فرنسا وبريطانيا تشككان بمبادرة دي ميستورا وسيم ابراهيم
ليس لدى مبادرة المبعوث الدولي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، لتجميد القتال في حلب، ما تحتمي به. إنها تعيش، مجدداً، من انعدام البدائل وظنون عن محركات أميركية وروسية تدفعها. لا حصانة لها حتى عند الأوروبيين. حالما غادر دي ميستورا بروكسل إلى الرياض، تحرك سجال أوروبي حول مبادرته. كررت فرنسا وبريطانيا القول: «ما هي حتى ندعمها».
لولا هذا الموقف، لأمكن القول إن هناك زخماً كبيراً من الدعم الأوروبي لمسعاه، لكن الدولتين نجحتا بضغط المكابح، ووضعتا عصا التشكيك في عجلة الدعم. كان سجالاً بين من يتخوفون من أن يكرر «تجميد القتال» في حلب نموذج حمص، بالنسبة للمشككين، وبين من يتفاءلون بإعادة خلق نموذج عين العرب (كوباني).
يوم الأحد عرض دي ميستورا تفاصيل خطته على وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي. بين لهم ما لها وما عليها، وأفهمهم بصريح العبارة أنها نتاج مباشر لمحدودية الخيارات: الأزمة السورية وحربها أكبر من أن توضع لهما إستراتيجية شاملة، يمكن السير فيها، كما يطالب بعضهم.
غادر دي ميستورا إلى الرياض، محاولا تقليل اعتراضات دولة وازنة في قرار المعارضة الخارجية، في حين كان وزراء الخارجية يجتمعون أمس لبحث خطته بشكل مفصل.
الخلاف بين الجانبين هو: أي نموذج ستصنعه خطة «تجميد القتال»، أينما أمكن، وتحديدا كيف سيكون حال حلب معها؟ باريس ولندن قالتا بوضوح إنهما تخشيان من تحول حلب إلى حمص أخرى، مع حصار خانق من النظام وسقوط استسلامي للمعارضة.
قبل أي شيء، عبَّرتا عن تخوفهما من أن تكون الخطة هي وجه آخر لإعادة الشرعية لدور الرئيس السوري بشار الأسد. وقال مصدر ديبلوماسي، حضر مداولات الوزراء لـ «السفير»، إن أول قضية أثارها وزيرا خارجية الدولتين كانت، في تطابق معبر: «لا يجب أن نكون شركاء مع الأسد». ولفت المصدر إلى أن تبرير الوزيرَين أمام نظرائهم كان على الشكل التالي: «السبب ليس فقط ما فعله الأسد، بل لأننا إذا تشاركنا معه، داعش فالناس (المعارضة) الذين نتحدث معهم سيكونون متطرفين، لأن الطريقة الوحيدة حينها لتكون ضد الأسد هي أن تكون متطرفا، ونحن لا نريد ذلك».
وأكد مصدر أوروبي آخر أن فحوى المخاوف التي بثتها الدولتان، تمحورت حول إمكانية تكرار سيناريو حمص. مخاوف لندن وباريس تنطلق هنا من الأفضلية التي تملكها القوات السورية الآن في المدينة، وأن تجميد القتال سيعني تكريسها، إن لم يكن تطويرها إلى حصار مطبق. ولفت المصدر، المقرب من إحدى الدولتين، إلى أن هناك مبررات لإثارة المسألة، موضحا أن «خطة دي ميستورا تفتقد للكثير من التفاصيل، وهناك أسئلة كثيرة من دون جواب، لذلك فما الذي يضمن أنها لن تكرر فعلا نموذج حمص الذي لا نريد تكراره».
وفي السياق ذاته، أكد مسؤول أوروبي رفيع المستوى، لـ «السفير»، أن هناك بالفعل ترددا من الدولتين، وأن محاذيرهما هي التي أعاقت الزخم الأوروبي الداعم للمبعوث الدولي. وقال إن «مبادرة دي ميستورا تستحق الدعم الأوروبي، لكن الدولتين أثارتا هذه المخاوف وأوضحتا أنه لا يمكن القول إنها غير واقعية». ولفت إلى أن لندن وباريس «تعتبران الرد على شكوكهما أولوية، لأنهما لا تريدان دعم مبادرة لا تعرفان ما الذي ستؤدي إليه».
