فضيحة العنصرية اللبنانية
غالب قنديل
كثيرة هي مظاهر التوحش والتصحر الثقافي في لبنان بعدما باتت السياسة تعبيرا عن ولاءات بدائية وعصبيات تنتمي لأشد العهود رجعية وتخلفا في التاريخ البشري وخلف أقنعة النفاق الاستهلاكي والمسايرات الكاذبة والمتقنة بجميع لغات الكون يخفي اللبنانيون جلافة بدائية لا علاقة لها بالقيم الإنسانية التي يزعمون انتماءهم إليها وتبشيرهم بها ولاصلة لها بتشوف لبناني تقليدي على المحيط الذي ينسبون إليه بإدعاء مفرط مراوحته في البداوة والجهل والتخلف وبالطبع ففي رصيد الاحتراب اللبناني ميراث كبير من المذابح والبطش والتمثيل والاقتلاع وتحقير الكرامة الإنسانية.
من خططوا لاستيلاد داعش وجبهة النصرة وقبلها القاعدة استلهموا التوحش اللبناني وبربرية تناسل الحقد والعنف الأعمى في التجربة اللبنانية التي اجتمعت على التدخل فيها اطراف الحلف الدموي الاستعماري الصهيوني الرجعي نفسه الذي يسعى لتدمير سورية.
كل شيء قابل للتوظيف في التجارة والكسب الراهن والمتوافر وأحيانا يتصرف الساسة اللبنانيون بشبق النشالين لاصطياد أي فرصة مهما كان حجمها ومردودها إنه إرث فينيقي قديم يسكن اللاوعي اللبناني ويجسده بقوة رهط من الساسة البعيدين مسافات ضوئية ساحقة عن أي قيم أخلاقية فقد تخطوا مآثر مكيافيللي في تطبيقات قاعدة ” الغاية تبرر الوسيلة ” وفي تاريخهم انقلابات وتحولات من الغرام والانتقام على انغام المصالح والتحولات وبالأصوات نفسها سمع اللبنانيون تسويقا للعمالة للعدو الصهيوني وترويجا للعلاقة بالغرب وتفاخرا بالتبعية العمياء لسفارات فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وبالأصوات ذاتها سمعوا خطبا عن القومية والعروبة والشقيقة مصر او الشقيقة سورية وعراق صدام حسين وليبيا معمر القذافي وقد لعق الزعماء الخالدون ونخب الصحافة والإعلام أحذية كثيرة وتمسحوا بها طالما سيولة المال والنفوذ جارية ثم ارتدوا كواسر يكشرون عن أنيابهم ويطعنون اولياء نعمتهم في أزمنة الانقلابات الكبرى هي نفسها الزعامات الطائفية والمذهبية المخلدة التي يرتبط بها جمهورها بعصبيات ينتجها النظام السياسي والانتخابي المتعفن الذي يراد تأبيده منذ الاستقلال بأي ثمن.
قلة من القوى والزعامات اللبنانية تقع خارج هذا النادي المتهتك والتافه تعتصم بأخلاقيات واضحة وبمباديء وقيم إنسانية تحتكم إليها وتستحق الاحترام على تمسكها بها وهي في طاولة الحوار وداخل مجلس الوزراء تعامل كالأيتام على موائد اللئام وتتحصن بنبل القضايا الوطنية.
ما من مثل للانحطاط العنصري اللبناني أقوى واوضح من التعامل مع النازحين السوريين الذين كانوا بداية مادة للتسول والنهب أقيمت تحت يافطات التفجع عليها جمعيات وهيئات يمكسها بعض زعماء 14 آذار وترتبط بهيئات المساعدة السعودية والخليجية والتركية وبالصناديق الأوروبية والأممية في أبشع دوامة لصوصية راكمت منها الزوجات والأتباع ملايين الدولارات وفي تقديرات الخبراء فإن لعبة التقاسم القذرة امتصت اكثرمن ثلاثة أرباع رصيد المساعدات الأممية والأوروبية والخليجية التي بالكاد بلغ فتات ربعها الباقي العائلات السورية التي وفدت إلى لبنان هربا من جحيم التوحش الإرهابي والتكفيري وفي هذا السجل فضائح تجارة بالبشر يندى لها الجبين.
المتفجعون انفسهم قاموا بتحويل تجمعات النازحين في احضانهم إلى بؤر تجنيد للإرهابيين ولجماعاتهم ويعرف اللبنانيون واقعيا من حمى ومن رعى قواعد الجرود والبقاع والشمال تحت يافطة الثورة المزعومة ومن اوصل إليها السلاح والمال من القوى السياسية اللبنانية ومن باع بواسطة السماسرة إلى جماعات الإرهاب مخازن الصواريخ ومن أفرغ بواخر السلاح ونقلها إلى الداخل السوري ومن بشر بالتفاهم مع الأخوان والتكفيريين في سورية بنداء “فليحكم الأخوان” ومن فاوض جبهة النصرة تحت رعاية قطر ومن واجهوا بحقد عنصري جموع السوريين الذين زحفوا إلى سفارة بلادهم لانتخاب رئيسهم فصاحوا منادين بطردهم من لبنان وهم انفسهم تسولوا باسمهم وسرقوا خبزهم.
أي عاقل يفترض تسلل إرهابيين وسعيهم لتنظيم الخلايا في جموع النازحين واحتماءهم داخل مخيمات النزوح كما داخل المخيمات الفلسطينية مستثمرين المآسي الاجتماعية وتورط أبناء بعض العائلات السورية النازحة في حمل السلاح مع العصابات الإرهابية لكن أي عاقل يعرف أيضا ان التعامل الإنساني والواقعي يفسح المجال لسلوك لبناني يجعل مئات آلاف السوريين في لبنان رصيدا فعليا لمطاردة الإرهاب فتلك هي النار نفسها التي هربوا من جحيمها وشبكات القتل والتفجير عابرة للحدود والجنسيات وهو ما تعرفه الجهات الأمنية اللبنانية التي تواطأ بعضها بالإمرة الأميركية السعودية بحماية فلول قاعدية تمثل خليطا لجنسيات عربية وأجنبية أقامت له الحماية في لبنان ولا تزال بعض الجماعات متواجدة وفيها العديد من اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين والعراقيين والسعوديين والخليجيين وسواهم فما ينطبق على تجمعات النازحين والمخيمات الفلسطينية ينطبق على كل حي لبناني اوبلدة لبنانية حيث تتواجد الجماعات المتطرفة الحاضنة لعقائد التكفير.
الحملة الإعلامية التي استهدفت النازحين السوريين بعد تفجيرات القاع تدلل على ذلك التوحش اللبناني العنصري وهي ليست بريئة بل هي بكل صراحة خدمة مدفوعة الأجر لعصابات التكفير والإرهاب تتوسل بإثارة الأحقاد دفع أكبر عدد ممكن من النازحين إلى حضن عصابات داعش وجبهة النصرة وتفرعاتها بعد شح موارد الإرهاب البشرية داخل سورية وانقلاب الناس عليها لما اكتشفوه في مناطق سيطرتها من توحشها ولصوصيتها وإجرامها وحيث تطمح جماعات الإرهاب والحكومات الراعية لها لتعويض ما لحقها من خسائر تنعكس على قدرتها القتالية في الميدان السوري من خزان النزوح في لبنان.
مصلحة لبنان وامن اللبنانيين هي في استمالة النازحين واحتضانهم لعزل العناصر الإرهابية عبرالتعاون مع الجيش اللبناني في مطاردتهم ولقطع الطريق على خططهم الدموية التي تستهدف لبنان بأسره كما برهنت التجربة التي فرضت على جهابذة كبار ان ينقلبوا على مواقفهم في غضون ساعات قليلة بلا حياء او خجل وهي فضيحة كبرى تنم عن واقع غياب الحكمة التي يدعيها زعماء فارغون إلا من المنفعة والتبعية وبدائية الأحقاد والانفعالات التي يجرجرون بها خلفهم جمهورا تعميه العصبيات.