تركيا واستغلال الحد الأقصى دمشق – زياد حيدر
من الصعب أن يمرّ الحديث عن حالة العلاقة التركية ـ السورية، وتصريحات رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم المتناقضة بين يوم وآخر، من دون النظر إلى ما نتج عن هذه الحرب من نتائج وآثار، ومن دون الإشارة إلى ما حققته تركيا من هذه الحرب ايضاً.
ففي ربيع العام 2012، زار أحد الصحافيين المنطقة الحدودية السورية ـ التركية، التي شُيّد فيها واحدٌ من أوائل مخيمات اللاجئين وأشهرها، وهو مخيم كيليس، واطلع على إجراءات التحضير لبناء المخيم، ناقلاً انطباعه بأن ما تُحضّر تركيا لبنائه كان قرى مُصغّرة، ببنية تحتية طويلة الأمد، وإن كان «التحضير مثيراً للإعجاب»، إلا أن السؤال لم يتوقف عن الذي قاد أنقرة إلى ترقب وصول عشرات الآلاف من النازحين السوريين، والمدة التي تعتقد أن اقامتهم ستستمر فيها؟
وجاء الجواب متأخراً سنوات عدة، وربما لم يكتمل بعد، اذ استطاعت تركيا التي استقبلت ثلاثة ملايين لاجئ تقريباً، أن تستفيد للحد الاقصى من وجود هؤلاء اللاجئين، كما من الحرب على المستوى الاقتصادي، مستغلة بشكل ماكر كل جوانب هذا الوجود الإنساني الكبير.
ويمكن البدء من نقطة النهاية المتمثلة بقرار تجنيس «الأكفّاء» من اللاجئين السوريين، والذي يتم تداول تقديرات حولهم تشير إلى حوالي 300 الف منهم، تنظر إليهم المعارضة التركية بمثابة «حجرٍ وازن يريد به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيادة حصة حزبه وفرصه في الانتخابات»، واستغلالهم في الخلفيات الاستخبارية، لاسيما أن حديث المسؤولين الأتراك انتقل إلى «السماح بالجنسية المزدوجة في حالة السوريين المجنسين تركياً».
قبل هذه «المكرمة»، التي ستطال من لديهم كفاءة ومقدرة انتاجية فقط (أسس السوريون 3000 شركة في تركيا منذ بدء الحرب)، وذلك وفقاً لتصريحات المسؤولين الاتراك ، فتحت تركيا أبواب «الهجرة غير الشرعية» عبر شواطئها لكل الراغبين من السوريين بالعبور، لتنشط تجارةٌ قدّرت الأمم المتحدة ارباحها بحدود المليار دولار، وذهب ضحيتها غرقاً الآلاف، كانت تسمح لما يقارب 50 الف شخص بالعبور نحو أوروبا شهرياً، والتي بدورها اشتعلت لديها المحاذير الديموغرافية والاقتصادية، كما العقائدية، الأمر الذي فرض على دول الاتحاد الاوربي الرضوخ لطلب تركيا تحديد موعد ثابت لإلغاء تأشيرات الدخول بالنسبة للأتراك، ودفع مساعدات تقارب ثلاثة مليارات يورو يفترض أنها ستصرف على اللاجئين، وذلك مقابل اعتراض قوارب هؤلاء في البحر أو منعها من المغادرة، وإعادة البعض، ما أدى إلى انخفاض أعدادهم إلى مستوى ستة آلاف شهرياً، وذلك تحت أنظار خفر السواحل التركي بكل الاحوال.
وإلى ما سبق، يضاف نسبة مشاركة اللاجئين في الإنفاق الاستهلاكي والتي بلغت 1.7 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي (الدراسة على اساس خط الفقر في تركيا)، ومساهمتهم في تغذية سوق العمل بالعمالة الرخيصة (عشرة عمال سوريين بدل ستة أتراك)، وبأجور منخفضة، ومن دون تراخيص، وهؤلاء يقدر عددهم بـ300 ألف تقريباً، حتى أن بعض الاقتصاديين الأتراك يميلون لاعتبار اللاجئين من اسباب استمرار النمو الاقتصادي في تركيا بنسبة 4.3 في المئة في العام 2013، و2.9 في المئة أيضاً في العام 2014.
مع العلم أن ارقام البنك الدولي تتحدث عن إنفاق حكومة انقرة «أكثر من 5.5 مليار يورو على قرابة ثلاثة ملايين لاجئ سوري منذ مجيئهم، وإلى الآن وهو ما يعادل 1.5 مليار دولار سنوياً أي 0.2 في المئة من الناتج القومي الإجمالي البالغ 800 مليار تقريباً»، وذلك وفقاً لصحيفة «صباح» التركية.
قبل ذلك، استغلت تركيا حالة الفوضى العارمة في الشمال المحاذي لحدودها، فنشطت التجارة البينية بينها وبين المناطق الخاضعة لحكم حلفائها، ووفقاً لمكتب الإحصاء التركي بلغت هذه التجارة 1.8 مليار دولار في النصف الاول من العام 2014، والذي اعتمد بشكل اساسي على النفط المُهّرب عبر خط تجاري للنفط المسروق استهدفته الطائرات الحربية الروسية والسورية مراراً (حوالي 8500 صهريج وفقاً للأرقام الروسية)،
ولم تكتف تركيا بالقمح والقطن ومخازين الحبوب، بل «استقبلت» المحاصيل الأخرى من زيتون وفستق حلبي وما تنتجه مناطق ريف ادلب وحلب والحدود الشمالية، من ثمار.
ورغم أن تركيا فشلت في فرض عملتها على مناطق الشمال، بالرغم من فرض بعض الفصائل التركمانية والإسلامية استخدامها على السكان في ريفي حلب وادلب، إلا أن الكثير قيل وإن لم يثبت، عن مضاربة الاتراك على الليرة السورية بالدولار في تلك المناطق كمحاولة لإضعافها على مدى السنوات السابقة.
ولا يغيب الحديث بالطبع عن الصناعة السورية التي قال أحد مسؤوليها أمس الأول في دمشق إن خسارتها تتعدى الألف مليار ليرة سورية، علماً أن تقديرات دمشق هي أن «عملاء تركيا» استولوا على ما يقارب من 1700 معمل ومصنع، بعضها تكلّف انشاؤه ما يقارب مليار دولار، وآخرها، ومنذ أسابيع، محطة زيزون الكهربائية في حماه.
بدورها، قدرت المستشارة السياسية للرئيس السوري بثينة شعبان في حديث صحافي، أن كلفة ما «سرقته تركيا يقدر بـ30 مليار دولار»، وذلك من «معامل، ومن إرث سوري، ومن أموال سورية».
هذا على الصعيد المادي. أما على الصُعد الأكثر خطورة، فقد تعاطت تركيا وعلى رأسها حزب «العدالة والتنمية» الاسلامي، مع الصراع في سوريا من منظور طائفي خالص، وعملت بطاقتها العسكرية المسموح بها أميركياً على تتويج المعارضة التي تحت سيطرتها وعلى رأسها حركة «الاخوان المسلمين» في سوريا، كما موّلت وسلّحت ونظّمت قسماً كبيراً من تركمان سوريا في هذه الحرب مانحة اياها بعداً اثنياً أيضاً، ودفعت نحو اجتراح منطقة نفوذ خالص تحت تسمية منطقة آمنة وإن من دون نجاح، والأكثر اهمية انها فتحت معبراً لكل متطرفي العالم الاسلامي ومجرميه للوصول إلى اشرس التنظيمات الإرهابية خلال العصر الحديث، وسمحت لهم بحرية التحرك حتى نالتها نيرانهم أخيراً.
وبالطبع كلّف هذا كله، منذ خمس سنوات وحتى الآن، مئات آلاف الضحايا، من المدنيين والعسكريين، عبر حرب يعتبرها كثر من المسؤولين في دمشق حرب تركية بالوكالة.
رغم ذلك، يعتقد مسؤولون في دمشق، أن «تراجع تركيا عن عدوانها على سوريا» يمكن أن ينهي الحرب سريعاً. وسبق للقيادة السورية أن حمّلت تركيا مسؤولية تفوق 60 في المئة مما يجري، معتبرة أن «الآخرين»، في إشارة للسعودية وقطر، «غير قادرين على شيء ملموس من دون حليفهم التركي».
(السفير)