مقالات مختارة

«توحش» فصائل «الاعتدال»… «الزنكي» نموذجاً دمشق – عبد الله سليمان علي

 

المشاهد المروعة لذبح الطفل الفلسطيني في حي المشهد في حلب على يد مسلحين «معتدلين» مدعومين أميركياً من فصيل «نور الدين الزنكي»، ليست مجرد مشهدٍ آخر من مشاهد الوحشية المتكررة منذ بدء الحرب السورية، بل هي دليلٌ على أن الولايات المتحدة قد أضافت حلقةً جديدة على مسلسل الفشل الذي تتعرض له جرّاء إصرارها على اختلاق «المعتدلين» وإخراجهم من بطن «التوحش».

كما أنه دليل على أن دعوة روسيا للفصل بين «المعتدلين» و «جبهة النصرة» ليس الهدف منها عزل الأخيرة عسكرياً فقط، بل تهدفُ أيضاً إلى محاصرة «فيروس» التطرف ومنعه من الانتقال إلى كل من يعيش معه أو بالقرب منه. فهل استشرى مرض «التوحش» في «حركة نور الدين الزنكي» نتيجة تحالفها العسكري المسكوت عنه أميركياً، مع «جبهة النصرة»، أم هذه طبيعتها الحقيقية وكانت تحاول إخفاءها؟

وحاولت واشنطن دفع الإحراج عن نفسها عبر الادعاء بعدم تأكدها من الجهة التي ارتكبت جريمة الذبح بحق الطفل عبد الله عيسى الذي لا يتجاوز عمره الثالثة عشرة، وكان مريضاً أو مصاباً لحظة اعتقاله وذبحه. وقال المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأميركية مارك تونر مساء الثلاثاء إنه «إذا حصلنا على أدلة تؤكد أن ذلك حدث بالفعل، وأن هذه الحركة متورطة في ذلك، فسيتسبب هذا بوقف تقديم شتى أنواع الدعم لها»، علماً أن الحركة نفسها لم تنف ارتكاب مسلحيها لهذه الجريمة، بل أكدت الأمر عبر القول إنه «حادث فردي» وإنه «تمت إحالة الفاعلين إلى القضاء»، إذ لم يكن بإمكان الحركة اتخاذ أي إجراء بحق الفاعلين لولا تبعيتهم لها، كما أن مشاهد الفيديو من الوضوح لدرجة أنه لا يمكن إنكار تورط الحركة في الجريمة، لذلك تبدو تصريحات واشنطن مجرد محاولة لذرّ الرماد في العيون.

وتعتبر هذه ثاني نكسة تتعرض لها واشنطن خلال أسبوع واحد، إذ جاءت جريمة الذبح الوحشية بعد أيام فقط من خضوع «جيش التحرير» وتوقيعه اتفاق إذعان مع «جبهة النصرة» وقبوله أن تكون جميع حركاته وسكناته تحت إشراف الأخيرة. وهذا مؤشر هام على أن اللعب مع «التطرف» لن تكون نتيجته سوى تشجيعه والسماح له بالانتشار، وهو ما أدت إليه السياسة الأميركية حتى الآن.

وبالرغم من المطالبات المتكررة التي تقدمت بها موسكو إلى واشنطن للعمل على العزل بين «جبهة النصرة» والفصائل «المعتدلة»، إلا أن واشنطن صمّت آذانها عن هذه المطالبات، وما زالت تماطل في تنفيذ التزاماتها بهذا الخصوص كما قال أكثر من مسؤول روسي. وترتبت على ذلك نتيجتان: الأولى منح «جبهة النصرة» حماية مجانية، والثانية الترخيص للفصائل «المعتدلة» باستمرار التحالف العسكري مع تنظيم إرهابي.

هكذا، لم تجد «حركة نور الدين الزنكي» حرجاً في التحالف مع «جبهة النصرة» والقتال إلى جانبها في جبهتي الملاّح وحندرات في شمال حلب، كما أن واشنطن لم تر في هذا التحالف بين فصيل مدعوم من قبلها وتنظيم إرهابي ما يتطلب التدخل أو اتخاذ موقف، إلى أن وقعت الواقعة ودفع الطفلُ عبد الله عيسى حياته ثمناً لفضح خطيئة هذا التحالف وانعدام الرؤية لدى كل من صمت عنه.

وقد دلّت تجارب سابقة على أن بعض «المتوحشين» الذين يرتكبون مثل هذه الجرائم تكون لديهم قابلية أسرع من غيرهم للالتحاق ببعض الفصائل الإرهابية، كما حصل مع «آكل الأكباد» أبو سقار الذي ارتكب جريمته وهو في كنف «الجيش الحر» لكنه سرعان ما بايع «جبهة النصرة» هو وفصيله.

وقد كان من اللافت أن بعض الفصائل انتقدت جريمة «الزنكي»، ولكنها ركزت انتقادها على جانب تصوير الجريمة ونشرها، إذ إن ذلك يضر بسمعة «الثورة»، كما لو أن ارتكاب الجريمة من دون تصويرها يصبح مباحاً.

وتعتبر «حركة نور الدين الزنكي» من الفصائل الكبيرة في محافظة حلب، حيث تضم حوالي خمسة آلاف مسلح، وهي من الفصائل المدعومة أميركياً، ومرتبطة تنظيمياً مع «غرفة عمليات الموك»، كما لها حظوة خاصة لدى الاستخبارات التركية. وسبق للحركة أن شاركت بكثافة في قصف الأحياء الغربية من مدينة حلب حيث سقط بسبب قذائفها عشرات الشهداء والجرحى.

وقد تأسست أواخر العام 2011 تحت مسمى «كتيبة نور الدين الزنكي»، ومؤسسها هو توفيق شهاب الدين، وتحولت إلى مسمى الحركة بعد انضمام كل من «لواء حلب المدينة» و «الظاهر بيبرس» إليها. وقد عُزل شهاب الدين من قيادة الحركة في أيلول من العام 2015 وعُيّن مكانه النقيب سعيد المصري، لكنه عاد إلى قيادة الحركة في آذار الماضي بعدما كادت تتفكك نتيجة الوضع المالي المتردي، ما دفعها إلى التهديد بالانسحاب من جبهات حلب بسبب ذلك.

إلا أن عودة شهاب الدين أعادت إلى الحركة الحياة من جديد، ولكن على ما يبدو أن ثمة شيئا آخر قد عاد إليها. إذ كان لافتاً أن شهاب الدين رجع إلى قيادة الحركة بخطاب وأفكار جديدة. فبعدما كانت علاقته مع «جبهة النصرة» تتسم بالنفور ما تسبب ببعض الاشتباكات بينهما، إلا أنه في نسخته الجديدة حاول التقرب منها، وأصدر أكثر من مرة تصريحات تضمنت مغازلةً واضحة. أما على الأرض، فكانت الأمور أكثر وضوحاً، خصوصاً لجهة التحالف العسكري المتين الذي نشأ بين الطرفين في جبهات ريف حلب الشمالي.

فهل تسير «نور الدين الزنكي» على خطى «حركة المثنى» في الجنوب السوري التي تحولت خلال فترة وجيزة من فصيل تابع لـ «الجيش الحر» إلى فصيل مبايع لتنظيم «داعش»، أم أن الضغوط الأميركية ستنجح في كبح جماح نزعة التطرف لديها ومنعها من إظهارها لضرورات الصراع ومتطلباته المعقدة في الشمال السوري تحديداً؟

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى