بقلم ناصر قنديل

ماذا لو سارت واشنطن وراء السعودية وتركيا و«إسرائيل»؟

ناصر قنديل

– تعرف واشنطن كذب إدعاءات حلفائها السعودي والتركي و»الإسرائيلي» عن استقلالهم عنها، كما يقولون في خطابهم العلني، فهي تدرك أن جل ما يفعلونه هو دعوتها لقبول خياراتهم بالذهاب للتصعيد في سورية، ومواصلة لغة الحرب حتى تغيير الواقع وإسقاط الدولة ورئيسها وهزيمة جيشها وحلفائه، لكن بواسطة تورط أميركي مباشر، وإلا فواشنطن قد اختبرت استقلاليتهم واحداً واحداً، فهي تعلم أن ثلاثتهم سوية ومعهم فرنسا وبريطانيا، يملكون أسلحة دفاع جوي متطورة ولا يجرأون على تسليمها للجماعات المسلحة، بل يطالبون واشنطن بفعل ذلك، أو السماح لهم بفعله، وتعلم أن تركيا والسعودية تعلنان أنهما على استعداد لعمل عسكري في سورية، لكن بقيادة أميركية، وضمن تحالف تقوده واشنطن، فالخيارات الفاعلة غير الكلام الفارغ، وما دون الخيارات الفاعلة ليس أكثر من إغراء لواشنطن لتغيير موقفها، والتسليم بما تقرره في نهاية المطاف، حيث لا مكان لقرار مستقل لأي منهم.

– إذا قررت واشنطن أن تسير وراء حلفائها فهي تتخذ سيرتهم مقياساً، وليس ما يقولونه لها، فالرئيس الأميركي باراك اوباما، عندما قال إنه فخور لعدم تورطه في حرب على سورية، وعدم تلبية نداءات حلفائه من متهورين ومتغطرسين ومحكومين بالأحقاد، ومستبدين، كان يضع أمامه ما يفعله هؤلاء الحلفاء الذين تقدّم سيرتهم له صورة حقيقية عما يمكن أن يفعله إذا سلك طريق مشورتهم ونصائحهم. وهو إن كان يتردّد في التسويات فليس لتردده في قبول نصائحهم، بل لإدراكه حجم الكلفة العالية للتسوية مقابل كلفة عالية جداً للحرب، والتردد يمنع القرار.

– سيرة السعودية في اليمن تقول إنها ذهبت للحرب على معارضة تمردت على شرعية نظام تدعمه السعودية، بما يشبه نسبياً الموقفين الروسي والإيراني مع الشرعية التي يدعمانها في سورية. وبالمقارنة فقد توفرت للمعارضة في سورية، ما لم يتوفر للمعارضة في اليمن، والفوارق كلها لصالح القول إذا كانت المعارضة اليمنية المحرومة من كل حدود برية مساندة، بينما تتاح كل الحدود التركية والأردنية للمعارضة السورية، ويصلها الدعم العسكري والبشري الممنوع على اليمنيين، ويواجه كليهما سلاح جو قادر، فلماذا تضطرون للاعتراف بالحل السياسي كضرورة في اليمن مع معارضة محاصرة وبلا صواريخ تسقط طائراتكم وتفشلون بهزيمتها رغم ذلك، وتريدوننا أن نصدّق أن غياب هذه الصواريخ عن المعارضة السورية سبب لها الهزائم، بينما لم يسبب غياب مثلها عن معارضة اليمن هزيمة مماثلة، رغم بقاء الحدود مفتوحة لمعارضة سورية، وصولاً لطغيان تنظيم القاعدة على تشكيلاتها، وبقاء الحدود مغلقة على المعارضة اليمنية، وهذه لا تحتاج حدوداً ولا صواريخ كي تلزمكم بالتفاوض، بينما تلك تخشون عليها أن تسحق إذا أغلقت الحدود وحجبت عنها الصواريخ، أما إذا كان الأمر إقراراً بلغة التسويات كحاجة، فالسؤال كيف تنتظرون أن نطلب للمعارضة في سورية أكثر مما تقبلون أن تنال المعارضة في اليمن، فعلى الأقل تقبل روسيا وإيران ومعهما حليفهما الرئيس السورية بحكومة شراكة في ظل الرئيس الشرعي دون طلب سحب سلاح وإخلاء مدن، والذهاب إلى دستور جديد تجرى وفقاً له انتخابات برلمانية ورئاسية، فهل ما تدعو السعودية واشنطن إليه هو خوض غمار حرب في سورية كحربها في اليمن لتصل إلى نهاية تشبه نهاية حربها، والمعروض اليوم في سورية للتسوية دون التورط في حرب، هو في النهاية ما وصلت إليه السعودية بعد حربها في اليمن.

– في قراءة السيرة التركية، يبدو للأميركي أن التركي الذي صرخ كثيراً عن نيته الصلاة في المسجد الأموي ووضع مصير حكمه مقابل مصير الحكم في سورية، تهرّب من كل مواجهة، وبقي ينادي بمنطقة حظر جوي ومناطق آمنة، ولم يفعل شيئاً لتطبيقها، بل ارتضى مالاً أوروبياً لقاء هذا التنازل. وعندما أعلن غضبه من الوضع الذي يمثله الأكراد لما أسماه أمنه القومي، لم يجرؤ على التوغل داخل الحدود السورية لعملية جراحية هدّد بها مراراً، وسقف ما يفعله اليوم هو تسليح وتأمين طرق إمداد النصرة، وفتح القنوات لاسترضاء روسيا والتسويق لأولوية الحفاظ على وحدة سورية على أي أولوية أخرى، أي إسقاط الرئيس السوري، والسعي لحلف تركي روسي إيراني لهذه الغاية، وما تفعله واشنطن مع موسكو يبقى أكثر توازناً مما يفعله الرئيس التركي في سياسته تجاه سورية ومنطق التحالفات وحسابات الأمن القومي، وقد سبق لواشنطن أن قرّرت أن تختبر الخيار العسكري في ظروف أفضل، وكان بيدها شعار يتصل بالسلاح الكيميائي، وجاءت بالأساطيل، ولم تكن روسيا قد توضّعت في سورية، ولا السعودية تورطت في اليمن، وعادت على الأقل بمكسب سياسي هو الحل السلمي للسلاح الكيميائي السوري بينما السيرة التركية تقدم نموذجاً للتخاذل بلا مقابل، والتبديل والتراجع والتهرب من المواجهات بلا أي تفاهمات تحفظ ماء الوجه، فهل المطلوب من واشنطن أن تلبي رغبة السلطان وتتورط في حرب لتصير مثله؟

– في السيرة «الإسرائيلية»، تعرف واشنطن أنها سمعت رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يتبجح مراراً بقدرته وعزمه على ضرب إيران، وتدمير قدرتها النووية، وتعرف أن الرئيس الأميركي اضطر لكشف التبجّح وزيفه عندما زار تل أبيب وأمسك بيد نتنياهو، وقال إن «إسرائيل» دولة مستقلة وتستطيع اتخاذ قرارها بضرب إيران دون العودة لواشنطن، التي لا تمارس أي ضغط على تل أبيب للامتناع عن ذلك، ومرّت شهور بين هذا الكلام وبين توقيع واشنطن للتفاهم على الملف النووي الإيراني، ولم يفعل نتنياهو شيئاً، وتعرف واشنطن أنها يوم عزمت على توقيع التفاهم نهاية العام 2014، أبلغت كل الحلفاء، خصوصاً «إسرائيل» قبل الجميع، لفعل ما يحفظ لهم أوراق القوة، فكانت عملية نتنياهو في القنيطرة استفزازاً لحزب الله واستدراجاً له لمواجهة تغيّر قواعد الاشتباك وفقاً لظاهرها، وتفرض معادلات جديدة لموازين الردع، خصوصاً لجبهة الجولان، ولما ردّت المقاومة بعملية مزارع شبعا النوعية الرادعة، صمت نتنياهو وعاد يقول إنه يريد امتصاص الصدمة والامتناع عن الرد منعاً للتصعيد.

– لدى كل من حلفاء واشنطن سيرة تكفي لتظهير العجز من جهة، وبيد واشنطن ما يكفي للتثبت من كونهم تابعين لا يملكون قرارهم من جهة مقابلة، وسقف حركتهم الرهان على قرار واشنطن بتصعيد تدفع هي ثمنه، ويقطفون هم بعضاً من ثماره، فهي ليست قلقة من تفردهم، ولا من ضغوطهم، ولا هي ضعيفة الحجة أمامهم، ولا يجرؤ أحدهم على الجواب عن سؤال إن كنتم تريدون حرباً فهاتوا برهانكم على فعاليتها من سيرتكم، وعلى فعالية كل منكم فيها، وها هم أعداؤكم على الحدود وبينكم وبينهم رمية حجر فماذا تنتظرون؟

– واشنطن مرتبكة، لأنها بتوقيع التسوية حول سورية، توقع على صك التسليم بأنها صارت قوة عالمية ثانية، وأنها تسلّم الشرق كله لخصومها، لأن ليس لديها حلفاء يعتمد عليهم، وقلقة من الذهاب لوصفة حرب يدعوها إليها الحلفاء، لأن لديها حلفاء يريدون أن يقاتلوا بها، وليس لديها حلفاء تقاتل بهم أو معهم، ودليلها البسيط السؤال عن معنى إعلانها الحاجة لهزيمة داعش، ونسبة مشاركة حلفائها الذين كانت ستغفر لهم تحالفهم المحرج مع النصرة لو نصروها في الحرب على داعش، واشنطن مربكة بحلفائها سلماً وحرباً، وعبرهم مربكة بمستقبل وجودها في البر الآسيوي، ومخاطر انتخاباتها بلا انتصارات.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى