بقلم ناصر قنديل

ماذا يعني قول السعودية: «ضغط أوروبي على واشنطن لرفض ترشُّح الأسد ومساعديه»؟

ناصر قنديل

– أمام المتابع والقارئ مجموعة من الأنباء المنفصلة والمترابطة في آن، ومجموعة من الأسئلة التي تبحث عن أجوبة لا تجدها في نص خبر منفرد، فمن جهة تنتهي اجتماعات موسكو التي ضمّت ليومين وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وتقول البيانات الرسمية الأميركية والروسية أن البحث كان مكرساً للأزمة السورية وكيفية تنسيق الجهود العسكرية والسياسية في الحرب على تنظيمي داعش والنصرة، وتوفير شروط لنجاح تطبيق أحكام وقف الأعمال العدائية وآليات لحل سياسي للأزمة في سورية. ومن جهة مقابلة أمامنا كلام صريح للوزير كيري بأنه سيتكتم على ما تم التفاهم عليه ضماناً لنجاح التفاهمات، خصوصاً أنها تتميز عن سابقاتها بإحاطتها بجوانب التعقيدات والتشابكات التي تسببت بارتباك تطبيق التفاهمات السابقة.

– بعد يوم من نهاية اجتماع موسكو يحضر كيري في لندن ويلتقي ببعض من حلفاء واشنطن، ويقول إنه يتحرّك لوضع حلفائه في صورة تفاهمات موسكو وتدرس السبل لتسريع تطبيقها. وبعد يومين يكون كيري يترأس مع زميله وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر يضمّ وزراء خارجية ودفاع الدول المنضوية في التحالف الذي تقوده واشنطن للحرب على داعش، ويعطى الاجتماع عنواناً هو التحضير لما قبل وما بعد تحرير الرقة والموصل من سيطرة داعش، بينما يبدو واضحاً أن هذه المهمة ترتبط عضوياً بشراكة مباشرة مع روسيا وإيران والجيشين العراقي والسوري، بعدما فشلت الجماعات التي ترعاها واشنطن بتحقيق أي اختراق يذكر في مناطق سيطرة داعش.

– من الزاوية العسكرية والأمنية كان من السهل استبيان موافقة واشنطن على الطرح الروسي بضمّ داعش والنصرة لسلة واحدة والتخلّي عن نظرية خوض الحرب على مراحل يتقدّمها التخلّص من داعش، وهذا كان واضحاً في كلام الوزيرين الأميركيين كيري وكارتر، كما يوضح الكلام المنسوب لكيري قبيل زيارة موسكو من كولورادو ووصفه جيش الإسلام وأحرار الشام بالتنظيمين الإرهابيين بعد رفض واشنطن رسمياً في مجلس الأمن هذا التوصيف الذي تقدمت به موسكو. ويوضح الكلام الأميركي عن جماعة نورالدين زنكي بعد إقدامها على ذبح الطفل السوري في حلب، عن توصيفها بالإرهاب، إذا ثبتت الحادثة ومسؤوليتها عنها، أن الأميركيين تموضعوا أيضاً في ملف الجماعات المسلحة التي تقاتل شمال سورية إلى جانب جبهة النصرة، قريباً من الموقف الروسي وعملياً من الموقف السوري.

– جاء الانقلاب الفاشل في تركيا مرافقاً لجولات كيري الخاصة بتفاهمات موسكو، ورغم أهمية ما جرى في تركيا بقي الحراك الذي يتولاه كيري مكرساً للتفاهم حول سورية، وجاء الانقلاب وما سبقه وما تلاه من مواقف تركيا حول التطبيع مع الجوار، أو مع سورية بالاسم، ومعهما الارتباك والانشغال التركيان، وفوقهما العزلة التي تخنق تركيا في ظل الإجراءات الانتقامية التي حوّلت تركيا سجناً كبيراً، لتجعل مهمة واشنطن أشد يسراً وسهولة. وفي إشارة لافتة ضم كيري الملف اليمني لمباحثاته، كأنه أراد أن يقول بذلك شيئاً غير مريح للسعوديين، معلناً أن الملف السوري ملفنا وعلى الحلفاء التزام حدودهم.

