إرسال الإشارات الرادعة إلى إيران دينيس روس
6 تموز/يوليو 2016
“يصادف الرابع عشر من تموز/يوليو الذكرى السنوية الأولى لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران المعروف بـ “خطة العمل المشتركة الشاملة”. وهذا المقال هو جزء من سلسلة من المراصد السياسية التي تقيّم الكيفية التي أثّر فيها الاتفاق على المصالح المختلفة للولايات المتحدة. وستصدر المقالات المقبلة في الأيام التي تسبق الذكرى “.
احتدم الجدال في العام المنصرم حول “خطة العمل المشتركة الشاملة”، وكما في أي سياسة جدالية تتخذ منحىً سياسياً، كانت الادعاءات المؤيدة للصفقة أو المناهضة لها مبالغاً فيها. وبالنسبة إلى إدارة أوباما، أغلقت “خطة العمل المشتركة الشاملة” كافة الطرق الإيرانية النافذة إلى أي سلاح نووي. أما بالنسبة لمعارضيها، فكانت الاتفاقية بمثابة هبة خففت العقوبات على طهران وزوّدتها بببنية تحتية نووية كبيرة، من شأنها أن تمهّد الطريق في الوقت المناسب، لإمكانية امتلاك قدرات نووية.
وفي الواقع، تقع “خطة العمل المشتركة الشاملة” في مكان ما بين هذين الموقفين. فإذا نُفّذت، فستقضي إلى حد كبير على السبل المحتملة التي قد تلجأ إليها إيران لصنع أسلحة نووية، وهي تخصيب اليورانيوم وفصل البلوتونيوم والإنتاج النووي السري، لمدة تصل إلى خمسة عشر عاماً. وخلال هذه الفترة، اقتصر الحد الأقصى المسموح به للتخصيب على3.67 بالمائة من النظير الانشطاري “اليورانيوم 235″، ولا يسمح لإيران أن تمتلك أكثر من 300 كيلوغرام من مواد التخصيب أو أن تستخدم أي من قدرات إعادة المعالجة. بالإضافة إلى ذلك، يصعب كثيراً إخفاء برنامج إنتاج سري بما فيه من سلسلة إمدادات خاضعة للمراجعة ومنافخ الطرد المركزي/الدّوارات المراقبة عن كثب. وفي حين لا تمنع هذه القيود مثل هذا البرنامج بصورة تامة، إلا أنه من المؤكد أنها سترفع إمكانية إثارة ردة فعل عنيفة من جانب طهران.
وفي هذا الصدد، لا يعتمد وقف تصنيع القنبلة النووية على تحقق الولايات المتحدة من التزام الإيرانيين بتطبيق “خطة العمل المشتركة الشاملة” بقدر ما يرتبط باستعداد الولايات المتحدة لجعلهم يدفعون ثمناً باهظاً إذا ما خدعوا. وبالفعل، من الضروري أن يفهموا الثمن الباهظ الذي سيدفعونه لقاء انتهاكاتهم ولاسيما نظراً لما تسمح لهم “خطة العمل المشتركة الشاملة” بتطويره:
– بعد خمسة عشر عاماً، لن تُفرض أي قيود على حجم الصناعة النووية أو على عدد/نوعية أجهزة الطرد المركزي التي يحق لإيران صُنعها.
– بدءاً من السنة العاشرة، يحق لإيران القيام بتركيب خمسة نماذج متقدمة من أجهزة الطرد المركزي وتشغيلها.
– بينما سيكون ناتج هذه النماذج المتقدمة محدوداً حتى السنة الخامسة عشرة، ستتمكن إيران بعد ذلك من زيادة إنتاجها من المواد المخصّبة بشكل تصاعدي.
– بعد السنة الخامسة عشرة، لن تُمنع إيران من إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب أو حتى اليورانيوم المجهّز لصنع أسلحة نووية.
ويشير كل ذلك إلى أن الوقت المحدد لتجاوز إيران العتبة النووية سيتقلص أساساً ليصل إلى الصفر بحلول عام 2030 على أبعد تقدير، حتى إذا التزمت بأدق تفاصيل “خطة العمل المشتركة الشاملة”. وعندما تم التداول في هذه النقاط خلال المناقشات التي تمحورت حول الاتفاقية، حاول مسؤولو الإدارة الأمريكية أن يثبتوا أنه لا يفصل إيران عن “زمن تجاوز العتبة النووية” إلا شهرين وأن الحاجة تقتضي إلى عقد اتفاقية من شأنها أن تزيد مهلة التحذير إلى ما يقرب من عام. ومنذ ذلك الحين، قلّص الإيرانيّون عدد أجهزة الطرد المركزي الخاصة بهم فاستغنوا عن نصفها تقريباً ثم اكتفوا بـ 5061 جهاز كهذا، وقاموا بتسليم اليورانيوم المخصّب باستثناء 300 كيلوغرام، وملأوا عصب مفاعل الماء الثقيل الخاص بهم بالإسمنت، وسمحوا للمراقبين من الخارج بإنشاء نظام تحقق شامل، لذلك فمن الإنصاف القول أن التهديد النووي الفوري قد تقلص فعلاً.
إلا أن ذلك لن يقلل من الحاجة إلى تعزيز الرادع نظراً لحجم البنية التحتية النووية المسموح بها والتي ستتحول، في الوقت المناسب، إلى فجوة صغيرة جدّاً فيما يتعلق بتجاوز إيران العتبة النووية. فهل يتمتع الأمريكيون بالثقة بأنه يجري القيام بكل شيء للتأكيد لإيران حول عواقب الانتهاكات المحتملة؟
ولسوء الحظ، يبدو أن الإجابة هي “كلا”، فلقد ارتكبت طهران بالفعل العديد من الانتهاكات الجلية لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1929، مثل إجراء تجارب صاروخية بالستية، ونقل الأسلحة التقليدية، والاستهانة بقرار حظر السفر الدولي. ومن المؤكد أن القرار 2231 قد أقرّ “خطة العمل المشتركة الشاملة”، وحل محل القرارات السابقة وخفّف من حدة بعض هذه المحظورات، إلا أن إيران لم تواجه في حقيقة الأمر أي عاقبة مهمة تترتب عن تصرفاتها المستمرة التي لا يخفى على أحد أنها استفزازية. وبالإضافة إلى ذلك، وعلى غرار ما أشار إليه الخبير النووي إيلي ليفيت ( Eli Levite) ، تقاوم إيران الجهود الرامية إلى جعل “قناة المشتريات” – التي سمحت بها “خطة العمل المشتركة الشاملة” لحيازة بعض المواد ذات الاستخدام المزدوج – تعمل وفقاً لعدد من الشروط الواضحة. ويبدو مجدداً أن إدارة أوباما لا ترغب كثيراً في تحدي طهران أو في رفع الثمن الذي لا بد لإيران أن تدفعه لقاء مثل هذا التصرف.وثمة تطوران إضافيان جديران بالذكر:
أولاً، رداً على شكاوى طهران بأنها لا تحصل على المنافع الاقتصادية الكاملة من “خطة العمل المشتركة الشاملة”، عملت الإدارة الأمريكية بنشاط لإقناع الشركات الأجنبية بأن لديها الحرية للعمل مع إيران، إذ يبدو أنها تخشى أن يوضع الرئيس حسن روحاني وغيره من “البراغماتيين” في موقف محرج في مواجهة المتشددين في النظام إذا لم يتمكنوا من إظهار المنافع الاقتصادية للاتفاق النووي في القريب العاجل. إلا أن إحدى الأسباب الرئيسية التي أرجأت الاستفادة من هذه المنافع تتمثل بحاجة المصارف الإيرانية إلى الخضوع لعملية إصلاح لكي تستوفي المعايير الدولية المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب. وستتردد المصارف الدولية الكبرى في تمويل الاتفاقات أو بطريقة أخرى في إقامة علاقات تجارية مع إيران طالما لم يتم استيفاء هذه المعايير، لأنها قد تخضع لغرامات كبيرة إذا ما التزمت المصارف الإيرانية بهذه المعايير. إن هذه المسؤولية ليست أمريكية بل إيرانية. وعندما تستجيب إدارة أوباما بشكل دفاعي لشكاوى عن وتيرة المنافع الاقتصادية البطيئة، فإنها تجعل نفسها تبدو على خطأ، وتعطي الانطباع أيضاً بأن الولايات المتحدة ستتوانى في معالجة الشكاوى الإيرانية ولكن ليس بالضرورة انتهاكاتها.
ثانياً، تشير التقارير الصادرة عن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” إلى أن إيران تلتزم بـ “خطة العمل المشتركة الشاملة” إلا أن مستوى المعلومات التي تقدمه هذه التقارير هو أقل بكثير من مستوى المعلومات التي تكشفها التقارير السابقة الصادرة عن “الوكالة” حول البرنامج النووي الإيراني. واعترف المدير العام لـ “الوكالة”، يوكيا أمانو، بهذا الفارق إلا أنه أشار إلى أن القرار 2231 يتطلب معلومات أقل من غيره من القرارات السابقة. ولعل أعضاء مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» يحصلون على كافة المعلومات التي يحتاجونها، ومن المحتمل أنهم اتفقوا على احترام الحساسيات الإيرانية وطلبوا من “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” أن تخفي بعض المعلومات عن الرأي العام، كنسبة اليورانيوم المخصب بنسبة3.67 في المائة والتي لا تزال موجودة في إيران، والشكل الذي أرسل به اليورانيوم إلى الخارج، بالإضافة إلى عدد أجهزة الطرد المركزي التي تعمل في ناتانز، والمخزون الذي يحتوي على اليورانيوم المخصّب بنسبة 20 بالمائة تقريباً المتبقي في البلاد، ونشاط إيران الحالي المتعلق بتعزير البحوث الخاصة بأجهزة الطرد المركزي وتطويرها.
ولكن إذا كان هذا هو الحال، فعلى الإدارة الأمريكية أن تعترف بذلك، وأن تشرح أن مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” تمتلكان كافة المعلومات وإمكانيات الوصول التي تحتاجانها حول هذه القضايا وغيرها. وشكلت الشفافية إحدى أهم الحجج التي قدمت لمصلحة “خطة العمل المشتركة الشاملة”، مع تأكيد الإدارة على كيفية توفير الاتفاق للنظام الأكثر تدخلاً في التاريخ الهادف إلى التحقق من ضبط الأسلحة النووية. وإذا كان ذلك لا يزال صحيحاً، لا يوجد سبب لإخفائه الآن. وبغض النظر عن حقيقة أن الإيرانيين لم يظهروا أي اهتمام بالحساسيات الأمريكية، فمن غير المرجح أن يقنعهم الاهتمام الأمريكي المفرط بحساسياتهم بأنهم سيدفعون ثمن تجاوزاتهم غالياً.
توصيات سياسية
في هذه المرحلة، من المرجح ألا تغير إدارة أوباما النهج الذي تتبعه في التعامل مع القضية النووية الإيرانية، لأنها تعتقد أن سياساتها فعالة، ويبدو أنها تخشى أي عمل من شأنه أن يستفز المتشددين لئلا يمضوا في تقويض البراغماتيين. إلا أن المشكلة تكمن في أن “خطة العمل المشتركة الشاملة” قد حدّت من البرنامج النووي بشكل مؤقت من دون أن تفرض على إيران التخلي عن خيار الأسلحة النووية، لأن طهران حافظت على حق التخصيب في وقت لاحق وعلى البنية التحتية الضرورية. وبالتالي، سيتعين على الإدارة المقبلة القيام بما يزيد عن مجرد التأكيد على تأدية واجباتها تجاه “خطة العمل المشتركة الشاملة”، إذا قامت طهران بذلك – كما عليها أيضاً تعزيز الردع للحد من أي إغراء قد يضطر إيران إلى وضع العالم أمام أمر واقع نووي.
ومع أخذ ذلك بعين الاعتبار، يتعين على الإدارة المقبلة أن تشدد على السياسة الأمريكية المعلنة لكي تفهم إيران ما هي عواقب خرقها للإلتزام بعدم السعي لصنع الأسلحة النووية أو حيازتها أو تطويرها. وبالفعل، من الضروري أن تعتاد طهران والمجتمع الدولي على حقيقة أن السعي لامتلاك أي سلاح عبر خرق “خطة العمل المشتركة الشاملة” سيؤدي إلى استعمال القوة ولن يقتصر الأمر على العقوبات، ونظراً إلى حجم البنية التحتية الإيرانية وطابعها، فقد تكون هذه هي الوسيلة الوحيدة التي ستردع إيران عن الانكباب إلى تصنيع أي سلاح طوال عشر سنوات إلى خمس عشرة سنة من موعد التوقيع على الاتفاق.
ويتعين على المسؤولين الأمريكيين أن يسعوا جاهدين للتأكد من أن قناة المشتريات تعمل على النحو المقدّر لها، وإلا فلن يتمكنوا من مراقبة النشاطات الإيرانية التي قد تزيد من قدرة إيران على امتلاك الأسلحة. وإذا استمرت طهران في مقاومتها لما يتطلب منها القيام به، فعلى واشنطن أن تفرض ثمناً محدداً لمثل هذه التصرفات. ويجب أن يكون الشرط الأساسي للامتثال “إما الوفاء بالإلتزامات أو مواجهة العقاب“.
وأخيراً، في الوقت الذي تناولت فيه “خطة العمل المشتركة الشاملة” المسألة النووية فقط، فستكون الجهود المبذولة لتعزيز الردع ذات مصداقية أكبر إذا رفعت الولايات المتحدة أيضاً الثمن الذي ستدفعه إيران مقابل سلوكها التهديدي والمزعزع للاستقرار في المنطقة، والذي بالكاد قد تغيّر منذ التوقيع على الاتفاقية. وفي هذه الحالة، يجب على واشنطن أن تعتمد المنطق نفسه الذي أودى بالإيرانيين إلى طاولة المفاوضات بشأن المسألة النووية: أي عليها أن ترفع الثمن الذي سيدفعه الإيرانيون إن لم يغيّروا تصرفاتهم، وأن تترك لهم منفذاً ما. وهذا يعني التصدي للأعمال التي تقوم بها إيران في ما يتعلق بسوريا والعراق واليمن والجماعات الإرهابية الفلسطينية. ويمكن أن تحظى إيران بمكانة في النظام الأمني الإقليمي، إلا إذا شكّلت مصدر تهديد لجيرانها وسعت إلى الهيمنة. إن الثمن الباهظ الذي دفعته إيران نتيجة للعقوبات هو الذي أدى إلى إحداث شكل من أشكال التغيير في السياسة الإيرانية من خلال انتخاب روحاني. فإذا كانت واشنطن ترغب في تعزيز الردع ودعم فريق روحاني، فعلى واشنطن أن تجعل إيران تدفع ثمناً باهظاً لقاء السياسات المغامرة، التي ينتهجها «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» و «قوة القدس» النخبوية التابعة له.
ولم يفت الأوان بعد على إيفاء “خطة العمل المشتركة الشاملة” بالوعود التي قطعتها إدارة أوباما بشأنها. إلا أنه سيتعين على الإدارة المقبلة تعزيز الردع إذا كانت تريد أن تثبت أن الانتقادات التي طالت الاتفاقية كانت على خطأ.
– دينيس روس مستشار وزميل “وليام ديفيدسون” المميز في معهد واشنطن، شغل منصب كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط في الفترة 2009-2011 وهو مقرب من اللوبي الصهيوني الإيباك عرف بانحيازه لإسرائيل خلال عمله الدبلوماسي في المنطقة.