هل تسلّم الولايات المتحدة فتح الله غولن؟ حميدي العبدالله
طالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الولايات المتحدة بتسليم رجل الدين فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة بعد اتهامه بالوقوف وراء الانقلاب. وردّت الخارجية الأميركية على الطلب التركي بأنّ أنقرة لم تقدّم لواشنطن أية وثائق تؤكد وقوف غولن وراء الانقلاب، وكانت لهجة الناطق باسم الخارجية الأميركية أقرب إلى انتقاد الاتهامات التركية منه إلى تفهّم موقف تركيا.
لكن السؤال المطروح هل ترضخ الولايات المتحدة للضغط التركي وتقبل تسليم فتح الله غولن للسلطات التركية؟
الجواب على هذا السؤال واضح وقاطع: لن تقبل واشنطن تسليم فتح الله غولن، وذلك للأسباب والحسابات الآتية:
أولاً، فتح الله غولن يمثل أنموذجاً للإسلام الذي ترغبه الولايات المتحدة وتريده أن يعمّ كلّ العالم الإسلامي. ومعروف أنّ منظمة «خدمة» التي يديرها فتح الله غولن لها فروع في غالبية الدول الإسلامية، بدءاً من الصومال وانتهاءً بأندونيسيا، وهي ذراع فكرية للسياسة الأميركية في العالم الإسلامي، ومن غير مصلحة الولايات المتحدة التخلي عن هذه الجماعة، لا سيما في ضوء ما قاله الرئيس الأميركي باراك أوباما من أنّ «الإسلام السعودي» هو إسلام متطرف، واتهم الرياض بالوقوف وراء تصدير الإسلام المتشدّد الذي من رحمه تولد التنظيمات الإرهابية. صحيح أنّ الولايات المتحدة لا تريد التخلي بالمطلق عن «الإسلام المتطرف» لأنّ الإرهاب يخدم مصالحها ويساعد على تنفيذ سياساتها، ولكن أيضاً لها مصلحة في التعاون مع «إسلام آخر» لا يحمل مخاطر تنطوي عليها العلاقة مع «الإسلام المتشدّد».
ثانياً، الأسلوب الذي طالب فيه أردوغان بتسليم فتح الله غولن ينطوي على شيء من تحدّي الولايات المتحدة، وسيكون من الصعب على واشنطن قبول مثل هذا التحدّي والإذعان لمطلب أردوغان على النحو الذي ينال من هيبة الولايات المتحدة، ويبدو أنّ أردوغان على قناعة تامة بأنّ واشنطن لن تستجيب لمطلبه، ولهذا رفع المطلب علناً للضغط على إدارة أوباما، ربما للحصول على تنازلات منها في قضايا أخرى مقابل تراجعه عن مواصلة المطالبة بتسليم غولن.
ثالثاً، القوانين الأميركية تحول دون تسليم أشخاص يحملون الجنسية الأميركية إلى دول أخرى، وغولن حاصل على الجنسية الأميركية، ومقيم في الولايات المتحدة منذ نهاية عقد التسعينات، والأرجح أنّ واشنطن سوف تتذرّع بجنسية غولن الأميركية لرفض الطلب التركي، حتى وإنْ نجحت أنقرة بحشد الوقائع والأدلة التي تثبت تورّط غولن في العملية الانقلابية.
(البناء)