اردوغان اغضب الكثير من الدول والان قام بخطوة اخرى نحو تحوله الى السلطان بلا منازع على ما تبقى من الجمهورية التركية: اليكس فيشمان
سيسجل الانقلاب العسكري في تركيا في صفحات التاريح بانه “تمرد الغريب”. فكلما تبددت السحب من فوق المجريات في تلك الساعات القليلة التي وقع فيها هذا التمرد، تتلبد سحب جديدة من الشكوك حول منطقه والدوافع التي وقفت خلفه. فلا غرو انه يجري في الشبكات الاجتماعية في تركيا حديث عن “انقلاب مبرمج” من مدرسة اردوغان. وسواء كان في نظرية المؤامرة هذه ما هو حقيقي أم لا، فقد كان هذا تمردا عاجلا: برز من اللامكان، فاجأ كل العالم – بما في ذلك الاتراك انفسهم – واندثر بسرعة مخلفا وراءه قائد واحد متوج بالمجد: رجب طيب اردوغان.
كان هذا في واقع الامر “تمرد العقداء”، الذي انجرف اليه بعض من اصحاب الرتب الاعلى. وبالاجمال شارك فيه اكثر من 2.000 شخص، بالاساس من ذراعي الجو والبحر. وكان احد المتآمرين البارزين هو العقيد محرم كوسا. ليس بطلا قوميا معروفا، بل مستشارا قاتما ومجهولا في الشؤون القانونية لرئيس الاركان التركي. ليس واضحا كيف بالضبط فكر المتآمرون في أن يجروا وراءهم الجماهير دون أن يقف على رأسهم زعيم كايرزماتي، كما ليس واضحا اي تيارات في داخل المجتمع التركي يمثل هؤلاء العقداء.
حاي ايتان كوهن ينروجاك، خبير في الشؤون التركية في مركز دايان في جامعة تل أبيب، يشير الى حقيقة أن المتآمرين اسموا أنفسهم “مجلس سلامة الوطن” السلامة بمعنى “الصلح” – وهو تعبير استخدمه ابو الامة التركية الحديثة، كمال أتاتورك. واذا كان كذلك، فقد كان هذا ظاهرا انقلاب ضباط اتاتوركيين، علمانيين، ضد النظام الاسلامي. وبالمقابل، تتهمهم الحكومة التركية بانهم من مؤيدي فتح الله غولان – الخصم الايديولوجي المرير لاردوغان. غير ان غولان هو بالذات اسلامي. كما أن التقدير بان الضباط قرروا اسقاط اردوغان لانه تقرر اقالتهم في اطار اصلاحات في قيادة الجيش التركي لا يثبت امام الاختبار. فهذه طقوس سنوية، دائمة، يبدل فيها المجلس العسكري الاعلى الضباط في قيادة الجيش.
لم تكن هناك مؤشرات تدل على التمرد القريب. فعندما اغلق المتمردون جسر البوسفور، الذي يربط بين آسيا واوروبا، اعتقد الكثيرون بان الحديث يدور عن اخطار بعملية كبرى. وفقط حين بدأت طائرات اف 16 تحلق على ارتفاع منخفض في سماء المدينة بدأ الناس يفهمون بانه يجري انقلاب. ويذكر التوقيت الذي اختاره المتمردون جدا بالتمرد العسكري الفاشل في روسيا في 1991، والذي بدأ عندما كان غورباتشوف يقضي اجازة في داتشيه على شاطيء البحر الاسود. وسيطر المتمردون الاتراك هم ايضا على هيئة الاركان عندما كان اردوغان في اجازة في مرمريس. ومن هنا فصاعدا تطرح اسئلة غير قليلة حول شكل سير هذا التمرد. فالمتمردون يسيطرون على المطار الدولي في الجانب الاوروبي و “ينسون” المطار الدولي في الجانب الاسيوي من اسطنبول (صبيحة). يسيطرون على جسر البوسفور على مبنى هيئة الاركان، ولكن دون اي محاولة لاعتقال القيادة التركية الحاكمة. والفندق الذي يمكث فيه اردوغان لا يقصفونه الا بعد ان يكون غادره، ولا يحاولون اسقاط الطائرة الرئاسية. ويعلن أعضاء البرلمان في محطات التلفزيون الهامة بانهم يعتزمون الاجتماع في مبنى البرلمان لدعم الحكومة، ولكن ايا من جيش المتمردين لا ينتظرهم هناك. كما أن رئيس الوزراء ووزير الداخلية يتحدثان في وسائل الاعلام بلا عراقيل. محطة البث الوحيدة التي يسيطر عليها المتمردون، المحطة الوطنية TRT1هي محطة واحدة من اصل عشر محطات تلفزيونية واحدة. وتجرى مقابلة مع اردوغان في المحطة التلفزيونية الشعبية CNN ترك. وفقط بعد أن تنتهي المقابلة يأتي المتمردون ويسيطرون على المحطة. وبدلا من السيطرة على مبنى البرلمان تقصف طائرة قتالية واحدة مدخل البرلمان وليس مبنى القاعة نفسه. ويهاجم المتمردون البرلمان من الجو، ولكن ليس القصر الرئاسي لاردوغان. اما رئيس الاركان فيعتقلونه لبعض ساعات ومن ثم يطلقون سراحه. وفي السبت كانت لا تزال هناك معارك في دار الحكومة في أنقرة وفي عدة قواعد عسكرية في مدن اخرى. وهناك ايضا سقط معظم الضحايا. ودخلت الشرطة التركية الى السجون العسكرية المركزية واعتقلت الضباط المشبوهين بالتعاون. وقد قمع التمرد بسرعة مخلفا وراءه ثمنا دمويا باهظا. والصور التي ستتبقى من هذا الحدث مضرجة بالدماء هي الاخرى: مروحية لسلاح الجو التركي تعود للمتمردين، تطلق النار بالبث الحي والمباشر على جمهور حاول الاقتراب من هيئة الاركان، وطائرة اف 16 تركية تسقط مروحية قتالية للمتمردين. ومواطنون يقطعون رأس جندي متمرد.
ظاهرا، الشبكات الاجتماعية في تركيا بالذات – والتي يعتبر اردوغان عدوا مريرا لها، هي التي انقذته. فظهوره في التلفزيون، حين دعا الجمهور التركي للخروج الى الشوارع، تم من خلال “فيس تايم”، وهو برنامج مكالمات فيديو يعود لشركة “ابل”. عمليا، لم يكن للمتمردين منذ البداية اي امل حقيقي لاسقاط النظام التركي. وقد بدا هذا كعرض مسرحي تم اخراجه باهمال.
والان، يقول الباحث كوهن ينروجاك، سيكون لاردوغان المزيد من القوة. النظام في تركيا سيكون اكثر مركزية بكثير. ثمة غير قليل من رؤساء الدول ممن صلوا في خفاء قلوبهم، كي ينجح هذا التمرد. حتى لو كانوا في نظرة الى الوراء ، بعد أن فشل الامر، رحبوا علنا “بالديمقراطية التركية القوية”. لقد اغضب اردوغان الكثير من الدول. والان قام بخطوة اخرى نحو تحوله الى السلطان بلا منازع على ما تبقى من الجمهورية التركية.
يديعوت