مؤيدو دي ميستورا لم يقصروا في الرد. ترافعوا عن خطته، معلنين أنها تحاول تحويل حلب إلى قدوة إيجابية، يمكنها أن تحقق اختراقاً في جدار الجمود والعداوة بين المتحاربين وداعميهم.
حماس أحدهم، وهو وزير خارجية لوكسمبورغ جون أسلبورن، قاده إلى ابتكار مصطلح خاص لتكثيف الايجابية. وقال إنه يجب الوقوف خلف المبعوث الأممي من أجل «كوبنة حلب» (أي تحويلها إلى نموذج كوباني). قصده تحويل حلب لمحطة التقاء الخصوم، المحليين والدوليين، كما كان الحال مع مدينة «كوباني» حين زحف تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش» لإسقاطها. فحتى مع اعتراض المعارضة المسلحة، بداية، على التركيز على كوباني، فإنها أعلنت لاحقا المشاركة في القتال إلى جانب الأكراد. الأمر نفسه مع تباعد المواقف الدولية بداية، ثم تحقيق تسوية غامضة مع تركيا ودول التحالف لإدخال الدعم وقوات «البشمركة» المساندة.
حين سألت «السفير» أسلبورن عن تردد المعارضة الخارجية في دعم الخطة ورفضها المبطن لها، قال بلهجة فيها بعض الغيظ «ليس هناك بالنسبة للمعارضة إلا طريقة واضحة هي متابعة خطة دي ميستورا»، قبل أن ينقل عدم تفهمه لمبررات الرفض بالقول: «دي ميستورا لا يمثل الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة أو الجامعة العربية، إنه يمثل الأمم المتحدة، والجميع عضو فيها وزبون عندها، كما يمكنني القول».
وزيرة خارجية السويد مارغوت والستروم أكدت، لـ «السفير»، أن الحديث عن الصعوبات لا يجب أن يكون عذراً للتردد. وقالت: «ندرك أن لدى دي ميستورا خطة معقدة، لكنها الأكثر واقعية. كما أنها الوحيدة التي أمكن الخروج بها. إنه يقوم بجهد هائل لجمع كل الأطراف». لذلك قفزت عن رأي المشككين، مؤكدة أن «ما حصل في الاجتماع معه أمس (الأول)، إجمالا، هو تقديم الدعم الكامل لخطته، وأن الجميع يريد المساعدة».
محصلة هذا الجدل جاءت في كلام وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني، التي رجّحت كفة مساندة المبعوث الأممي. وشددت على أهمية ذلك، معتبرة أنه «أمر حاسم، ليس فقط لأسباب إنسانية وأمنية، بل كرمز لما يمكن أن نفعله وما يجب أن نفعله لإيقاف الحرب في سوريا». واعتبرت حلب «رمزاً مهماً»، مبينة أن المدينة التي مزقتها الحرب يمكن أن تصبح مع جهود المبعوث الدولي «نموذجاً لما يمكن أن تكون عليه سوريا، ولما لا يمكن أن تكون عليه». واعتبرت أن نجاح هذا النموذج يمكنه إظهار أن «خفض العنف ممكن، وأن هذا يمكن أن يقود إلى حل سياسي في البلد».
المواقف المتفاوتة ظهرت في القرارات المشتركة التي تبناها الوزراء. مقابل الإعلان عن «الدعم الكامل» لمبادرة دي ميستورا، أكد البيان الختامي أن «الحد من العنف لن يمكن إنجازه من دون مراقبة فعالة» للهدنة المأمولة، مشيرا إلى أن الخيار الأفضل أن يقرر مجلس الأمن طريقة المراقبة.
ما أرادته باريس ولندن، حصلتا عليه، لجهة تحذير دي ميستورا من تكرار نموذج حمص. هنا، ذكّر الاتحاد الأوروبي أن «حالات الاستسلام القسري، التي فرضها نظام الأسد عبر حصار التجويع، وصفت باطلاً بأنها وقف إطلاق نار محلي». واعتبر البيان أن «العمل العسكري المكثف من قبل نظام الأسد، ضد المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، يهدد مبادرة المبعوث الخاص للأمم المتحدة».
على المنوال نفسه، الذي تريده العاصمتان، أعلن الأوروبيون أن مِن بين أبرز سبل دعم دي ميستورا التي سيمضون فيها «المساهمة في إحياء الحكم والإدارة المحليين، لاستعادة الخدمات الأساسية في المناطق التي تشهد خفضا للعنف، لا سيما حلب، وكما تسمح الظروف».
وفي سياق المطلوب لدعم المبعوث الدولي، لفت مصدر ديبلوماسي أوروبي إلى أن وزراء عديدين ركزوا على أهمية جلب إيران وروسيا إلى طاولة الحل. قرأ بعض الديبلوماسيين ذلك كمؤشر على انتقال طهران من اعتبارها جزءا من المشكلة إلى اعتبارها جزءا من الحل. وقال المصدر إن الجملة المفتاحية التي تكررت في مداولات الوزراء كانت ان «الحل من دون روسيا وإيران سيكون صعبا، ولذلك فوجهات نظرهما أساسية نظرا لنفوذهما على نظام الأسد».
وفي السياق، لفت البيان الختامي إلى أن الاتحاد الأوروبي «على استعداد للتعامل مع جمع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية التي لها تأثير في الأطراف السورية، ويدعوها إلى استخدام نفوذها بشكل بناء».
وزراء الخارجية انتقلوا مساء للاجتماع برئيس «الائتلاف الوطني المعارض» هادي البحرة، في فندق قريب من المجلس الأوروبي. كان واضحا أن «الائتلاف» ينتظر قراراً من حلفائه، بعدما علَّق رئيسه زيارته حتى اللحظة الأخيرة، وتم حلّ القضية عبر توجيه دعوة للوزراء لاجتماع مع «الائتلاف».
لكن مصدراً أوروبياً أكد، لـ «السفير»، أن هناك «إدراكاً عاماً»، ساد في الاجتماع، للضعف الذي يعاني منه «الائتلاف»، موضحا أن «الائتلاف لم يستطع أن يشكل بديلاً منسجماً، كما لم يستطيعوا منافسة داعش».
هذه الخلاصة لم تغب عن البيان الأوروبي، الذي اعتبر «الائتلاف» جزءا من معارضة «معتدلة» تستحق الدعم. لكن الاجتماع شهد للمرة الأولى الاعتراف بدور واضح للمعارضة الداخلية، التي ذكرها البيان الختامي بالاسم، معطيا إياها موقع المساواة والندية مع «الائتلاف».
هذا الأمر يعد سابقة لم تحدث على مر سنوات الأزمة السورية، إذ قال البيان إن الاتحاد الأوروبي «يشجع كلا من مجموعات المعارضة الداخلية والخارجية على التوحد خلف إستراتيجية مشتركة من أجل تقديم بديل للشعب السوري»، مؤكدا أن لدى المعارضة المعتدلة «دور حيوي في إيجاد تسوية سياسية مستقبلية ومحاربة الجماعات المتطرفة على الأرض»، فيما كانت «جبهة النصرة» تسيطر على معسكرَي وادي الضيف والحامدية في ريف ادلب.
من جهة أخرى، استغل الرئيس الأميركي باراك أوباما زيارة قام بها إلى قاعدة عسكرية أميركية خلال موسم العطلات كي يصدر تحذيرا شديد اللهجة لمتشددي «داعش»، قائلا إن التحالف الذي تقوده بلاده لن يسمح بملاذ آمن للتنظيم، متوعدا بالقضاء عليه في نهاية المطاف. وقال «تيقنوا تماما من أن تحالفنا لن يقضي فقط على هذه المنظمة الإرهابية الهمجية، بل سننسفها».
(السفير)