إسرائيل تسقط إذا خسرت مرّتين متتاليتين مع «حزب الله» الياس حنا
يقول كلوزفيتز إن الحرب تُخاض لأهداف سياسيّة، وهي امتداد لها. لكن ليس بالضرورة إن تتحقّق هذه الأهداف، وهنا يقع العبء على السلطة السياسيّة التي عليها ان تُبرّر سبب الفشل وأن تدفع ثمنه.
مَن ربح حرب تمّوز 2006؟
يقول الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصرالله، إن النصر كان إلهيّاً. تردّ اسرائيل بأنها خلقت منظومة ردع جديدة مع الحزب، لذلك الحدود مع لبنان مستقرّة وهادئة منذ حرب تموّز. بكلام آخر خلقت إسرائيل منطقة عازلة دوليّة شرعيّة عبر القرار 1701.
لكن الأكيد أن نتائج حرب تمّوز غيّرت وجه المنطقة، كما غيّرت معادلات القوّة، وأظهرت ان للقوّة حدوداً، كما أشّرت الى نوع جديد من الحروب لا تنفع فيها الاستراتيجيّات التقليديّة، الأمر الذي يحتّم الابتكار. فالحرب كانت بين دولة، وتنظيم من خارج إطار الدولة.
فلنتخيّل شكل النظام الإقليميّ وموازين القوى فيه، فيما لو دُمّر «حزب الله» قبل عقد من الزمن؟
لذلك، يصُحّ القول: «خسرت إسرائيل لانها لم تربح، وربح حزب الله لأنه لم يخسر». فقط لأن على اسرائيل قياس النجاح لتبرير الحرب سياسيّاً، أما الحزب فالهدف الأقصى له هو الاستمراريّة ـ Survival.
في العقل الأمني الإسرائيليّ!
لكل ثقافته الاستراتيجيّة الخاصة به. فهي تتكوّن وتتراكم عبر التاريخ. هي نتاج تجربة التعامل مع الحرب والسلم. ايضاً للجغرافيا، الطوبوغرافيا كما الديموغرافيا ادوار مهمّة في تكوّن هذه الثقافة.
وعليه، حّدد الأب المؤسّس للكيان الاسرائيلي ديفيد بن غوريون بنود استراتيجيّة الامن القوميّ الكبرى على الشكل التالي:
& أهميّة الإنذار المُبكّر بهدف الاستعداد.
& حتميّة الحسم السريع وعدم إطالة الحرب.
& خوض الحرب على أرض العدوّ.
& تدمير العدوّ بشكل لا يستطيع التعويض لفترة طويلة.
& أهميّة أن يكون لإسرائيل حليف مهم من القوى العظمى.
وعلى اساس هذه الاستراتيجيّة الكبرى، تعتمد اسرائيل المقاربة الاستراتيجيّة العسكريّة التالية:
& الدفاع الاستراتيجيّ والهجوم التكتيّ. هي تدافع على المسرح الكبير في الشرق الأوسط، لكنها تُهاجم في محيطها المُباشر.
& اعتماد مبدأ الوقائيّة استراتيجيّاً، والاستباقيّة على المستوى التكتيّ. الاستباقيّ في خدمة الوقائيّ.
& بعكس المفاهيم المُتداولة على ان الردع هو لمنع الحرب، وسقوطه يعني الحرب، تستخدم اسرائيل الحرب لتدعيم الردع. لذلك تستعمل القوّة العسكريّة في حالات ثلاث، هي:
÷ في حرب شاملة.
÷ في الحالات الطارئة.
÷ في الحرب الروتينيّة ـ لذلك تخوض معركة أو معارك بين حربين كبيرتين (1993، 1996).
في العقل الأمنيّ لدى «حزب الله»
لـ «حزب الله» ايضاً ثقافته الاستراتيجيّة، وهي معروفة ومدروسة من قبل إسرائيل، خصوصاً بعد حرب تمّوز 2006.
وبسبب الخلل الكبير في ميزان القوى بين «حزب الله» وإسرائيل، فهو يعتمد الاستراتيجيّة اللاتماثليّة وبامتياز ـ Asymmetric ـ قصّة روميو وجوليات مع الاختلاف الآن في الأدوار.
ولكي تكون الحرب تماثليّة في طبيعتها وروحها، على «حزب الله» التركيز على أهمّ نقاط الضعف لدى إسرائيل. والمهمّ في هذه المقاربة، هو اختيار نقاط ضعف، لا يمكن لإسرائيل الهروب منها أو التعويض، إذا عليها أن تكون نقاط الهشاشة الدائمة عند إسرائيل.
في حرب تموّز 2006، ركّز الحزب على هذه النقاط، اي الداخل الإسرائيلي، والعنصر البشري من خلال إطالة أمد الحرب، وعدم السماح لإسرائيل بالقدرة على التعويض لمدّة 33 يوماً.
بكلام آخر، ضرب «حزب الله» كلّ أسس استراتيجيّة الأمن القومي التي وضعها بن غوريون، لذلك أضاف الجيش الإسرائيلي مؤخّراً مفهوم الدفاع على الاستراتيجيّة الجديدة التي نشرها علناً للمرة الأولى في تاريخ الكيان.
سأل مرّة موشي دايان ديفيد بن غوريون: «متى تسقط إسرائيل»، فأجابه «عندما تخسر أوّل حرب».
وهنا قد يمكن إضافة مقولة جديدة، حول سقوط إسرائيل فنقول: «قد تسقط إسرائيل عندما لا تستطيع ربح الحرب ضد العدو نفسه، ولمرّتين متتاليتين».
إذا على إسرائيل أن تكون متأكّدة من ربح حربها المستقبليّة مع «حزب الله»، إذا وقعت. لكن الحرب «مثل الحرباء» حسب كلوزفيتز. ومَن يبدأها، ليس بالضرورة أن يكون قادراً على إنهائها. فهي تتمتّع بديناميّة خاصة بها، لا قواعد لها، ولا معادلات معروفة.
ولأن للحرب ظروفها السياسيّة وبيئتها الجيو ـ سياسيّة، فإن لحرب تمّوز 2006 خصوصيتّها، التي لم تعُدْ متوافرة الآن، فماذا عن الفوارق؟
& في حرب تموز، كان الأميركيّ لا يزال في العراق عسكريّاً، وكان مشروعه الشرق الأوسط الجديد.
& لم يكن الأميركيّ مع القوى الكبرى الأخرى قد توصّل إلى اتفاق نوويّ مع إيران الراعية الرسميّة لـ «حزب الله».
& لم يكن ما يُسمّى بـ «الربيع العربيّ» قد حلّ علينا، لسوء الحظ.
& لم يكن النظام الإقليميّ قد سقط.
& لم تكن الدول العربيّة قد سقطت (سوريا، اليمن، ليبيا، تونس وحتى العراق برغم أنه كان تحت الاحتلال الأميركي)، وبالتاليّ لم يكن الجيش السوري على الأقلّ قد تحوّل جذريّاً في مهامه.
& لم يكن لبنان وسوريا يشكّلان مسرحاً واحداً كما هو اليوم، أي الحرب ستكون على جبهتين، او ثلاث في حال دخلت «حماس» فيها.
& لم يكن لدى الحزب أكثر من 100000 صاروخ كما اليوم.
& لم تكن إيران متورّطة في سوريا كما هي اليوم.
& لم يكن باراك اوباما رئيساً ـ اليوم في آخر عهده ـ مع عقيدة ترتكز على الخروج الفعليّ من المنطقة وعلى اعتماد مبدأ موازين القوى في المنطقة ـ أصبحت إسرائيل أولى بين متساوين.
& لم يكن تنظيم «داعش» قد أعلن الخلافة، عبر احتلاله قسمين كبيرين من العراق وسوريا.
& لم تتظهّر وتُعمّم نوعيّة جديدة من الحروب المُختلطة بين التقليديّ وحرب المُدن ـ الحرب الهجينة، Hybrid ـ حيث من المستحيل قياس النصر والنجاح.
& لم يكن «حزب الله» قد تمرّس عسكريّاً وقاتل الى جانب قوات ثاني أكبر دولة عظمى في العالم ـ روسيا. تخاف إسرائيل من هذا الأمر، وترتاح له لأن «حزب الله» منشغل في جبهات بعيدة عنها.
& وأخيراً وليس آخراً، لم تكن روسيا متواجدة عسكريّاً وبقوّة على المسرح السوريّ الأمر الذي من المفُترض أن يُغيّر كل المعادلات والحسابات لكلّ قوى المنطقة، وبالتحديد إسرائيل.
خاتمة
هل ستقع الحرب؟ هل تستفيد إسرائيل من الوضع الحالي لـ «حزب الله» وللمنطقة وخصوصاً سوريا؟
بالطبع هناك إفادة على المدى القريب، وقلق على المدى البعيد. كلّ الحسابات تتعلّق بنوعيّة الحل العسكريّ والسياسي في سوريا، كما بالدور المُرتقب لإيران في المنطقة، وخصوصاً في سوريا.
بعقل بارد، يُمكن القول إن «حزب الله» لا يريد الحرب مع اسرائيل الآن، حتى ولو كان يستعدّ لها على أساس أنها حاصلة غداً. يصحّ هذا الأمر على اسرائيل ايضاً. لكن الأكيد أن العقبة الكبرى امام اسرائيل تتمثّل بالوجود الروسيّ في سوريا.
لكن مَن يدري، فكم من حروب وقعت من خلال حسابات خاطئة؟
(السفير)