– هذه الحركة في سياق زمن اقتراب الانتخابات الأميركية الرئاسية، والمعلن بصددها من حاجة الحزب الديمقراطي الحاكم لشحنة دفع انتخابية توفرها انتصارات على داعش، عجز الأميركيون عن إنجازها بمفردهم، وما لم تتم في شهر آب فلن تتم ولن تفيد، وما يستدعيه إتمامها من تسارع في استعمال ما تبقى من شهر تموز لتوفير شروطها ومناخاتها المؤاتية، وهي حصراً التفاهمات مع موسكو وإيران، وضمان شراكة حيوية للجيشين السوري والعراقي وحلفائهما في هذه الحرب على داعش، كما تأتي هذه الحركة في سياق موازٍ لاقتراب نهاية المهلة المحدّدة في لقاء طهران بين وزراء دفاع روسيا وإيران وسورية لبدء هجوم معاكس في شمال سورية، بتوافق أو بدون توافق مع واشنطن، وتأتي في سياق ميداني يثبت فيه الجيش السوري والحلفاء انتهاء أي رهان على قدرة جبهة النصرة على تحقيق تغيير في توازنات شمال سورية المختلة بقوة لصالح الجيش السوري وحلفائه، كما تأتي هذه الحركة الأميركية في آخر الفرص التي يتيحها ما تبقى من ولاية الرئيس الأميركي لترتيبات ما قبل الانسحاب من أفغانستان وهي حصراً ترتيبات مع روسيا وإيران والصين كدول جوار بري لأفغانستان، سيتاح لها للمرة الأولى التواصل براً بعد الرحيل الأميركي مطلع العام، وحاجة واشنطن لتفاهم على خرائط الأمن الآسيوي قبل منح عمالقة آسيا هدية هذا الرحيل.

– ما هو السر الذي تكتّم عليه كيري هو السؤال، وهو حكماً بمضمونه ليس سراً عسكرياً ولا أمنياً، بل سر سياسي سيربك حلفاء واشنطن، ما لم يتح لها أن تتولى تسويقه والتمهيد له جيداً، وفي اجتماعات كالتي تجري، وهو بالضبط إجابة عن سؤال، ما الذي سيتغير في مسودة الحل السياسي في سورية، والذي سيتكفل بتوفير فرص نجاح العملية السياسية التي بدونها لن يكون للتفاهمات سوى مفاعيل ظرفية وموضعية محدودة. والعقدة معلومة، وقد سبق لكيري أن وصفها بالحديث عن نفاد صبره، لأن روسيا لم تحسم بوضوح جواباً على سؤال حول مصير الرئيس السوري.

– تكشف السعودية السرّ في ما نشرته صحيفة الحياة التي تمولها وتشغلها، فتقول بوضوح، «حضت دول أوروبية، بينها بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وزير الخارجية الأميركي جون كيري على التمسك في المفاوضات مع الجانب الروسي بـ«رفض ترشّح الرئيس بشار الأسد ومساعديه» في انتخابات تجري في نهاية المرحلة الانتقالية منتصف السنة المقبلة، بالتزامن مع عرض كيري مسودة اتفاق مع موسكو نصّت على التوازي بين ثلاثة مسارات تتناول وقف النار ومحاربة «داعش» و«جبهة النصرة» والانتقال السياسي بدءاً من نهاية آب أغسطس المقبل».

– جاء كيري يبلغهم أن التفاهم الروسي الأميركي على الحل السياسي في سورية يتضمن حسماً لقضية الرئاسة السورية عبر انتخابات رئاسية تحت رقابة أممية وأن الرئيس السوري سيكون مرشحاً في هذه الانتخابات، وتقول السعودية علناً إنها تراهن على الضغط الأوروبي على واشنطن لتغيير موقفها أو بالأحرى تقول «نزل الفاس بالراس» ولم يبق إلا الدعاء للطف بالقضاء بعدما صار رده متعذراً.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى