دروس تركيا: من يهدد الديمقراطية في اسرائيل: ناحوم برنياع
يستدعي الانقلاب الفاشل في تركيا وفرة من الدروس لاسرائيل. أحدها، وليس اقلها، هو اننا لا نقدر بما يكفي النظام الذي خلفه لنا مؤسسو الدولة، والاساس – لا نفعل ما يكفي كي نحافظ عليه.
ضباط سلاح الجو التركي ممن كانوا مشاركين في محاولة الانقلاب تحدثوا باسم الديمقراطية؛ عدوهم اردوغان، هو الاخر، يتحدث باسم الديمقراطية، والطرفان يحملان اسم الديمقراطية عبثا. آتاتورك، الاب المؤسس لتركيا الحديثة، فرض على الاتراك دكتاتورية علمانية، الجيش فيها هو مصدر الصلاحيات العليا، وحارس الدستور؛ وأمام هذا التراث طرح اردوغان بديله، دكتاتورية اسلامية وعثمانية. وهو يتخذ له الصور على خلفية صورة أتاتورك لانه لا يزال رسميا أبا الأمة، ولكن مهامة حياة اردوغان هي القضاء على تراثه. أما احداث هذا الاسبوع فتقدمه خطوة واحدة اخرى، خطوة هامة، نحو تحقيق هدفه.
في اسرائيل لا يهدد ضباط الجيش الحكومة. فالمواجهات بين قيادة الجيش والحكومة سبق أن كانت، بل وفي بعض الحالات تطورت الى دراما حقيقية، ولكن لم يكن في أي مرة شك من هو صاحب الكلمة الاخيرة في الخلاف. لقد اعطي جنرالات هيئة الاركان حق الصراخ، ولكن حق القرار بقي في يد القيادة المدنية. وكان الراحل سمحا ايرلخ، وزير المالية في حكومة بيغن، حذر ذات مرة بانه في ذا يوم سيصعد ارئيل شارون على رأس كتيبة دبابات نحو ديوان رئيس الوزراء، ولكن تحذيره لم يكن أكثر من فلكلور: حتى هو لم يؤمن به بجدية.
جهتان في اسرائيل تتحديان قواعد اللعب الديمقراطية، كل واحدة بطريقتها. الاولى هي الحكم: فالحكم يريد بطبيعته مزيدا من الحكم. والتوازنان والكوابح التي تفرضها المنظومة تخيب آماله. وقد تفاقم هذا الميل جدا في ولاية نتنياهو الرابعة. ومؤشراته واضحة: تشريع سياسي حزبي، تنكيل بحقوق الانسان وحقوق الفرد، السيطرة على هيئات الاعلام الرسمية والخاصة، عبادة الشخصية، التحريض ضد الاقليات، تملق الجمهور بشكل منفلت العقال. فالحكومة تتحدث عن زيادة الشفافية، ولكن في مجالات مصيرية كالخارجية والامن نعرف عن خطواتها ونواياها أقل بكثير عما عرفنا عن حكومات سابقة. لسنا نحن فقط نعيش في الظلام، بل حتى وزراء الكابنت.
الجهة الثانية التي تتحدى قواعد اللعب هي متطرفو الصهيونية الدينية، من حاخامين وسياسيين. عن التصريحات العنصرية لبتسلئيل سموتريتش، النائب البارز في الائتلاف، لا حاجة للاستطراد؛ كما لا حاجة للاستطراد في التحريضات ضد الدولة وقوانينها على لسان الحاخام دوف ليئور، زملائه ومؤيديه. وانضم هذا الاسبوع الى هذه المجموعة الخطيرة يغئال ليفنشتاين، التائب الذي اصبح حاخاما. يؤدي ليفنشتاين دورا هاما جدا في جهاز التعليم. فهو رئيس الكلية التمهيدية في عاليه، المؤسسة التي ترى في مهامها تأهيل كادر من الضباط النوعيين، المفعمين بالايمان، للمنظومة القتالية في الجيش الاسرائيلي.
في ندوة عقدت الاسبوع الماضي اختار ليفنشتاين ان يهاجم طائفة المثليين. وعاد وأسمى اللوطنيين “منحرفين” و “مجانين”. وهاجم جهاز التعليم العسكري على انه يتصرف، وكم هو هذا فظيع، بتعددية، وبدلا من أن يطرد ان يدحر فانه يحاول أن يستقبل ويحتوي.
لقد أثارت اقواله عاصفة كبرى في القطاع الصهيوني – الديني. حاخامون – وكان أولهم بيني لاو – شجبوه بكل لسان. وأمس انضم الى الشاجبين ايضا نفتالي بينيت، رئيس البيت اليهودي. تحريضات فظيعة أطلقها حاخامون ضد العرب او ضد اليسار لم تحظى بوابل كهذا من الشجب، ويمكن ان نفهم لماذا. فالعرب واليسار هم خارجيون بالنسبة للقطاع؛ اما المثليون فهم مسألة داخلية. هم موجودون في العائلات وموجودون في مؤسسات التعليم. لقد حاول ليفنشتاين ان يعيد الدولاب جيلا كاملا الى الوراء، الى بؤس الشباب، الى بؤس العائلات. على المستوى الانساني ما فعله لا يغتفر. هكذا يتصرف منحرف؛ هكذا يتصرف شاذ.
لما قاله أيضا معنى سياسي: دخول الطائفة المثلة الى التيار المركزي في المجتمع الاسرائيلي هو من الظواهر الاجمل التي وقعت هنا في السنوات الاخيرة، دليل على ان اسرائيل لم تهجر قيمها الليبرالية. فلا يمكن التباهي بديمقراطيتنا ونطارد اللوطنيين. فالاثنان لا يسيران معا.
ضد هذه الميول يجب الكفاح. والا سنصبح، آجلا أم عاجلا، ديمقراطية على النمط التركي.
يديعوت