«بيت العنكبوت» لا يزال يحفر في الوعي الإسرائيلي يحيى دبوق
16 عاماً على خطاب النصر، في مدينة بنت جبيل عام 2000، ولا تزال تداعياته وتأثيره قائمين في الوعي الجمعي للإسرائيليين. الخطاب الذي وصف فيه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الكيان الإسرائيلي بأنه «أوهن من بيت العنكبوت»، حفر ـــ ولا يزال ـــ عميقاً في وعي العدو، من أصغر مستوطن الى أعلى مسؤول سياسي وأمني
أول من أمس، أعاد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في الذكرى العاشرة لقتلى حرب 2006، التذكير بـ»بيت العنكبوت»، مؤكداً أن اسرائيل «جدار وبيت من فولاذ». كلامه، الذي لم يخلُ من تهديدات مسبوقة شكلاً ومضموناً، شكّل إقراراً جديداً على لسان رأس الهرم السياسي الاسرائيلي بفعالية أي كلمة تصدر عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وتأثيرها على الكيان.
وإذا كان نتنياهو قد حاول تظهير جبروت اسرائيل وقدرتها العسكرية من خلال تهديداته لترميم صورة الانكسار الذي يلاحقها منذ عام 2000، ومن ثم عام 2006، الا انه أقر في المقابل، وبصورة غير مباشرة، بأن كل الجهود الاسرائيلية لمواجهة المفاعيل السلبية لوصف نصرالله اسرائيل بـ»بيت العنكبوت»، لم تحظ بنجاحات.
نظرية بيت العنكبوت، كما وردت في خطاب بنت جبيل عام 2000، ترمز الى هشاشة الوضع الداخلي، وتوصّف واقعاً اسرائيلياً جهد قادة العدو، منذ ما قبل إعلان قيام «إسرائيل» عام 1948، لإبعاد انفسهم عنه لتداعياته السلبية. إذ ان ترسخها لدى الاسرائيليين، ولدى أعدائهم، يمثل خطراً وجودياً ويحول دون ترسخ الاسرائيليين في فلسطين المحتلة، كما يشجع اعداءهم على مواصلة مواجهتهم.
وقد تعاملت اسرائيل ــــ ولا تزال ــــ مع كلمة نصرالله باعتبارها تهديداً وسلاحاً، وهي كذلك، وعملت على استثمار كل افعالها واعتداءاتها وحروبها، طوال السنوات الـ 16 الماضية، لمواجهة هذه النظرية ومنع تأثيرها الايجابي لدى اعدائها والسلبي لدى جمهورها. والكلام الأخير لنتنياهو اكد من جديد فشل الاستراتيجية الاسرائيلية المقابلة.
خلال حرب عام 2006، كانت نظرية «بيت العنكبوت» حاضرة في تصريحات المسؤولين الاسرائيليين ومواقفهم. في الأيام الاولى للحرب، في نشوة الانتصار المرتقب الذي لم يصل اليه العدو، ذكّرت المواقف الاسرائيلية بخطاب «بيت العنكبوت»، وأنه بات بالإمكان القول ان النظرية اثبتت فشلها بعدما تبيّن ان اسرائيل «بيت من فولاذ». لا بل إن معركة بنت جبيل عام 2006، وخطاب النصر الذي أعد لرئيس الأركان في حينه دان حالوتس وسمّي خطاب «بيت الفولاذ»، كانا مخططاً أن يكونا رداً على خطاب «بيت العنكبوت»، على أن يطلق من المدينة نفسها بعد احتلالها، ومن المكان نفسه الذي ألقى فيه نصرالله خطابه الشهير. لكن الانكسار العسكري في المدينة، والفشل في السيطرة عليها، حالا دون الخطاب ودون «بيت الفولاذ»، تماماً كما جاءت النتيجة النهائية للحرب نفسها.
وخلال الاعتداء الأخير في عملية «الجرف الصامد» على قطاع غزة، عام 2014، كما في الاعتداءات التي سبقته، لم تغب نظرية «بيت العنكبوت» عن تصريحات المسؤولين الاسرائيليين ومواقفهم. هاجس النظرية كان قائماً، وكان لزاماً استغلال نتيجة الحرب والدمار الذي لحق بالفلسطينيين لمواجهة النظرية. بعد الحرب، اشار وزير الأمن في حينه، موشيه يعلون (30/09/2014)، الى ان «اسرائيل استحقت خطاب نصرالله المهين في أيار 2000، الذي شبه فيه هشاشة الدولة اليهودية ببيت العنكبوت… لكني أعتقد بأن نتائج عملية الجرف الصامد لن تسمح له بأن يكرر خطاب بيت العنكبوت…».
للتذكير أيضاً، ولمعاينة «الحفر في الوعي»، يكتب معلق الشؤون الأمنية في صحيفة «يديعوت احرونوت»، رون بن يشاي، بعد عشر سنوات على الانكسار الاسرائيلي عام 2000، (23/05/2010): «… حتى اليوم انا منكمش من الخجل عندما أتذكر تلك الليلة من أيار 2000. لا يغادر ذلك اليوم ذاكرتي. لا أستطيع ان أنسى الجندي من المدرعات، الذي صرخ من برج الدبابة عبر هاتفه النقال مطمئناً والدته: أمي، أصبحت خارج لبنان». كما لا يمكنني أيضاً ان أنسى خطاب نصرالله في بنت جبيل، خطاب «بيت العنكبوت»، فقد علم بأن يوم انسحاب الجيش الاسرائيلي من الحزام الأمني هو فقط بداية فصل جديد، وليس نهاية القصة».
(الأخبار)