هذه اولوية حزب الله ابراهيم ناصرالدين
وصول وزير الخارجية الفرنسية جان مارك ايرلوت الى بيروت عشية الجلسة 42 لانتخاب رئيس للجمهورية، لن يحمل جديدا في الملف الرئاسي، خلاصة باتت يقينا عند مختلف المسؤولين اللبنانيين الذين تبلغوا مسبقا عدم الرهان على الدبلوماسية الفرنسية العاجزة عن «اجتراح» الحلول لازمة لم تنجح حتى في لعب دور «الوسيط» فيها، ستنتهي الزيارة كما لو انها لم تحصل، الموعد مقرر منذ فترة، اولوية الغرب والفرنسيين تبقى «راحة» اللاجئين السوريين في لبنان، كي لا يعبروا البحر الى اوروبا، واذا كان جزء من المسؤولين اللبنانيين مهتماً بتمرير الوقت باقل الاضرار الامنية والسياسية الممكنة بانتظار الحلول الاقليمية والدولية، فان لرئيس تيار المستقبل سعد الحريري «هماً» سعودياً وحيداً يشغل باله بعيدا عن النقاشات الجادة حول قانون الانتخابات والاستحقاق الرئاسي، فيما ينشغل حزب الله في مواكبة التحولات «الحلبية» التي يشارك فيها بفعالية، لمنع ارتداداتها على الساحة اللبنانية…
اوساط 8آذار تتحدث عن ضرورة استمرار «اليقظة» الامنية على حالها، فالنجاح في منع حصول اختراقات امنية كبرى في شهر رمضان وعيد الفطر لا تعني ان المخاطر قد تقلصت، وفي هذا الاطار يقوم حزب الله في هذه المرحلة بتعزيز التعاون الامني مع الاجهزة الرسمية الامنية وخصوصا استخبارات الجيش لمتابعة تفكيك الخلايا الارهابية النائمة والتي تلقت على ما يبدو تعليمات واضحة من القيادة المركزية «الداعشية» في الرقة بتوسيع نطاق عملياتها الامنية خارج حدود «دولة الخلافة» بعد «نكساتها» العراقية والسورية، ولا تقتصر عمليات المتابعة الامنية على المجموعات التابعة لهذا التنظيم، بل جرى توسيع نطاق الملاحقات الامنية لتشمل الشبكات المحسوبة على «جبهة النصرة» بعد ان انطلقت رسميا وعمليا معركة حلب الكبرى مع ما تحمله من انقلاب متوقع في المشهد الاستراتيجي في المواجهة في سوريا والمنطقة.
وفي هذا السياق، تحذر تلك الاوساط من خطورة المرحلة المقبلة لان قرار الحسم في مدينة حلب يتجاوز الواقع الميداني على الجبهات السورية، فواشنطن تشعر بـ «خيانة» موسكو، وتركيا «غاضبة» جدا، والسعودية وقطر تشعران بأن كل ما وضع من استثمارات مالية ورهانات سياسية وعسكرية يذهب الان «ادراج الرياح»، بعد ان قرر محور المقاومة بالشراكة مع روسيا « قلب الطاولة» السورية على الجميع. هذا يعني تغيير معادلة «لا غالب ولا مغلوب» التي حاولت واشنطن فرضها لتمرير الوقت المستقطع بين «ادارتين». هذا الفريق يرى في الامر تجاوزا «للخطوط الحمراء»، ما يعطيه الذريعة لتجاوز هذه «الخطوط»، وهذا ما يرفع من المخاطر الامنية الداخلية لان « جبهة النصرة» تحظى برعاية استخباراتية غربية واقليمية، تؤمن لها قاعدة «لوجستية» غير متوفرة لـ«داعش»، وهذا ما يجعلها اكثر خطورة وهذا يتطلب توسيع دائرة الملاحقات الامنية لتشمل مناطق تشكل «بيئة حاضنة» لـ «جبهة النصرة» خصوصا في الشمال وفي اوساط المجموعات الفلسطينية المحسوبة على التيار «الاسلامي»، وهذا ما يفسر ارتفاع منسوب التنسيق مع القوى الفسطينية في المخيمات وخصوصا في مخيم عين الحلوة.
وفي هذا الاطار، من المرجح ان تشهد المرحلة المقبلة تكثيفا للعمليات النوعية في جرود عرسال، ورأس بعلبك، والقاع، ولن تكون عملية اغتيال مسؤول العمليات العسكرية لمنطقة جرود القاع في تنظيم داعش ابو خطاب مع عدد من مرافقيه، نهاية المطاف. ثمة قرار بالقيام بعمليات استباقية لاجهاض اي تحرك تنوي تلك المجموعات القيام به بقرار اقليمي ودولي لارباك حزب الله، وحسب المعلومات فان «بنك الاهداف» حافل باسماء عدد من المسؤولين الميدانيين الموجودين تحت المراقبة بانتظار ان تحين الفرصة المناسبة لتنفيذ «القصاص العادل». اما قرار استكمال «تنظيف الجرود» فيبقى معلقا بانتظار حصول تحول سياسي داخلي لدى فريق 14آذار عموما، وتيار المستقبل بشكل خاص، وهذا الامر غير متوفر راهنا لان الموقف السعودي واضح لجهة عدم السماح باي عمل عسكري يؤدي الى اراحة حزب الله، لكن هذا لا يعني ان ثمة ضمانات بان تبقى هذه الجبهة «باردة»، لان اي تطور امني او عسكري ترى فيه المقاومة تهديدا للانجازات الكبرى المحققة على الحدود اللبنانية – السورية، سيعني سقوطا لكل خطوط «الوهم» المرسومة في تلك المنطقة.
اما على المستوى السياسي فلا تحولات جدية من «البوابة» النفطية، وبحسب تلك الاوساط، من غير المتوقع ان يؤدي الاتفاق بين الرئيس نبيه بري والوزير جبران باسيل على ملف النفط الى فتح باب التفاهم الرئاسي لانتخاب العماد ميشال عون، واذا كان اللقاء الاخير بين «الاستاذ» و«الجنرال» قد ازال بعض الجليد المتراكم بين الرجلين، الا ان «الكيمياء» المفقودة بينهما لم تستعد الى الدرجة التي تؤهل دعم عون رئاسيا، ففتح «كوة» في «حائط» الاستحقاق الرئاسي يحتاج الى اكثر من «زيارة»، وما يروج له انصار «الجنرال» حول قرب الاتفاق على الرئاسة في اب المقبل، وعن نجاح «سلة» الرئيس بري، لا تزال مجرد توقعات وهي دون اسس متينة او معطيات داخلية واقليمية تسمح بالقول بان الانفراج قريب.
هذه الخلاصة توصل اليها رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي خرج بهذا الانطباع بعد جولته الاخيرة التي شملت النائب وليد جنبلاط والرئيس سعد الحريري، واستنتج من لقائه مع «البيك» انه غير منغلق على اي نقاش يؤدي في نهاية المطاف الى انتخاب رئيس حتى لو كان الجنرال عون، لكنه كان صريحا بالقول بانه لن يكون «العقبة»، لكنه لا يدعي ان «مفتاح الحل «بين يديه»، لن يبادر بل سيكون خلف الرئيسين بري والحريري، فاذا ما حصل التفاهم لن يكون من المعرقلين، بل سيبارك الامر، لكنه ليس مؤهلا في هذه المرحلة لقيادة «التغيير».
في المقابل فهم «الحكيم» من الرئيس الحريري انه لا يملك معطيات اقليمية جدية تشير الى احتمال حصول توافق ايراني- سعودي على ملف الرئاسة، وهو الان ليس في موقع يؤهله لتسويق اي مبادرة في المملكة، العلاقة مع القيادة الجديدة مشوبة بالحذر، «وعودة المياه الى مجاريها» مع المسؤولين السعوديين «تمشي» ببطء شديد، ولذلك لن يخاطر بطرح افكار قد تفهم على نحو خاطىء، فالملف الرئاسي اللبناني جزء من ملف تفاوضي كبير بين الرياض وطهران، ولا يريد الحريري ان يظن احد في المملكة ان ثمة من يضغط عليهم لتقديم تنازلات في الملف اللبناني لاهداف شخصية تتعلق بالعودة الى رئاسة الحكومة. وادرك «الحكيم» انه اذا لم تات المبادرة من السعودية لن يبادر الرئيس الحريري في فتح النقاش حول الملف الرئاسي.
ولا يتوقف الامر عند هذه النقطة، فـ «سلة» الرئيس بري ذهبت ايضا «ضحية» موقف الرئيس الحريري الضعيف سعوديا، فتمسك الاخير بعدم خوض النقاش حول اي ملف غير الانتخابات الرئاسية، رغم ادراكه بصعوبة انجاز الاستحقاق، يصب في خانة عدم «اغضاب» السعودية التي ترى في هذا الطرح محاولة من البعض لتعديل اتفاق الطائف وصولا لنسفه، ولهذا يصر تيار المستقبل في «ادبياته»على رفض اي نقاش قد يؤدي الى «دوحة» جديدة، وهذا يعني ان المراوحة القائمة في البلاد باقية على حالها ريثما تتقدم العلاقة بين المملكة والرئيس الحريري الذي يسعى قبل اي شيء آخر الى استعادة « حصرية» تمثيل المملكة سنيا في لبنان، بعد تبني القيادة السعودية لاستراتيجية اضعاف الحريري عبر ادخال شركاء «مضاربين» الى «ساحته». لذلك لا مصلحة له في حل قد لا يكون مرضيا، في وقت لا تبدو فيه المملكة اصلا مستعدة للوصول الى اي تفاهم يرضي طهران ويعطيها تقدماً «بالنقاط»على الساحة اللبنانية. في الخلاصة باب المفاجئات الامنية يبقى مفتوحا على مصراعيه بينما تنتفي احتمالات حصول اي مفاجئة سياسية تعزز الاستقرار في البلاد.
(الديار)