بشار) الأسد. لكن كلما مر الوقت كلما أجّلت إدارة (الرئيس الاميركي باراك) اوباما خطوطها الحمراء إلى أن انتهت الإمدادات. انتقلنا الى جانب آخر، وسرنا سوية الى جانب (تنظيم القاعدة في سوريا) جبهة النصرة… الوضع في سوريا متقلب، والشعب ينتظر من يساعده».

«الإغاثة» من سوريا إلى اليمن

رجل الأعمال الإسرائيلي – الاميركي، موتي كاهانا، يترأس منظمة «عماليا» لإغاثة اللاجئين السوريين، وتنشط منذ سنوات داخل مخيمات اللاجئين في تركيا والأردن، وأيضاً في الداخل السوري. وتعد إحدى الادوات غير المباشرة للتدخل الإسرائيلي في الساحة السورية. وأمس، اشارت صحيفة «معاريف» إلى أنّ منظمة «عماليا» وسعت نشاطها ليشمل ايضاً الساحة اليمنية، من بوابة الغوث ومساعدة اللاجئين ايضاً.

«عماليا»، وهي «منظمة انسانية» إسرائيلية، تهدف بشكل معلن الى مساعدة وتعزيز الجسور القائمة بين إسرائيل و«الشعب السوري والثورة السورية»، وتحديداً ما تصفه «معاريف» بالجهات الصديقة لاسرائيل مثل «الجيش السوري الحر»، لافتة إلى أنّ المساعدات التي تتلقاها هذه الجهات، تتعلق بالمعونة الطبية والغذائية و«حتى أيضاً الذخائر الحربية»، مع الإشارة، بحسب «معاريف» إلى أنّ «ليس هناك لفتات انسانية من دون توقع شيء في المقابل».

وكان كاهانا قد اشار في حديث لصحيفة «يديعوت احرونوت» أنّ «دخول سوريا بالنسبة لي هو كالدخول إلى تل ابيب»، في اشارة منه الى سهولة التواصل والتواجد المادي والتجوال في المناطق التي تسيطر عليها «الثورة السورية» بحسب تعبيره. وكشف كاهانا أنّه «تبرع» بمئة ألف دولار من أمواله الخاصة لـ«الجيش الحر»، وأن الاموال التي يجبيها من تبرعات لـ«رجال أعمال إسرائيليين»، وأيضاً من تبرعات خاصة يتلقاها من منظمات يهودية أميركية وإسرائيلية وأماكن العبادة اليهودية في الولايات المتحدة، مخصصة لمساعدة «الثورة السورية»، وقال «انا مكلف بنقل هذه التبرعات الى جهات ليبرالية في سوريا من الخيرين والاصدقاء».

(الأخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى