المطلوب من أردوغان قبل فوات الأوان حميدي العبدالله
تدفع تركيا اليوم ثمن تخلي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية عن الشعارات والسياسات التي أوصلتهما إلى سدة الحكم في تركيا. فمن المعروف أنّ الشعارات والسياسات التي جذبت التأييد الشعبي والسياسي لحزب العدالة والتنمية ومكّنته من الوصول إلى السلطة، كانت تشدّد على المصالحة مع الأكراد وعدم الاستمرار في المواجهة العسكرية والاستجابة لمطالبهم المشروعة، وكانت أيضاً تركز على ضرورة تحسين علاقات تركيا مع دول الجوار بعد أن ورثت سلسلة من المشاكل والعداوات على خلفية فترة الحكم العثماني، والاتجاه شرقاً وعدم تغليب مصالح الدول الغربية على مصالح دول جوار تركيا.
بديهي أنّ هذه السياسات التي جرى الالتزام بها حتى عام 2010 قادت إلى وقف الحرب بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني، وأدّت إلى تحسّن العلاقات مع دول جوار تركيا، وتحديداً سورية والعراق، وساعد كلّ ذلك على حصول تنمية اقتصادية رفعت معدّل النمو إلى حوالي 7 سنوياً، وساهم ذلك في أن تحتلّ تركيا مرتبة الدولة 17 من حيث إجمالي ناتجها الوطني. لكن حزب العدالة والتنمية، وتحت تأثير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تخلى عن هذه السياسات، وعاد من جديد إلى السياسات القديمة التي أنهكت تركيا في صراعات داخلية مع الأكراد ومع أطراف أخرى من المعارضة، وتأجيج العداوات مع دول جوار تركيا من جديد. وكان لعودة هذه السياسات آثار مدمّرة على تركيا لدرجة أنّ أحد مراكز الأبحاث الأميركية، وهو بالمناسبة مؤيد لسياسات حزب العدالة والتنمية، قدّر في بحث صدر عنه حديثاً، أنّ كلفة عام من المواجهة بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي كبدت تركيا خسائر بالأرواح وخسائر مادية توازي كلّ ما تكبّدته تركيا منذ عام 1984 في مواجهة الأكراد.
من الواضح اليوم بعد تزايد الهجمات الإرهابية، ولا سيما تلك التي تستهدف القطاع السياحي، إضافة إلى الحرب مع الأكراد، والعلاقات المتدهورة بين تركيا وجيرانها، وعلى رأسهم سورية والعراق وإيران وروسيا، بفعل سياسات حزب العدالة والتنمية، وانقلاب الإرهابيين ولا سيما تنظيم داعش ضدّ الحكومة التركية، أن وضع تركيا بات خطيراً للغاية ويستوجب إعادة نظر جذرية في السياسة التركية الحالية، فهل يفعلها الرئيس رجب طيب أردوغان مرة أخرى؟
(البناء)