بقلم غالب قنديل

خيبة أوباما سورية

غالب قنديل

بعد أشهر قليلة ينهي الرئيس باراك اوباما ولايتيه الرئاسيتين وينطلق الكلام عن حصاده السياسي والاستراتيجي قياسا إلى المهمة المركزية غير المنتهية التي فوضته بها المؤسسة الحاكمة الأميركية ألا وهي إتمام احتواء الفشل الأميركي الكبير الذي ورثه أول رئيس للولايات المتحدة من جذور أفريقية من مغامرات سلفه الحربية في العراق وأفغانستان وكانت تلك المهمة غير المنجزة تقضي بمواصلة الصراع لمنع انهيار الهيمنة الأحادية الأميركية بشتى الوسائل وكبح صعود روسيا والصين وإيران ومحاولة تفكيك مجموعة البريكس سوف يركز اوباما على الاتفاق النووي مع إيران والتطبيع مع كوبا وفييتنام وعلى محاولة تطويق الصين في بحرها الجنوبي وعلى استعادة زمام المبادرة في اميركا اللاتينية عبر الحرب الناعمة ضد الدول المستقلة والطموحة كالبرازيل وفنزويلا.

أولا عندما انتخب أوباما كان المخطط جاهزا لشن الحرب على سورية وهو موضوع على طاولة القرار منذ غزو العراق كما كشف الجنرال ويسلي كلارك القائد السابق للقوات الأميركية في الحلف الأطلسي وقد وجد المخططون في تلك الحرب بواسطة فصائل القاعدة وجماعة الأخوان المسلمين سبيلا ممكنا لإعادة تشكيل المنطقة ولاحتواء الفشلين الأميركي والصهيوني معا .

عندما يكتب اوباما مذكراته سوف يستطيع القول إنه ورث حربين فاشلتين كلفتا تريليونات الدولارات في العراق وأفغانستان وسوف يطنب في وصف مساعيه للحد من الخسائر وربما يستعرض دوره في العودة العسكرية الأميركية إلى العراق تحت غطاء محاربة داعش وهو سيلقي كثيرا من مسؤولية التخبط الأميركي منذ احتلال العراق إلى اليوم على عاتق الحكومات التابعة ( تركيا والسعودية وقطر وحتى فرنسا وبريطانيا كما فعل في حواراته مع جيفري غولدبرغ ) ولكن جميع تلك الحكومات نفذت خطط واشنطن وانخرطت فيها بنشاط بقيادة إدارة دبليو بوش وعصابة المحافظين النافذة في كواليس الخارجية ولكن عادة تتنصل الإمبراطورية من المسؤولية وتلقي عبء الفشل وكلفته على الجوقة التابعة كما تفعل اليوم في الكلام عن المسؤولية السعودية في نشر الإرهاب والتطرف.

ثانيا في سورية كانت الحرب حرب باراك اوباما وخطة إدارته بجميع مؤسساتها العسكرية والأمنية والسياسية وهي اختلفت عن حروب دبليو بوش لكونها حربا بالواسطة لا تخاض بالجيوش الأميركية ولا تكلف الخزينة الأميركية اموالا كثيرة لكن الفشل هنا هو فشل اوباما الشخصي فهو من قاد العدوان على سورية وقاد اوسع تحشيد دولي لتغطية العدوان وتغنى برهان لم يتوانى عن التاكيد عليه داعيا لرحيل الرئيس بشار الأسد الشعار الذي لم يبق في العالم كله من يردده اليوم سوى عادل الجبير وبنيامين نتنياهو وحفنة من صغار واجهات المرتزقة .

قام اوباما منذ البداية وبواسطة روبرت فورد وشركاء واشنطن من حكومات حلف العدوان بدعم خليط مسلح متعدد الجنسيات يعترف الرئيس الأميركي مواربة بكونه عصارة تشكيلات القاعدة وشبكاتها العالمية وتفرعاتها التي استحضرتها فعليا وكالة المخابرات الأميركية وأعوانها في العالم والمنطقة وزجت بها داخل سورية للنيل من الدولة الوطنية التي حولت صمودها على الصعيد الاستراتيجي إلى حقل استقطاب واستثمار لشركاء كبارتعاظمت قدراتهم في وجه الجبروت الأميركي والغطرسة الأميركية بفعل ما صنعوه في تحويل المعادلات داخل الميدان السوري وعبر دعمهم لصمود الدولة الوطنية السورية اقتصاديا وعسكريا.

ثالثا عندما تخرج مذكرة من كوادر حزب الحرب الأميركي المتحصنين في وزارة الخارجية تدعو لضرب دمشق ومقرات الرئاسة ومؤسسات الدولة فالموقعون يذكرون الرئيس الذي يحزم حقائبه ويستعد لكتابة مذكراته بما كانوا يعملون عليه معا بإشرافه صيف عام 2013 لتسويق خطط العمليات العسكرية عندما أمر بحشد الأساطيل الأميركية قبالة الساحل السوري ثم اضطر لسحبها.

تلك اللعبة المتخيلة باتت شبه مستحيلة منذ الدخول الروسي وتعاظم الحلف السوري الإيراني والانخراط المباشر لحزب الله في مقاتلة الإرهاب على أرض سورية وإذا كانت تلك العوامل المتحركة في بداياتها عندما اضطرت باراك اوباما للتراجع عن قرار غزو الجمهورية العربية السورية فقد أصبحت اليوم امتن وأقوى وأشد تجذرا ومناعة وحيث تقود حسابات الردع المتبادل وتوازن الرعب إلى التراجع عن ارتكاب الحماقة كما حصل قبل ثلاث سنوات عندما تسلق الرئيس الأميركي على حبل النجاة الروسي الذي لا يزال متدليا وممسوكا بيد نظيره الروسي الذي يظهر الكثير من طول البال وعدم التهور بقدر ما يبدي من الحزم والقسوة .

رابعا عريضة كوادر حزب الحرب التي لوح بها جون كيري ويقال إنه وراءها استعملت لابتزاز موسكو وللقول إن ضغوطا داخل الإدارة تتطلب تليين الموقف الروسي من نقطة الاختلاف الجوهرية وهي دعم الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو والحكومات التابعة لفرع القاعدة الرسمي في سورية أي جبهة النصرة وسائر الفصائل الأخوانية التي تتحصن في معاقل النصرة كجيش الفتح خصوصا في محافظتي حلب وإدلب. لقد استهلك الأميركيون المهل الروسية المتلاحقة لفرز معتدليهم المزعومين ولإخراجهم من مرمى السوخوي بل ان الأميركيين والعصابات العميلة سعوا لتحصيل مكاسب في الميدان بالشراكة مع فرع القاعدة على حساب الجيش العربي السوري وحلفائه وشركائه في الدفاع عن سورية تحت ستار آليات وقف العمليات القتالية التي انتهكوها بانتظام رغم التشدد في التزام الدولة السورية وحلفائها وهذا ما يضغط لإنهاء المهل ويحشر كيري في زاوية تعهداته السابقة فتصبح العريضة مسخرة لأن الوزير يتذرع بضغوط موظفي وزارته حتى يتنصل من تعهداته!.

الحماقة تبقى واردة في علم الاحتمالات وينبغي التفكير بهذه الطريقة مع الحلف الاستعماري الصهيوني خصوصا في معركة ستقرر مصير العالم وتوازناته لعقود قادمة لكن الغزو الأميركي المباشر يبدو أصعب منالا من كل ما سبق.

خامسا الخيار الذي تسلكه سورية وحلفاؤها لتحرير الأرض من الإرهاب يرسم حدودا لهوامش التلاعب الأميركي وهذا سر انزعاج جون كيري من عبارة الرئيس بشار الأسد عن التصميم على استعادة كل شبر تراب من الأرض السورية وهو الكلام الجدير برئيس دولة وبزعيم شعبي يقود معركة الدفاع عن الاستقلال الوطني لبلاده ويتقدم صفوف القتال دفاعا عن العالم ضد الإرهاب والتوحش الذي غذاه الغرب واستخدمه وبات يخشى ارتداده عليه .

بعد الصمود السوري الكبير وعندما سيصل باراك اوباما إلى سورية في قائمة إنجازاته ربما يستطيع الكلام عن استنزاف دولة صاعدة وقوية وعرقلة نهوضها لحساب إسرائيل ومشاريع الهيمنة لكنه لن يجد غير الفشل الاستراتيجي نتيجة قبوله بخطة ديفيد بيترايوس – بندر بن سلطان للثأر من الدولة التي رفض رئيسها الخضوع امام شروط كولن باول بعد احتلال بغداد وسيحفظ التاريخ الأميركي ان رئيس الولايات المتحدة الذي كرر مع وزراء خارجيته ( هيلاي كلينتون وجون كيري ) عبارة فليرحل قد رحل هو نفسه عن سدة البيت البيض بينما الرئيس بشار الأسد يقاتل ويقاوم متقدما صفوف شعبه وجيش بلاده دفاعاعن درة الشرق العربي سورية التي أرادوا تدميرها وإخضاعها فظلت صامدة حرة عزيزة مع جميع حلفائها الصادقين .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى