محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا كانت الهدية الاجمل التي حصل عليها اردوغان: عودة بشارات
اذا كان الانقلابيون لم يقوموا بتجهيز شخص يقرأ البيان رقم 1، فان صمودهم لثلاث ساعات هو انجاز. يتبين أن تيجان كراش، المذيعة في القناة الرسمية قد قرأت بيانهم تحت تهديد السلاح.
الانقلابيون الذين عملوا على اسقاط نظام اردوغان في تركيا، عملوا بناء على نظرية الانقلابات في العالم الثالث، حيث أن البند الاول فيها هو السيطرة على قنوات التلفاز، لكن المشكلة كانت أنه لم يكن لديهم ما يقولونه. ماذا سيقولون؟ إنهم جاءوا لانقاذ الديمقراطية لأن الدبابات تتجول في الشوارع؟ لكن الحقيقة التي لا تقل أهمية هي أن نظرية السيطرة على التلفاز كانت جيدة في الازمان التي كانت فيها في الدولة فقط محطة مذياع واحدة ومحطة تلفاز واحدة. ولكن اليوم لكل ولد يوجد “تلفاز فيس بوك” متقدم. وكل طفلة لديها واتس آب ينافس الـ سي.ان.ان.
لقد شاء القدر وحدث الانقلاب الفاشل حينما كنت أغرق في قراءة اخرى لكتاب “الأمير”. كتاب لـ نيكولو ميكافيلي باللغة العربية. وكلما مرت الساعات وتراجع الانقلاب، وعلى خلفية عودة اردوغان البطولية، فهمت أن الانقلابيين لا يعرفون حتى اسم ميكافيلي. أما عدوهم اردوغان فقد حفظ “الأمير” عن ظهر قلب. فعندما عاد الى اسطنبول وقبل اعلانه عن دحر الانقلاب تم اعتقال آلاف الجنود وأقيل 3 آلاف قاض ولا زال الامر مفتوحا.
لو كان اردوغان قام بهذه الخطوة بدون الانقلاب لكان العالم استنكر ذلك. أما الآن من سيهتم؟ لأنه يتخذ هذه الخطوات ويبدو مثل الأمير لـ ميكافيلي. يستغل الظروف ويضرب بكل قوته. “يجب استخدام العنف بكل اشكاله في نفس الوقت حيث يسهل على الشعب قبول ذلك”، قال ميكافيلي. ليس فقط الشعب، بل كل العالم يفهم الآن الهجوم على الديمقراطية.
منفذو الانقلاب هم من لحم التيار الاسلامي في تركيا. فرجل الدين فتح الله غولن الذي يوجد الآن على مهداف اردوغان، حيث يتم اتهامه بأنه يقف من وراء الانقلاب، كان حتى سنة 2013 حليفا له وعمل في خدمته في المشروع الضخم للتعليم والصدقات. إذاً هذا انقلاب في داخل العائلة، ويا للمفارقة: في المعركة بين مؤيدي التيار الاسلامي هناك من يتهم رجال التيار الديمقراطي بأنهم يؤيدون الانقلاب.
في المقابل، من بين الذين قام اردوغان بقمعهم واعتقالهم هناك من عارضوا الانقلاب بشدة، ايضا عندما كان الوضع غامضا. كل احزاب المعارضة العلمانية تجندت لافشال الانقلاب. وباختصار: قام الاسلاميون على الاسلاميين، والعلمانيون دافعوا عن الديمقراطية. واردوغان يعمل الآن على افتراس الجميع.
من المضحك القول إن محاولة اسقاط اردوغان تم التخطيط لها في مطبخ اردوغان نفسه، كما زعم فتح الله غولن، ولكن فعليا، الانقلاب هو الهدية الاجمل التي حصل عليها اردوغان. وكما يقولون بالعربية: “رزق الحكماء على المجانين”.
إن ما حدث في تركيا في نهاية الاسبوع يُذكر بأحداث صيف 1991 في روسيا حيث عمل عدد من اعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي السابق على ارجاع عجلة التاريخ الى الوراء. فقد انقلبوا على رئيس الحزب الشيوعي السوفييتي ميخائيل غورباتشوف الذي كان في اجازة مثل اردوغان في القرم. فقد خرج الجمهور الى الشوارع وحاصر الدبابات وأعطى الورود للجنود. وبذلك جذبوهم الى جانبهم. والمنتصر كان بوريس يلتسين. ومن أرادوا الحفاظ على الاتحاد السوفييتي كاملا قاموا بشكل غبي بدق المسمار الاخير في نعش الاتحاد السوفييتي.
هآرتس