مقالات مختارة

فخ سعوديّ نُصب للبحرين… كيف يواجَهُ؟ العميد د. أمين محمد حطيط

 

منذ أكثر من خمس سنوات انطلقت في البحرين حركة شعبية احتجاجية ضدّ نظام حكم ظالم مستبدّ لا يرى لأحد من شعب البحرين حقاً إلا ما يمنحه له الحاكم، ولا يقرأ في كتاب حقوق الإنسان سطراً أو كلمة لا تكون لصالح استبداده، فإنْ لم يجد فالكتاب كله وحقوق الإنسان كلها في سلة المهملات لديه.

ومنذ بدايات التحرك الذي اقترب من أن يكون ثورة شعبية أصرّت القيادة الشعبية للحراك على جعله سلمياً بشتى الوسائل وابتعدت عن مظاهر العنف والفوضى لاعتقادها بفعالية العمل السياسي السلمي في عالم يدّعي القيّمون على القرار فيه حرصهم على الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. لكن الظن خاب كما يبدو لأنّ ضمير رعاة القرار العالمي بات مرهوناً لدى خزائن البترودولار، ولأنّ البحرين بالنظر للسعودية هي حديقة خلفية تمتلك كل قرارها، وليس لمن يسمّى ملكاً فيها أكثر من تاج من ورق ومال ينفقه على احتياجاته واحتياجات أسرته التي تسمّى الأسرة الحاكمة، ولأنها كذلك فقد سارعت السعودية بمالها إلى إسكات القوى في الخارج وشراء تأييدها لقمع الحركة والى إرسال قواتها العسكرية إلى البحرين، تحت عنوان «درع الجزيرة» لخنق التحرك الشعبي ومنع الإصلاح المطالب به مهما كان حجمه.

وحتى تكتل صورة القهر فقد غيّب الإعلام العربي أولاً ومعظم الإعلام الأجنبي موضوع البحرين عن الشاشة ومسرح الحدث رغم أنّ تصرفات حاكم البحرين كانت من الظلم والاستبداد ما يستوجب المساءلة على أوسع الصعد، واستمرّ الإهمال هذا حتى بعد أن رمى حاكم البحرين بتقرير لجنة بسيوني الدولية وما جاء فيه من فتات توصيات تفضي في حال تطبيقها إلى رفع طفيف لمعاناة شعب البحرين وتبقي للحاكم معظم سلطته الاستبدادية المطلقة، ومع ذلك أهمل التقرير ولم يبادر المجتمع الدولي الذي انتدب اللجنة إلى أيّ تصرف أو ضغط يلزم الحاكم بالأخذ به.

لقد استفاد ملك البحرين وخلفه السعودية من هذا السكوت الدولي الذي فسّر بأنه تأييد لقراراته وتصرفاته، ما شجعه على الإمعان في ارتكاب المزيد من الظلم، مطمئناً إلى أنّ أحداً لن يطاله في أيّ وجه من الوجوه، لما لا وهو يرى قيادة الاسطول الخامس الأميركي على أرضه، وقوات درع الجزيرة تمسك بمرافق البلاد الأساسية، وانّ الغرب بقيادة الولايات المتحدة يحتضن كل قراراته ويحصّنها ضدّ أيّ محاولة في أيّ رواق من أروقة السياسة والدبلوماسية الدولية وعلى شتى الصعد.

في ظلّ هذا الوضع وجد الشعب البحريني نفسه شبه معزول أو لنقل متروكاً لمصيره من غير ناصر أو معين قريب أو بعيد إلا قلة قليلة مثلت إيران وحزب الله في لبنان طليعتها ما جعل البحرين وخلفها السعودية تنصرف إلى العنف السياسي والأخلاقي مقروناً بقمع ميداني مفرط يمارس حتى دون أيّ مبرّر ضدّ الشعب ونخبه المعارضة، مطمئنة إلى أنّ أحداً في العالم لن يحاسبها أو حتى يبدي كلمة قلق أو استنكار لما تفعل، وزاد من شعورها بالراحة في هذا الصدد مسارعتها إلى توصيف الحراك بأنه حركة تمرّد مذهبي وانّ الداعمين له ينطلقون من عصبية مذهبية ولهذا أعطت لنفسها حق القمع المتعدّد الأشكال لمحاربة «النزعة الطائفية والمذهبية» على حدّ توصيفها المزوّر للحقيقة.

وفي سياق السياسة القمعية تلك ألقي بقادة الحراك الشعبي والناشطين السياسيين البحرانيين في السجون بدون محاكمة أو بمحاكمة صورية تكون فيها الأحكام صادرة قبل انعقاد ما يسمّى هيئة المحكمة. ثم كان السلاح الأخطر على وجه الإطلاق وهو سلاح سحب الجنسية، سلاح لجأ اليه حاكم البحرين خارج كلّ القواعد والأصول القانونية، سلاح شهره بوجه الجميع من غير ضوابط أو معايير.

وبالمناسبة نقول إنه ووفقاً لقواعد القانون الدولي، إنّ الجنسية التي يحملها مواطن ما تكون إما جنسية أصلية تنشأ بحكم الولادة ولا يكون لصاحبها جنسية سواها، وهي حق طبيعي يكرّسه القانون، أو جنسية مكتسبة يكون صاحبها يحمل الجنسية الأصلية لبلد آخر ثم يوجد في وضع يتيح له الحصول على جنسية البلد الثاني مع أو بدون التنازل عن الجنسية الأصلية ليست دول العالم متوحدة حول قاعدة احتفاظ المجنس بالجنسية الأصلية . وفي التعامل يكون الاحتفاظ بالجنسية المكتسبة مقروناً باحترام صاحبها بما تحدّده الدولة من شروط فإنْ أخلّ بها جاز لها سحبها، أما الجنسية الأصلية ولأنها حق وليست منحة فإنّ أحداً لا يستطيع سحبها، لأنه لا يمكن لأحد أن يحرم أحداً من جنسيته الأصلية عملاً بقاعدة «لا يجوز أن يكون الفرد من غير جنسية» ولكلّ فرد جنسية واحدة على الأقلّ هي جنسيته الأصلية.

رغم هذه الحقائق والقواعد القانونية ولأنّ البحرين المقبوض على قرارها سعودياً ومطمئنة إلى احتضان القيّمين على القرار الدولي لها، فإنها مارست سحب الجنسية من مواطنين أصليين ضاربة بعرض الحائط كلّ ما ذكر، إلى أن وصل الصلف والوقاحة فيها إلى سحب الجنسية من أحد أهمّ الرموز الوطنية والدينية والشعبية في البحرين الشيخ عيسى قاسم الذي كان أحد الأعضاء الأساسيين والفاعلين في وضع مسودّة دستور للبحرين بنتيجة انتخاب شعبي نال فيه أعلى الأصوات. والسؤال اليوم لماذا اتخذ مثل هذا القرار وفي هذا التوقيت بالذات؟

بداية نرى أنّ قرار سحب الجنسية من الشيخ قاسم لا يبدو أنه مطلوب لذاته، بل القصد منه تنفيذ خطة سعودية جديدة تتجه السعودية إلى اعتمادها بعد الصورة التي آلت إليها الأوضاع في المنطقة إثر المواجهات في الميدان والحركة الدولية المتعدّدة المسارات والعناوين. ولنلاحظ أنّ القرار السعودي الذي نفذه حاكم البحرين اتخذ في لحظة خروج محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي من مقابلته لأوباما، كما أنه تمّ في فترة اتجاه الأمور إلى توقيع حلّ ما في اليمن لا يعطي السعودية شيئاً جوهرياً مما ذهبت لفرضه على اليمن بعدوانها الذي مضى عليه حتى الآن 16 شهراً، والسعودية تتحضّر لتجرّع هزيمة اليمن التي تخشى أن تكون ارتداداتها عاصفة على موقعها في المنطقة.

ولهذا نرى أنّ السعودية وصلت إلى ما يدفعها إلى اتخاذ قرار بحسم مسألة الوضع في البحرين وإسكات الحراك الشعبي فيه بقمعه بالنار، ولأنّ التحرك السلمي القائم حالياً يحرمها من مبرّرات اللجوء المجنون إلى العمل الميداني العسكري، فقد ارتأت أن تضرم النار في الشارع حتى يبرّر لها تحريك آلتها العسكرية وإسكات الثورة. ولم تجد أفضل من إسقاط جنسية الشيخ قاسم مدخلاً إلى هذه الخطة الشيطانية.

إنّ سحب الجنسية من الشيخ قاسم هو حلقة من خطة تريد بها السعودية استدراج الشعب البحريني إلى الشارع والعنف، وقد يكون أيضاً استدراج مؤيديه في الخارج إلى دعم التحوّل إلى السلاح وأعمال العنف التي يمكن أن تُلصق بها سمة الإرهاب حتى تتمكّن لاحقاً من القضاء العسكري عليها أو إيقاع إيران وسواها من مؤيدي التحرك الشعبي السلمي البحريني في فخ يمكنها تقديم الدليل على صدقها في التوصيف المذهبي.

لقد نجح شعب البحرين منذ 5 سنوات في المحافظة على ثورته السلمية، وأغضب السعودية وسبّب لها الغيظ والاحتقان والشعور بالعجز وأنّ هذا النجاح أمام اختبار صعب اليوم مع استمرار المواجهة الدائرة اليوم في البحرين بين الحاكم وشعبه، نجاح يتحقق عبر عدم انزلاق الشعب إلى الفخ الذي نصب له، وعبر التمسك الدائم بالنهج السلمي للثورة والذي يكون الخروج منه هدية تقدّم للسعودية التي تعمل على تغيير شعب البحرين وإبداله بشعب مستورد يدين بوهابيتها التكفيرية ويكفر شعب البحرين المسلم على مذهب لا تقرّه السعودية في قاموسها التكفيري.

نقول ذلك لأنه في ظلّ الظروف الموضوعية محلياً وإقليمياً ودولياً نرى أنّ انتصار الثورة البحرينية يكون بسلميتها وإعلامها المركز وحركة نخبها الفكرية والسياسية المحشدة للتأييد والصبر مهما كانت المصاعب والجرائم ولا تكون بالعنف والمواجهة العسكرية التي تعطي الخصم فرص استعمال آلته التدميرية وتنفيذ مشروعه التغييري على الصعيد الديمغرافي، ولا ننسى أنّ فقهاء الوهابية يقولون بجواز قتل ثلثي الشعب من أجل حياة الثلث الثالث.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى