الجديد في سباق الانتخابات الرئاسية الاميركية د.منذر سليمان
ضبابية الحسم
ما تلبث المرشحة هيلاري كلينتون التمسك ببصيص أمل ولو رفيع يدل على تقدمها حتى تعود وسائل الاعلام المختلفة لاصدار احصائيات وبيانات واستطلاعات رأي للدلالة على شبه تعادل او تقدم منافسها ترامب عليها. الامر الذي جرى بوضوح مطلع الاسبوع الجاري .
بيد ان اشد ما اقلق حملة السيدة كلينتون هو نتائج استطلاع اجرته جامعة كوينيبياك، المشهود لها بنزاهتها ودقتها، منتصف الاسبوع يشير الى تراجع شديد في شعبيتها لا سيما تدهور مصداقيتها لدى العامة، وتراجعت حظوظ كلينتون 8 نقاط مئوية امام منافسها في ولاية فلوريدا بالغة الأهمية، وشبه تعادل بينهما في ولايتي اوهايو وبنسلفانيا.
أهمية الاستطلاع ان توقيته يعتبر شديد الحساسية كونه جرى عقب اعلان مكتب التحقيقات الفيدرالي عدم ملاحقتها قضائيا، وايضا قبل بضعة ايام من انعقاد مؤتمري الحزبين، اذ كانت تتطلع السيدة كلينتون الى دفعة اضافية عقب انفضاض المؤتمر بما يعزز موقعها المتقدم على ترامب.
يشار الى ان الفارق النسبي بين المرشحين المحتملين بلغ 8 نقاط مئوية الشهر المنصرم لصالح كلينتون. اما في الاستطلاع الاخير في ولاية فلوريدا فقد تقدم ترامب عليها بنسبة 42% مقابل 39% لكلينتون. وحافظ ترامب حسابيا على تقدمه ان جرت الانتخاب بين ثلاثة مرشحين، اذ حاز على 42% مقابل 39% لكلينتون، وكذلك الأمر في ولايات اخرى.
تراجع شعبية كلينتون اضحى مقلق لقادة الحزب الديموقراطي لادراكهم ان نتائج كوينيباك دقيقة، ضمن مجال الخطأ الحسابي. وتتصدر كوينبياك المؤسسات الاخرى لنزاهتها ووصفت “بمعيار الذهب” حين يتعلق الأمر بالاستطلاعات والقراءات السياسية. ميزة كوينبياك البارزة تكمن في استقلاليتها عن اي مؤسسة اخرى وتجري الاستطلاعات بمهنية عالية، فيما الاخرين يتم تكليفهم بالمهمة من قبل مؤسسات صحفية واعلامية في معظم الاحيان.
تقاطعت نتائج كوينيبياك مع اخرى اجرتها مؤسسة راسموسن مفادها تقدم ترامب بنسبة 44% مقابل 37% لكلينتون. بينما اسفر استطلاع آخر، جرى لحساب شبكة (سي بي اس) للتلفزة بالاشتراك مع صحيفة نيويورك تايمز، تعادل المرشحيْن بنسبة 40%.
قرار مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي آي) بعدم التوجه لملاحقة كلينتون قضائيا، على خلفية بريدها الالكتروني، اثار موجة جديدة من الغضب الشعبي، بصرف النظر عن الانتماء او التعاطف السياسي، مما يفسر جذر تراجع شعبيتها بهذه السرعة وتقدم ترامب بكل ما يحمله من اثقال، وتأجيجه التوجهات العنصرية ضد الاقليات والمهاجرين. وعزت جامعة كوينيبياك التدهور الى قضية بريدها الالكتروني تحديدا، واعتبار العامة بأنها غير كفؤة ولا تتحلى بالصدق لتبوأ منصب رئيس البلاد.
تعتبر ولايات فلوريدا واوهايو وبنسلفانيا فاصلة في السباق الانتخابي لما لها من مكانة مميزة في التوازنات السياسية، يبلغ مجموع مندوبيها 67. كلينتون تراجعت فيها جميعا حين تعلق السؤال بالمصداقية والثقة والكفاءة: 59% في فلوريدا؛ 60% في اوهايو؛ و65% في بنسلفانيا. بالمقابل تقدم منافسها في الولايات الثلاث: 54% في فلوريدا؛ 59% في اوهايو؛ و 57% في بنسلفانيا.
نستطيع القول ان ثبات تراجع شعبية كلينتون، بسبب انعدام صدقيتها، يضع نتائج الانتخابات الرئاسية في خانة التكهن في افضل الاحوال، وربما ستفرز دعما لترامب يعادل كلينتون في المحصلة النهائية.
ترامب ونائبه
استطاع ترامب اشغال المؤسسات الاعلامية والنخب السياسية لفترة غير قصيرة للتكهن بشخصية نائبه الذي سيعلن قبل المؤتمر الحزبي. برع ترامب ايضا في اقتناص الفرص لصالحه، اذ اعلن عن تأجيل الكشف عن هوية اختياره بسبب الهجوم الارهابي في نيس بفرنسا، ولم يشأ اهمال تصدره للعناوين السياسية او مزاحمته لقضايا اخرى.
وما لبث اعلن اختياره حاكم ولاية انديانا، مايك بنس، الذي كان يقف على عتبة انتخابات قاسية لتجديد ولايته، وتزامن الاعلان مع الموعد النهائي لتقديم طلب اعادة الترشيح، والا سيعتبر منتهيا الصلاحية.
نظرة سريعة على بنس قد تدفع البعض لاعتباره “الوجه الحضاري والمسؤول” لتقلبات ترامب ويسد ثغرات اساسية في نواقصه، وذلك لطبيعته الهادئة نسبيا وطول سجله كعضو مجلس نواب سابق مكث فيه 12 عاما؛ وميوله المتشددة للمحافظين، كونه من ابرز اعضاء “تيار حزب الشاي؛” ومعارضته المبدأية لقدوم المهاجرين؛ فضلا عن قسوة احكامه بالسجن على اي جنحة ترتكب، فما بالك بالجرائم الكبيرة.
المرشح بنس عرف الجمهور عن نفسه دون مواربة، احدثها لصحيفة رئيسة في ولايته انديانابوليس ستار، مطلع الشهر الجاري. وقال “انظروا، لقد قضيت 14 عاما في المناصب العامة: سنة ونصف كحاكم (للولاية)، و 12 عاما في مجلس النواب (ممثلا لولايته في الكونغرس) .. يسعدني القول “انني من المحافظين” ..”
ابان خدمته في الكونغرس، عارض بعض برامج الرئيس بوش من باب انها “لا تمثل مصالح المحافظين وتخول الدولة المركزية صلاحيات اوسع.” وصوت لصالح مشروع قانون عام 2004 “يحرم الدولة الفيدرالية من تعويض المستشفيات التي تقدم خدمات طواريء للمهاجرين دون وثائق قانونية.” وتبنى عام 2006 خطة متشددة ضد الهجرة وصفها بنفسه بانها “لا للعفو في اصلاحات (قوانين) الهجرة،” التي رمت لتحصين الحدود الاميركية المشتركة مع المكسيك.
في منصبه الحالي كحاكم لولاية انديانا، اشتهر بنس بالاصطفاف ضد قوانين تحرر المرأة من تدخل السلطة في خصوصياتها، منسجما مع خلفيته الدينية المتشددة “المسيحية الانجيلية؛” واصدر اوامره لسلطات ولايته بالكف عن تقديم اي مساعدات لتوطين المهاجرين السوريين – الذين سيتم فرزهم أمنيا من قبل وزارة الأمن القومي.
في الشأن الاقتصادي، صادق بنس على قوانين تخفيض الضرائب عن الشركات والمصالح الكبرى والاثرياء في ولايته؛ وحليف موثوق لحملات “تخصيص التربية والتعليم،” الذي من شأنه حرمان الشرائح الاقتصادية الوسطى والدنيا من فرص التعليم والتقدم، وخاض مواجهة قاسية مع مفتش التعليم العام الديموقراطي في ولايته لتحقيق هدفه وصفها بأنها “معركة من اجل السيطرة.”
وعليه، يمكن القول ان ترامب استدار نحو المؤسسة الحاكمة لدعمه انتخابيا ولم تبخل عليه بترشيح بنس “لانقاذ حملته،” وهو الحارس الأمين لبرامج الحزب الجمهوري الاقصائي للآخرين.