لاسرائيل وتركيا مصالح اقليمية مشتركة : تسفي برئيل
توجد أهمية استراتيجية عليا للعلاقة الوثيقة بين اسرائيل وتركيا. فخلافا للماضي لم تعد تركيا بحاجة الى اسرائيل على اعتبار أنها جسر للغرب، ومكانة اسرائيل المضعضعة في اوروبا والى درجة كبيرة في الولايات المتحدة، لا تستطيع منحها الاهمية التي كانت لها في هذا المجال في السابق.
لكن تركيا مثل اسرائيل تبحث عن اصدقاء جدد في المنطقة بعد الانكسار العميق الذي حل بها. توجد للدولتين مصالح مشتركة، اضافة الى التجارة المتبادلة بالغاز. فالدولتان مهددتان من الحرب في سوريا، وهما تهتمان جدا بمستقبلها، وهما قريبتان بقدر معين من الخطر من مواقع داعش. وما زال مبكرا الحديث عن تعاون عسكري بين الدولتين، لكن التنسيق السياسي والاستراتيجي أمر ممكن بالتأكيد – وفي المدى القريب.
جاء اتفاق المصالحة بين اسرائيل وتركيا متأخرا ست سنوات. وقد كان يمكن أن تتم المصالحة بعد بضعة أيام من الحادثة التراجيدية التي قتل فيها الجيش الاسرائيلي تسعة مواطنين أتراك على سفينة “مرمرة”. في نافذة الزمن القصيرة، بعد الصدام مباشرة، طلبت تركيا فقط الاعتذار ودفع التعويضات. ورفع الحصار عن قطاع غزة لم يكن شرطا أساسيا حيث بسببه تأجل الاتفاق ست سنوات. اسرائيل وافقت على دفع التعويضات وفيما بعد وبوساطة الرئيس براك اوباما قام نتنياهو بالاعتذار. لقد كانت هذه فرصة لرفع الحصار عن غزة والتوصل الى ما تم التوصل اليه في الاتفاق الحالي على الأقل، لأن انشاء محطة لتوليد الكهرباء واقامة مستشفى وموقع لتحلية المياه، وايضا تقديم المساعدات عن طريق ميناء أسدود، كل ذلك لا يعني رفع الحصار ولا يعطي حرية الحركة بين غزة والضفة الغربية أو الى الاردن، ولم تكن اسرائيل ستظهر كمن تنازلت. من الصحيح القول إن تركيا تنازلت في هذا الموضوع، وتنازلت عن طلب رفع الحصار بشكل كامل. لكن التنازل التركي ليس انجازا اسرائيليا. ما زالت تركيا تبدو وكأنها تهتم بمصير مليون و800 ألف فلسطيني في قطاع غزة يوجدون تحت مسؤولية اسرائيل. واسرائيل تبدو وكأنها تمنح الشرعية للعلاقة بين تركيا وحماس في القطاع.
البند الذي يقول إن تركيا لن تسمح لحماس بالقيام بأي نشاط عسكري على اراضيها، ما زال يترك لحماس امكانية بقاء تمثيل لها في تركيا وادارة العلاقات السياسية مع الدول والمنظمات الاخرى، لا سيما من اجل تجنيد الاموال التي تحصل عليها حماس. من المشكوك فيه أن تنجح تركيا في اقناع حماس بادارة مفاوضات من خلالها لاعادة الجنود المفقودين. لأنه قبل الاتفاق تم الطلب من تركيا الحصول على معلومات من ممثلي ولكن بدون جدوى. وستستمر حماس في رؤية موضوع المفقودين ورقة مساومة مع اسرائيل وليس هدية تُمنح لتركيا مقابل التوقيع على اتفاق المصالحة مع اسرائيل، خصوصا أن اعادة المفقودين، حسب منطق اسرائيل ايضا، ليس شرطا من شروط الاتفاق، حتى لا يبدو وكأن اسرائيل تقوم بالتفاوض مع حماس. هذا موقف اسرائيلي غريب ومستهجن حيث أنه يمكن القول وبمستوى عال من اليقين إنه اذا اقترحت حماس مفاوضات كهذه، مباشرة أو غير مباشرة، فان اسرائيل ستوافق.
لكن من الخطأ قياس ميزان الربح والخسارة للاتفاق من خلال عيون حماس أو حسب المعيار المالي، نحو 80 مليون شيكل تقوم اسرائيل بدفعها لصندوق خاص كتعويض لعائلات القتلى. توجد أهمية استراتيجية عليا للعلاقة الوثيقة بين اسرائيل وتركيا. وفي مقابل الفترة الطويلة حتى قضية مرمرة، بما في ذلك فترة اردوغان، التي كانت فيها تركيا بحاجة الى اسرائيل كرأس جسر للولايات المتحدة، لم تعد تركيا بحاجة الى هذه الخدمات. فمكانة اسرائيل المضعضعة في الاتحاد الاوروبي والى درجة كبيرة في الولايات المتحدة ايضا، لا تمنحها نفس الأهمية التي كانت لها في السابق.
ولكن تركيا، مثل اسرائيل، تبحث عن اصدقاء جدد واضافيين في المنطقة بعد الشرخ العميق الذي حطم مبدأ “صفر مشاكل مع الجيران” الذي سعت الى تحقيقه. بعد سنة من قضية الاسطول قطعت علاقاتها مع سوريا، تحطمت العلاقات مع مصر في تموز 2013، بعد أن رفض اردوغان الاعتراف بشرعية الرئيس السيسي، ولكن حتى قبل ذلك طرق مبارك كل باب في وجه تركيا. اما دول الخليج، بما فيها السعودية، فقد رأت فيها خصما ودولة غير مرغوب فيها، حتى قرر الملك سلمان ملك السعودية في بداية هذه السنة ضمها الى التحالف السني ضد ايران، وروسيا تبذل كل جهد مستطاع كي تهين تركيا وتمس بها بعد اسقاط الطائرة الروسية.
صحيح ان ليس لاسرائيل مكانة يمكنها أن تصالح بين تركيا ومصر أو روسيا، مثلما لا يمكن لتركيا أن تقرب السعودية من اسرائيل، ولكن للدولتين مصلحة مشتركة تتجاوز رغبة اسرائيل في بيع الغاز الى تركيا والجهد التركي لتنويع مصادر توريد الغاز وبشكل خاص تخفيف تعلقها بروسيا. كلتاهما مهددتان من الحرب في سوريا، لكلتيهما مصلحة كبيرة في التأثير على مستقبلها، كلتاهما قريبتان بقدر خطير من قواعد داعش ولكلتيهما توجد اسهم في السياسة الامريكية والاتحاد الاوروبي في الشرق الاوسط. من السابق لاوانه الحديث عن التعاون العسكري بين الدولتين، ولكن التنسيق السياسي والاستراتيجي، الثنائي ومتعدد الاطراف، بمشاركة الولايات المتحدة والدول الاوروبية، ممكن بالتأكيد وفي زمن قريب نسبيا. وبالتالي فمن المهم أن نتذكر بان هذا ليس اتفاق سلام بين دولتين معاديتين بل اتفاق لاعادة بناء ورفع مستوى العلاقات بين الدولتين والشعبين، اللذين شهدا قترات من العلاقات الممتازة. وحتى لو جاء هذا متأخرا بانه ضروري جدا.
هآرتس