مقالات مختارة

الوقوع في مطب المصطلحات الصهيونية د . فايز رشيد

 

من المعيب كثيراً: عدم مراعاة دقة المصطلحات اللغوية في التعبير عن الصراع مع العدو الصهيوني الذي ينفذ في مصطلحاته إلى الساحات العربية، وهو يتقصد ذلك . من المعيب ترديد تعبيراته التي يريدها حتى من دون قصد منا، وهو المصّر على الانتقال باسم كيانه إلى مفهوم “الدولة اليهودية” بما يعنيه من دلالات! . نردد كلمة “عبرية” في الدلالة على دولة الكيان وغير ذلك من التعابير!

نعم حرب مصطلحات خفية تدور رحاها من جانب العدو يقصفنا بها . لقد دأب البعض من السياسيين الفلسطينيين والعرب، إضافة إلى بعض أجهزة الإعلام العربية على إطلاق مصطلح الصراع الفلسطيني – “الإسرائيلي” على الصراع في الشرق الأوسط .

من جانب آخر، شطح البعض بعيداً في اختزال هذا الصراع إلى كلمة(نزاع)، وبدأ في التسمية من خلال مصطلح النزاع الفلسطيني – “الإسرائيلي” أو حتى تسميته ب (الخلاف) . إضافة الى ترديد المصطلحات مثل تعبيرات: الدولة العبرية بينما أثبت التاريخ والدراسات عدم وجود أية روابط بين اليهود والعبرية، التي هي لغة آرامية لا علاقة لها باليهود لا من قريب أو من بعيد، بل حرصوا على ربطها بهم لتعميق الوجود في التاريخ ) ومثل: “الدولة اليهودية” للدلالة على الأرض الفلسطينية، ومثل تعبير “الشعب” اليهودي و”الأمة” اليهودية للدلالة على اليهود بينما لا هم شعب ولا هم أمة فاليهودية ديانة مثل الإسلام والمسيحية يعتنقها الأمريكي والروسي والإفريقي والهندي وغيرهم .

بداية، فإن المصطلحات لا تأتي عفوية، وهي مقصودة، ثم إنها من ناحية أخرى مهمة للتوصيف، الأمر الذي ينزع العفوية عنها .

مصطلح الصراع الفلسطيني – “الإسرائيلي” خاطئ تماماً، فبالرغم من أن الفلسطينيين هم الواجهة في هذا الصراع، لكن الخطر “الإسرائيلي” لا يطال الفلسطينيين وحدهم، وإنما كل العرب من المحيط إلى الخليج . هذا ما لا نقوله نحن، بل تقوله حقائق الصراع، والأحلام الصهيونية، والأهداف “الإسرائيلية”، وتاريخ “إسرائيل” منذ ما قبل قيامها حتى هذه اللحظة .

“إسرائيل” ما زالت تحتل هضبة الجولان العربية السورية، ولقد سبق وان ضمّتها إليها بقرار اتخذته الكنيست، وهي لاتزال تعتبر الهضبة أرضاً “إسرائيلية” .

“إسرائيل” لا تزال تحتل مزارع شبعا اللبنانية، وسبق أن احتلت أراضي مصرية، وهي تلاحق الفلسطينيين في الدول العربية، مثلما حدث في تونس من عملية اغتيال لخليل الوزير، وفي دبي من اغتيال لمحمود المبحوح، ومحاولة اغتيال خالد مشعل في عمان، رغم ارتباط الأردن باتفاقية وادي عربة مع “إسرائيل”، واغتالت كثيرين من القادة الفلسطينيين في قلب بيروت .

“إسرائيل” قامت بتفجير وتدمير المؤسسة النووية العراقية، واغتالت عالم الفيزياء النووية، المصري العربي يحيى المشد في باريس، الذي كان يعمل في بغداد، وقامت بتفجيرات في سوريا قديماً وحديثاً .

وزير خارجية العدو الفاشي ليبرمان، هدد بقصف السد العالي، هذا عدا عن الحلم الذي يلامس شغاف قلوب بعض الأحزاب الدينية اليمينية، في إنشاء “إسرائيل الكبرى” من الفرات إلى النيل . كثيرون من الساسة والقياديين العسكريين الإسرائيليين بمن فيهم نتنياهو رئيس الوزراء الحالي المستقيل، ما زالوا يعتقدون أن الأردن جرى اقتطاعه عنوةً من الوطن “الإسرائيلي”، ولذلك يؤمنون بإقامة الفلسطينيين دولتهم، فيه، من بين هؤلاء رئيس الكنيست الحالي المنحل وأعضاء كثيرون فيه .

هذا غيض من فيض من رؤية الحركة الصهيونية للعالم العربي . إضافة بالطبع إلى أن التصور “الإسرائيلي” للعلاقة مع العرب، يتمثل في إقامة علاقات مع دولهم من دون شروط مسبقة، بعيداً عما يسمى ب “مبادرة السلام العربية” التي أطلقتها قمة بيروت، والتي ما زالت موضوعة على الطاولة .

“الإسرائيليون” لا يفصلون بين الصراع مع الفلسطينيين والصراع مع العرب، ويأتي البعض منّا للأسف ليفصل بين المسألتين .

“الإسرائيليون” يتآمرون على الجبهات الداخلية في الأقطار العربية، وصولاً إلى الدعم العسكري لبعض الأطراف المنادية بتجزئة الدولة الواحدة، صدّروا آفة القطن لمصر، وهم وراء تهريب المخدرات إليها وإلى بعض الدول العربية الأخرى أيضاً، وهم يشكلون فرقاً للتجسس على هذه الأقطار .

أما كلمتا (النزاع) و(الخلاف) اللتان يطلقهما البعض على الحالة الفلسطينية – “الإسرائيلية”، فكلاهما تسطيح للحقيقة وجهل كبير لحقيقة الصراع، فما بين الطرفين ليس نزاعاً أو خلافاً على قضية بسيطة، بل هو صراع أزلي ما بين الفلسطينيين والعرب من جهة، و”إسرائيل” والحركة الصهيونية من جهة أخرى .

تسمية الصراع مع “إسرائيل” بأنه محدود بالفلسطينيين، هي إغراق في القطرية الكريهة، وهي تجاوب مع الاتهامات الصهيونية وبعض الغربية الأخرى، بأن ما من جامع بين الأقطار العربية، وتجاوب مع مقولة انعدام وجود الأمة العربية، وانعدام وجود الثقافة والتاريخ والاقتصاد، وغيرها بين الدول العربية . الذي نسأله لمسطحي الصراع كهؤلاء: ألا تستطيعون التوصيف بتعبيرات مثل: “إسرائيل” والكيان الصهيوني؟ ثم أين هي حقيقة وجود (المجتمع) الذي ترددونه؟ أليس من الأفضل استعمال كلمة: الشارع بدلاً من مجتمع لا يملك مقومات بناء المجتمع! ف”الإسرائيليون” هم غزاة لفلسطين جاءوا من أقطار متعددة لا تجانس بينهم ولا تاريخ ولا عادات مشتركة . . إلى آخر مكونات المجتمع . موضوع المصطلحات ليس بسيطاً! ولا بد من التدقيق فيه!

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى