مقالات مختارة

هل من دور أميركي للكرد في إيران؟ د. عصام نعمان

 

لافتٌ ما جاء في بيان قيادة الحرس الثوري الإيراني منتصفَ الأسبوع الماضي حول مقتل 12 إرهابياً وثلاثة عسكريين إيرانيين في اشتباكات وقعت في منطقة اشنويه، شمال غرب البلاد. البيان أشار إلى «أنّ الإرهابيّين القتلى أعضاء في مجموعة صغيرة معادية للثورة موجّهة من قبل الولايات المتحدة والسعودية، وكانوا يعبرون الحدود لشنّ عمليات تخريب والتسبّب بغياب الأمن بين السكان».

قائد الشرطة الإيرانية قدّم في بيانه معلومات إضافية. قال إنّ الإرهابيين القتلى أعضاء في حزب «من أجل حياة حرة في كردستان» بيجاك الإيراني القريب من حزب العمال الكردستاني التركي.

بيانا الحرس الثوري وقائد الشرطة الإيرانيين كشفا أنّ الاشتباك الأخير هو الثالث خلال أسبوع واحد لاختراق الحدود الإيرانية على مقربة من المثلث الحدودي الإيراني – التركي – العراقي، وأنّ المجموعات المسلحة التي قامت به معروفة باعتناقها توجّهات عرقية كردية مناهضة للجمهورية الإسلامية. وكانت لافتة أيضاً إشارة بيان الحرس الثوري إلى أنّ محاولات اختراق العمق الإيراني لن تمنع العمل العسكري ضدّ الجماعات الإرهابية في سورية والعراق، وأنّ محاولات مشاغلة القوات المسلحة الإيرانية «لن تؤثر في الدعم العسكري الاستشاري الذي تقدّمه إيران ضدّ الإرهاب في كِلا البلدين».

يتحصّل للمراقب المتتبّع للمعلومات المتوافرة أنّ طهران تربط المجموعات الكردية الناشطة على حدودها الغربية بحزب العمال الكردستاني التركي، كما تفسّر تلك الاشتباكات بأنها لمشاغلة القوات المسلحة الإيرانية وحملها على وقف تقديم الدعم العسكري لكلّ من العراق وسورية في صراعهما ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية داعش». ذلك كله يطرح سؤالاً مفتاحياً: ما الدور الذي يلعبه الكرد في سورية وتركيا والعراق خلال الحروب والاضطرابات الدائرة فيها؟ وما طبيعة علاقتهم العلنية والمستترة مع الولايات المتحدة؟

ليس سراً أنّ أميركا تساند بعض القوى الكردية السورية المتعاطفة مع حزب العمال الكردستاني التركي في كفاحها من أجل تحرير مناطق شمال شرق سورية وشمالها الغربي من سيطرة «داعش». تجلّى الدعم الأميركي في مساندة «قوات حماية الشعب الكردي» في معركة عين العرب كوباني ، كما يتجلّى حالياً في دعم «قوات سورية الديمقراطية» ذات الغالبية الكردية لتحرير منبج، غرب نهر الفرات، وكفاحها للوصول إلى جرابلس، وربما، إلى عفرين في أقصى الشمال الغربي.

إلى ذلك، لم تتوانَ قيادات كردية سورية متعاونة مع الولايات المتحدة عن التلميح حيناً والتصريح حيناً آخر بأنّ ما يرمي إليه المقاتلون الكرد هو إقامة منطقة للحكم الذاتي في شمال شرق سورية. ثم أنّ بعضهم لم يُخفِ تعاطفه مع دعوات تردّدت في إقليم كردستان العراق حول إجراء استفتاء لإعلان استقلاله عن جسم الدولة العراقية. كلّ ذلك في سياق دعوات قديمة جديدة لإقامة دولة مستقلة تضمّ الكرد الموزعين على دول تركيا وإيران والعراق وسورية.

من المعلوم أنّ الكرد في تركيا معارضون لحكومة رجب طيب أردوغان الذي يقاتل حزب العمال الكردستاني التركي كتنظيم انفصالي، ولا يتوانى عن اتهام الولايات المتحدة بأنها تؤيد حلفاءه من الكرد السوريين الناشطين لإقامة حكم ذاتي في شمال شرق سورية وعلى امتداد الحدود التركية السورية.

الولايات المتحدة لا تخفي مساندتها للكرد السوريين وتحاول طمأنة أردوغان بأنّ ذلك يتمّ في إطار الحرب ضدّ «داعش» و… قوات سورية الأسد. غير أنّ افتضاح أمر العمليات الإرهابية الثلاث من قبل مجموعات كردية لاختراق الحدود الإيرانية ومشاغلة الحرس الثوري حملت خبراء استراتيجيين في دمشق وطهران وموسكو على الاعتقاد بأنّ ما تقوم به أو تقف وراءه الولايات المتحدة في سورية والعراق وإيران إنْ هو إلاّ جوانب من استراتيجية متكاملة ترمي إلى إضعاف محور المقاومة وصولاً إلى تفكيك سورية وتحويلها إلى جمهورية كونفدرالية بكيانات إثنية كردية وتركمانية ومذهبية علوية وسنية ودرزية ، ومن ثم محاصرة حزب الله مصرفياً من خلال القانون الأميركي المتعلّق بحظر تمويله دولياً، وتهديده بضربة عسكرية «إسرائيلية» لحمله على سحب قواته العاملة في سورية، وصولاً إلى محاولة استغلال التعددية الإثنية في إيران بتسليح مجموعات كردية وربما بالوتشية ايضاً من أجل مشاغلة القوات المسلحة الإيرانية باضطرابات أمنية داخلية لحملها على وقف دعمها لحلفائها في سورية ولبنان والعراق وفلسطين المحتلة.

من مجمل هذه المعطيات والاحتمالات يمكن الاستنتاج أنّ الصراع بين الولايات المتحدة وإيران لم ينتهِ بإقرار الاتفاق النووي، وإنّ واشنطن تحاول، لأسباب تتعلق بنفوذها ومصالحها في الشرق الأوسط من جهة، وبأمن «إسرائيل» ومطامعها من جهة أخرى، تحويل سورية ولبنان والعراق وتركيا ذات التعددية الإثنية والمذهبية دولاً كونفدرالية ضعيفة، منشغلة بأوضاعها الداخلية، وغير قادرة في المدى الطويل على تشكيل قوة إقليمية مركزية قادرة على تهديد المصالح الأميركية وأمن «إسرائيل».

إنّ وجود هذا المخطط الاستراتيجي البعيد المدى وقيام واشنطن بتنفيذه عبر عهود رئاسية متتالية لا يعني بالضرورة أنه قابل للتحقيق. ذلك أنّ تغييرات عدّة حدثت تباعاً وأدّت إلى إضعاف قدرات أميركا ونفوذها من جهة وإلى تعزيز قدرات غيرها من دول المنطقة من جهةٍ أخرى. إلى ذلك، فإنّ حضور روسيا في سورية وانخراطها في الحرب ضدّ «داعش» هو تعبير واضح عن اقتناعها بأنّ إضعاف سورية والعراق وصولاً إلى تقسيمهما يؤذي أمنها القومي، من حيث إنهما يصبّان في مصلحة تنظيمات «الإرهاب الجهادي» الساعية إلى تعزيز وجودها ونشاطها في قلب روسيا الاتحادية ذات التعددية الإثنية، وفي مقدّمها القوميات الإسلامية.

روسيا ستثابر في تصدّيها، إذاً، لـِ «داعش» ولمخطط أميركا البعيد المدى الذي يهدّد أمنها ووحدتها السياسية. معنى ذلك أنّ بلدان غرب آسيا ستعاني فصولاً متعدّدة ومتصاعدة من صراعات ساخنة قد تنعكس على العالم برمّته.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى