بين انتفاضات السود وفضائح التعذيب الممنهج د.منذر سليمان
العنصرية الوجه الآخر لاميركا
العنصرية والعبودية صنوان للنظام الاقتصادي الرأسمالي، قديما وحديثا، نظرا لحاجته الدائمة للايدي العاملة المُروّضة؛ وانتاج فلسفة الطبقات (بريطانيا وفرنسا)، وامتدادا التفوق العرقي المتأصل في الفكر الاستعماري التوسعي. ومنذ وصول الاوروبيين الاوائل “للعالم الجديد” سخّروا كل ما يمكنهم من امكانيات وموارد لاستغلال الارض والبشر وابادة السكان الاصليين. التوسع ونزعة السيطرة تطلب يد عاملة كبيرة لا يستطيع النظام الاستعماري توفيرها، وعوّضها بالاتجار بالرقيق واستقدام الافارقة بالقوة، ومعاملتهم معاملة دونية وعبودية .
ومنذ اعلان الولايات المتحدة استقلالها، تمأسس الفصل العنصري الممنهج، الموازي للرق والعبودية، وسنت القوانين امعانا في ترسيخ مفهوم تفوق “الرجل الابيض” وتهميش كل ما عداه، بل واستعباد الاخر اقتصاديا. ثقافة العنصرية والتمييز وسمت الكيان الاميركي، ولم يتم التخلص منها على الرغم من سن بعض قوانين الحقوق المدنية (للأقليات)، بل تندلع المواجهات الدامية في مناطق الاكتظاظ السكاني بين فترة واخرى.
لم تنطلي خدعة انتخاب رئيس “اسود” البشرة على غالبية المتضررين من العنصرية والتمييز، والذين توسموا خيرا في البداية لعله يستطيع القضاء على العنصرية المتأصلة في اركان الدولة والمجتمع. لا بل امعن الرئيس “الاسود” في تطبيق سياسة التمييز ضد الوافدين من اميركا اللاتينية، بغض النظر عن معسول خطابه لادخال اصلاحات على قوانين الهجرة – واسفرت سياساته عن ترحيل اعداد كبيرة منهم بالقوة، مما افرز تقسيم مرئي للحمة العائلة الواحدة.
جدير بالذكر ان الولايات المتحدة تضم العدد الاكبر من الجمعيات والميليشيات العنصرية المتطرفة، من بين دول العالم قاطبة – ما ينوف عن 75 منظمة تنشط في الولايات الجنوبية بشكل خاص. وليس مستغربا ان تشهد اميركا ايضا اكبر حوادث العنف العنصري وجرائم الكراهية ضد السود من اصول افريقية، سيما وان معظمهم يعيش في مناطق شبه معزولة بمجملها عن الرخاء الاقتصادي ويرزح ما لا يقل عن 30% منهم تحت مستوى خط الفقر الذي حددته الدولة. ظاهرة التمييز واضطهاد السود في اميركا برزت على السطح والمنابر الاعلامية، بعد سبات قصير واوهام حول حقيقة توجهات اوباما الذي بدا عاجزا عن كبح جماح قمع الاجهزة البوليسية والسلطات المحلية في الاحداث الاخيرة.
فيرغسون البداية
الانقسامات الاجتماعية الحادة والصدام المباشر مع اجهزة الشرطة المختلفة تصاعدت وتيرتها بشكل ملحوظ في العام الحالي، ولم تكن المواجهات في مدينة فيرغسون معزولة عن هذا السياق، التي برزت على خلفية استهداف السود من قبل رجال الشرطة البيض. سبق فيرغسون عدد كبير من الحالات المشابهة، وتلاها حوادث اخرى مشابهة ايضا بفارق زمني ضئيل لا يتعدى بضعة ايام تفصلها عن بعضها.
رد اذرع المؤسسة الحاكمة جاء سريعا بتعزيز قوات الشرطة بكامل اسلحتها الميدانية ومن ضمنها العربات المدرعة، ومن ثم استباقيا باستقدام ونشر قوات الحرس الوطني بكامل عدتها للحيلولة دون اندلاع صدامات اخرى قبل نطق المحكمة قرارها.
اتسم المشهد السياسي الاميركي منذ ذلك التاريخ، 11 تشرين الثاني، بديمومة المظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية تنديدا بقرار السلك القضائي تبرئة الشرطي القاتل؛ واكبها تبرئة القضاء في مدينة نيويورك لشرطي ابيض اجهز على مواطن اسود اعزل لفظ انفاسه الاخيرة بالاختناق وهو تحت سيطرة عدد من رجال الشرطة. شرائح اجتماعية متعددة تضامنت مع الضحايا “السود،” جسدتها بالمسيرات والمظاهرات في ما لا يقل عن 24 مدينة كبرى.
شهدت مدينة بيركلي الجامعية، في ولاية كاليفورنيا، مظاهرة سلمية ازداد عديدها تباعا، وامتد الاشتباك بين الشرطة وبعض المتظاهرين الى مدينة اوكلاند المجاورة. استخدم رجال الشرطة اسلحتهم التقليدية: الهراوات وقنابل الغاز المسيل للدموع، مقابل اشعال بعض المشاركين النار في بعض حاويات القمامة وتحطيم واجهة عدد من المحلات التجارية ونهب بعضها (كما هو مبين في الصورة ادناه).
تنادى نحو 1000 متظاهر عشية اليوم التالي في بيركلي، اشتبكوا مع رجال الشرطة بالقرب من مركز الشرطة، ومن ثم اتجهوا ناحية الطريق السريع 80 لقطع حركة السير وحظر مرور قطار للركاب احتجاجا على تجاوزات الشرطة.
استنهضت المظاهرات بعض الزعماء السود التقليديين، المنتفعين من المؤسسة الحاكمة، واعلن القس آل شاربتون، المثير للجدل والمتهم بتورطه بالفساد، عن التحضير لمظاهرة ضخمة في واشنطن العاصمة والاحتجاج “ضد عنف اجهزة الشرطة،” الذي ذهب ضحيتها عدد من الشباب السود، وضد تبرئة السلك القضائي لرجال الشرطة الذين نفذوا عمليات القتل والاغتيالات.
كما انضمت الهيئة الدولية للتنديد باساليب العنف للشرطة الاميركية، وطالبت ممثل الامم المتحدة لشؤون الاقليات، ريتا آيزك، اعادة النظر بمنظومة عمل وارشادات رجال الشرطة. ونددت بقرار متطابق لمحكمتين منفصلتين اللذين “خلّفا شكوك محقة تتعلق بمنظومة الافلات من العقاب لضحايا العنف المفرط لدى العديد من افراد الافارقة الاميركيين او الاقليات الاخرى.”
تصاعد وتيرة الاضطرابات
سلسلة الاشتباكات الاخيرة مع الاجهزة الأمنية بعيدة كل البعد عن عامل الصدفة؛ اذ اشرنا اليها في شهر نيسان الماضي والمواجهات التي جرت على ارض مزرعة راعي البقر، كلايفن بندي، بين اجهزة الأمن الفيدرالية والميلشيات المسلحة التابعة لمجموعات عنصرية او يمينية متشددة من البيض.
تراجع مشاركة السود، الافارقة الاميركيين، في حملة الانتخابات الاخيرة كان جليا مرده حالة الاحباط العارمة بينهم من سياسات الرئيس اوباما وعدم وفائه بالتزاماته نحوهم. يضاف الى ذلك مشاعر الكراهية وعدم الثقة من اجهزة الشرطة بكامل منظومتها التي تكن عداءاً صارخا لحقوقهم، فضلا عن استمرار حالة تردي اوضاعهم الاقتصادية بعد ما ينوف عن 40 عاما على خطاب رمز حركة الحقوق المدنية، مارتن لوثر كينغ، الشهير “لديّ حلم” بحتمية المساواة والرخاء.
تراجع الحالة الاقتصادية بشكل عام يشكل السبب الرئيس في مناهضة “البيض” الشباب لسياسات الرئيس اوباما. وجاءت نتائج استطلاع حديث للرأي مخيبة لآمال الرئيس اوباما، اذ بلغت شعبيته بين البيض نحو 34%، بين الفئة العمرية من 18 الى 29 عاما؛ مقارنة مع نسبة شعبية مريحة بلغت 58% عام 2009 لذات الفئة العمرية من البيض. وبلغت نسبة الاحباط لحال الاقتصاد نحو 70%، مما يؤشر على امكانية تبلور حركة الاحتجاج لتشمل شرائح اجتماعية اوسع في المدى المنظور؛ اكدها رجل الاعمال الاسود الثري، راسل سيمونز، اذ حذر من تنامي الاحتجاجات ان لم يتم تلبية المطالب الشعبية بعدالة القضاء ومعاقبة رجال الشرطة المعنيين.
تنامي “وحشية اجهزة الشرطة” وباضطراد يدل على تشكيله فتيل الانفجار لاضطرابات محلية، كما شهدت عدد من كبريات المدن الاميركية. على الطرف المقابل، اي في اوساط النخب الحاكمة، يشكل امكانية انهيار الحالة الاقتصادية ذريعة اكبر لاندلاع الاحتجاجات، تقارب ما شهدته عدد من البلدان الاوروبية مثل اليونان وايطاليا.
ظهور رجال الشرطة في فيرغسون بكامل الاسلحة الميدانية العدة لخوض الحروب اثار نزعة غضب متأخرة لدى بعض اعضاء مجلس الشيوخ في لجنة الأمن الداخلي. وبدأ مسار كشف عيوب برنامج التسليح لاجهزة الشرطة من قبل ممثلين سنّوا قانونا بهذا الشأن قبل مدة يجيز تسليم البنتاغون اسلحة وذخيرة فائضة عن حاجتها لاجهزة الشرطة الداخلية، منها عربات عسكرية مدرعة مقاومة للالغام.
حجم المعدات الحديثة المخصصة “لتدريع” اجهزة الشرطة المحلية تقدر كلفتها 4.3 مليار دولار، دخلت الخدمة في عدد كبير من اجهزة الشرطة المحلية، مما حفز الادارة الاميركية اطلاق حملة لاعادة النظر بنظام “التدريع،” عقب الاشتباكات الاخيرة في فيرغسون وما بعدها.
تشريع “تسليح وتدريع” اجهزة الشرطة، في فيرغسون وغيرها، جاء ثمرة لقانون الدفاع المدني في تسعينيات القرن الماضي، يعرف ببرنامج 1033 الفيدرالي؛ اضافة للمنح المالية التي تقدمها وزارة الأمن الداخلي للولايات، مما اسفر عن دخول معدات حربية لتلك الاجهزة تضمنت: اسلحة رشاشة، ذخيرة متعددة العيارات، معدات للرؤية الليلية، طائرات من دون طيار، عربات مدرعة، البسة مرقطة، قاذفات قنابل – والتي استخدمت بوفرة في مدينة فيرغسون، ومسدسات كاتمة للصوت.
في عهد الرئيس الاسبق بيل كلينتون، تحملت وزارة العدل بالشراكة مع البنتاغون كلفة تحديث التقنيات العسكرية لاجهزة الشرطة الداخلية، والتي واجهت مقاومة من عدد من منظمات الدفاع عن الحقوق المدنية.
بلغ حجم “المنح المالية” التي تسلمتها اجهزة الأمن المحلية ما ينوف عن 34 مليار دولار، منذ حوادث اعتداءات 11 ايلول 2001؛ مما حفز “آلاف اجهزة الشرطة المحلية على طول الاراضي الاميركية الاسراف في شراء ما تحتاجه من معدات واجهزة تسدد قيمتها الدولة المركزية.”
اما حجم ميزانية وزارة الأمن الداخلي للانفاق على تعزيز الأمن القومي فقد بلغ 75 مليار دولار عام 2011، ذهب جزء لا بأس به من تلك الاموال ضحية فساد غير معلن. على سبيل المثال، تحملت الوزارة مبلغ 750،000 دولار لانشاء “حاجز مضاد للارهاب،” ليتبين لاحقا ان الحاجز تم بناءه في محيط مستشفى عسكري في ولاية نورت كارولينا؛ ايضا تحملت كلفة توفير معدات اتصال حديثة بلغت قيمتها 557،400 دولار “فاز بها نحو 1،500 مواطن في القطب المتجمد الشمالي.”
تنفق الحكومة المركزية ما لا يقل عن مليار دولار سنويا نفقات “تدريع” اجهزة الشرطة المحلية المتعددة، وفق ما صرحت به السيناتور الديموقراطية عن ولاية ميزوري كلير ماكاسكيل. ماكاسكيل انتقدت البنتاغون بشدة لعدم اتباعها اجراءات الشفافية والمساءلة المعتمدة، وقالت في جلسة عامة “يا الهي، كيف باستطاعة اي فرد وصف كلفة البرنامج (1033) الباهظة بأنه خطأ غير مقصود؟“
على صعيد “وحشية اجهزة الشرطة،” تجدر الاشارة الى دراسة صدرت عن المعهد الاستراتيجي في الكلية الحربية الاميركية، عام 2008، تحذر من امكانية اندلاع اضطرابات مدنية ضخمة نتيجة سلسلة من الازمات، اطلقت عليها “الصدمة الاستراتيجية.”
الميليشيات المسلحة
يعج المشهد الاميركي بمجموعات مسلحة شبه منظمة واخرى تقنية تتربص للاشتباك مع اجهزة الشرطة، البعض منها يحفزه الامل في اشعال فتيل ثورة محلية، وفق ادراكهم الخاص للثورة.
من بين المنظمات التقنية مجموعة “انونيموس” المتخصصة باختراق اجهزة الكمبيوتر والذين يستهدفون الاجهزة الأمنية والحكومية ومواقع الكترونية تخص الشركات الكبرى. المجموعة لا تتبع فكر سياسي محدد، وينطبق عليها صفة الفوضوية. احد ضحاياها كان الموقع الالكتروني لجهاز شرطة مدينة اوكلاند بكاليفورنيا، في الفترة الاخيرة.
مجموعات اخرى تختص بالحاق الضرر بالاملاك العامة، ويشتبه في مسؤوليتها عن اشعال النيران في منطقة من مدينة لوس انجليس بالتزامن مع الاحتجاجات المدنية، مما تتطلب تدخل نحو 250 فرد من جهاز اطفاء الحرائق، ولحق الضرر عدد من المباني في الوسط التجاري للمدينة. وصف مسؤولو اطفاء الحرائق الضرر المتسبب في احدى البنايات المكونة من 14 طابقا بان ثلاثة منها تضررت بفعل “الحرارة الاشعاعية،” والباقي لحقه الضرر من تفجر انابيب المياه.
على الجانب المقابل، يتواجد عدد من المنظمات اليسارية والعقائدية والتي يعتقد انها تسخر امكانياتها لدعم وتأييد الاحتجاجات، والمشاركة الفعلية فيها. ونقلت صحيفة “نيويورك ديلي نيوز” المحافظة ادعاءات جهاز شرطة المدينة بانه رصد عناصر تنتمي لمنظمة متطرفة “العائلة السوداء الغوارية،” تهدد باطلاق النار على رجال الشرطة. يذكر ان منظمة بهذا الاسم برزت في عقد الستينيات من القرن الماضي، تستلهم افكار القادة السود الوطنيين، وعلى رأسهم ماركوس غارفي، تلتزم فكريا بالماركسية الثورية للافارقة الاميركيين، اعضاؤها من نزلاء السجون الاميركية.
المنظمة الأهم والتي ذاع صيتها في تلك الفترة هي منظمة “الفهود السود الجديدة” التي اعادت تشكيلها بعد مقتل وسجن وملاحقة عدد من اعضائها وقادتها. اتهمت اجهزة الشرطة في ميزوري المنظمة بالتحضير لتفجير احد اهم معالم المدينة، قوس سانت لويس، واغتيال كل من رئيس جهاز الشرطة والمدعي العام في مدينة فيرغسون.
من بين المنظمات العقائدية برز “الحزب الشيوعي الثوري” في صلب احتجاجات فيرغسون، مما دعى مراسل الصحيفة المحلية، بول هامبيل، نشر تغريدة على حسابه الشخصي يزعم فيها تصدر اعضاء الحزب الشيوعي احدى المظاهرات الليلية وقاموا بتوزيع نشراتهم الحزبية التي تطالب “بحل شيوعي لتحطيم الشرطة العنصرية.”
مجموعات اخرى متباعدة فكريا ومتباينة في الاهداف شاركت مؤقتا في تظاهرات مدينة بورتلاند بولاية اوريغون؛ وبثت شبكة (سي بي اس) للتلفزة نبأ يرصد مجموعة هامشية من المتظاهرين هناك، غطت وجوهها بمناديل سوداء كبيرة تنادي باستخدام العنف والاشتباك المباشر مع افراد الشرطة. تجدر الاشارة الى ان تلك البلدة تعد مسقط رأس حركة “الاحتلال” ضد البنك الدولي. كما شاركت مجموعة هامشية اخرى “محاربين قدامى يدعون للسلام،” تتبنى الفكر الشيوعي وتطالب باسقاط النظام الرأسمالي؛ جنبا الى جنب مع مجموعة تدعم قيام دولة فلسطينية.
ويزعم البعض رصد محاولات للدولة الاسلامية لتجنيد منتسبين لها من ضمن صفوف المحتجين.
وسائل الاعلام الكبرى نشرت خبرا من فيرغسون مفاده “وجود احد كبار قادة منظمة احتلوا وول ستريت، الملقبة باستاذة او عرّابة حركة الاحتلال ليسا فيثيان، تشرف على تدريب المتظاهرين في “محاكاة الفوضى.” “
المنظمات اليمينية ايضا سعت لاستغلال اجواء التظاهرات كفرصة تجدد وجودها بعد التغطية التي نالتها في مواجهة الشرطة الفيدرالية على اراضي مزرعة كلايفين بندي، واستغلالها لاعادة احياء امجاد “معركة بنكرفيل،” القرية القريبة من المزرعة.
بعض اعضاء تلك الميليشيات يقوم بمهمة حماية المحلات التجارية، ابرزها عناصر منظمة “الولاء للقسم،” الذين شوهدوا باسلحتهم في الوسط التجاري من مدينة فيرغسون.
يُجمع القطبين المتناقضين على الاعداد لاطلاق شرارة الاحتجاجات الجماهيرية وتطويرها لمرحلة الثورة الشاملة، اذ تتناقض قناعاتهم مع شروط اطلاق الثورة التي رسمها لينين قائلا باستحالة قيام الثورة دون اوضاع ثورية، فضلا عن ان ليست كل الاوضاع الثورية تفضي الى اندلاع الثورة.
بعض الاحصائيات
للتعرف بدقة على الاوضاع المزرية التي يعاني منها الافارقة الاميركيين، نورد بعض الاحصائيات الرسمية، بعض منها اورده الصحافي الايطالي جوفاني ماورو، استقاها من مكتب الاحصاء الاميركي، المركز الفيدرالي لاحصاء التعليم، مكتب الولايات المتحدة للاحصاءات العادة، والمركز الفيدرالي لاحصاءات العمل.
يشكل السود نسبة 13% من سكان الولايات المتحدة، ولم يطرأ عليها اي تغيير يذكر منذ عام 1980.
37% من الاطفال السود يعيشون تحت معدلات الفقر، مقابل 10% للاطفال البيض.
عدد السود العاطلين عن العمل يبلغ ثلاثة اضعاف معدل العاطلين البيض.
عدد خريجي الجامعات السود العاطلين عن العمل هو ضعف العدد بين البيض.
10% من الشباب السود يرزح خلف قضبان السجن.
37% من المعتقلين بتهمة الاتجار بالمخدرات هم من السود.
57% من نزلاء سجون الولايات بتهم المخدرات هم من السود
32% من المواليد السود منذ عام 2001 ستتعرض لدخول السجن بتهمة ما او باخرى، مقابل نسبة 6% من البيض.
الاحكام القضائية الموجهة للسود تفوق الاحكام على البيض بنسبة 20%.
تزعم “منظمة فرسان الامبراطورية الجديدة” الاميركية العنصرية ان 90% من معدلات الجريمة يرتكبها السود.
يشكل السود نسبة 67% من سكان مدينة فيرغسون،
94% من رجال شرطة فيرغسون هم من البيض.
نسبة عداء الاميركيين للسود بلغت 51% عام 2012، وهي في تصاعد مخيف.
2- تقرير مجلس الشيوخ حول التعذيب
جدل سياسي طويل واعتبارات حزبية رافقت اصدار مجلس الشيوخ ملخص تقرير حول وسائل التعذيب التي اتبعتها وكالة الاستخبارات الاميركية “منتهكة القوانين الاميركية التي تحرم التعذيب.” الملخص جاء بحجم 525 صفحة منقحة ومزيدة ومغربلة، اما التقرير الاصلي فيبلغ حجمه نحو 6،700 صفحة توثق منهجية التعذيب عقب غزو واحتلال العراق، بقي حبيس الادراج. اعداد التقرير استغرق نحو 5 سنوات طالت عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن، بلغت كلفته 40 مليون دولار.
استثنى التقرير ولاية الرئيس اوباما من المسؤولية مما يوحي ان ادارته اقلعت عن ممارسة التعذيب، الأمر الذي ينافي الحقيقة ابرزها ما زال يجري من ممارسات شبيهة في معتقل غوانتانامو فضلا عن السجون الاميركية في افغانستان والاغتيالات بطائرات الدرونز. ادارة الرئيس اوباما ملزمة قانونيا بمقاضاة المسؤولين عن التعذيب، لكنها لم تفعل ولن تفعل، وفق المعاهدات الدولية، لا سيما “اتفاقية مناهضة التعذيب” التي وقعتها وصادقت عليها عام 1994.
ساد اعتقاد قبل اصدار التقرير بلغ حد الاجماع مفاده ان ممارسة التعذيب كان سياسة اميركية رسمية ابان عهد الرئيس السابق. اوضح التقرير المنقح والمعد بدقة حجم الممارسات البشعة التي مارسها الاميركيون، كبارا وصغارا في سلم هرم المسؤولية، وذلك بالرغم مما تعرض له من فحص وتدقيق والغاء واخفاء للهويات الرسمية، محملا وكالة الاستخبارات المركزية المسؤولية الكاملة لتداعيات الكشف عن خرقها للقوانين الاميركية والدولية، كما يفضل البعض.
بداية لا يهمنا تكرار سرد ما رشح من ممارسات مقيتة ومخزية بحق البشرية جمعاء، ونترفع عن استخدام مفردات ومشاهد التعذيب القاسية والمروعة والمخلة بالكرامة الانسانية. بل الكشف عن بعض الملابسات السياسية والتداعيات المرتقبة لما بعد اليوم التالي، والاكتفاء باقرار فريق اعداد التقرير من كبار المسؤولين الاميركيين بأن وكالة الاستخبارات المركزية مارست الكذب والمراوغة والتضليل لكافة الجهود الرامية للكشف عن “سياسة التعذيب الرسمية.” اذ قال السيناتور الديموقراطي عن ولاية كولورادو، مارك يودال، بصريح العبارة ان “وكالة الاستخبارات المركزية تكذب،” في جلسة رسمية لمجلس الشيوخ. ونضيف، ان معدي التقرير يكذبون ايضا.
يتضح من التقرير انه يقلع عن تحميل المسؤولية لأي من الرسميين في الهرم السياسي، البيت الابيض والكونغرس، على الرغم من تأكيده على اطلاع الوكالة لقادة الكونغرس على “وسائل التحقيق المتبعة” فيما لا يقل عن 30 جلسة خاصة، شارك فيها رئيسة لجنة الاستخبارات دايان فاينستاين ورئيسة مجلس النواب آنذاك نانسي بيلوسي، خاصة الجلسة السرية المعقودة بتاريخ 15 آذار 2005 حضرتها فاينستاين لبحث مسألة التعذيب.
تعدد وسائل التعذيب المذكورة بالتفصيل رافقها تعدد الايحاءات واساليب تضليل القاريء والعامة على السواء. حرصت الوكالة المركزية على عدم الصاق تهمة التعذيب بها، واستبدلتها بتعبير ملطف “تقنيات الاستجواب المعززة،” يجري تداوله بشكل واسع ايحاءا بأن الوكالة تقوم باستجواب المشتبه بهم ولا تمارس التعذيب بحقهم.
كشف النقاب عن مراكز التعذيب الموزعة على عدد من الدول التابعة للولايات المتحدة، عربية واجنبية، لم يضيف شيئا جديدا للمنظومة المعرفية، خاصة وان “الاردن” تحديدا يلبي كل ما يطلب منه، وجهوزيته لانشاء قواعد عسكرية اميركية عند الطلب. دلالة على ذلك ما نقله الصحافي الشهير بوب وودوورد عن مدير وكالة الاستخبارات المركزية، جورج تينيت، في كتابه “حالة انكار.” اذ قال تينيت لمرؤوسيه في البيت الابيض “نحن انشأنا جهاز المخابرات (الاردنية) العامة، والآن هو في قبضتنا” (او مُلكنا) .
ورد في التقرير مسألة غاية في الاهمية تتعلق بزوج من الاخصائيين في علم النفس، متعاقديْن مع الوكالة المركزية، بروس جيسين وجيم ميتشيل، قيمته 80 مليون دولار، اقتتصرت مهمتهما على بلورة برنامج متكامل لسبل التحقيق مع المشتبه بهم “للاعتراف بالتهم بالاكراه،” على رأسها التعذيب “بالحرمان من النوم لفترات زمنية طويلة .. والايهام بالغرق.” وشارك الثنائي مباشرة في احدى جلسات استجواب المتهم “ابو زبيدة،” عام 2002.
تم الكشف عن خطورة دور ذاك الثنائي من قبل الصحافي الشهير جيمس رايزن، في كتابه بعنوان “ادفع اي ثمن: الجشع والسلطة والحرب اللامتناهية،” والذي يواجه حكما قضائيا بالسجن لعدم افصاحه عن مصادره. تعززت الاهمية اثناء اعداد التقرير بين ايديكم اذ “فجأة” اصدرت المحكمة قرارها ببطلان الدعوى الحكومية المرفوعة ضد رايزن، 12 كانون الاول، ويرجح نشر التقرير الرسمي الذي يحدد هوية الثنائي اخصائي التعذيب كحافز للقرار.
في الساعات القليلة عقب صدور التقرير، اصدرت “الجمعية الاميركية للطب النفسي” بيانا عاجلا تنفي فيه عضوية الثنائي المذكور. الجمعية متطورة في التعامل مع الوكالة المركزية في عدة مستويات، مما حفز مجلس ادارتها على تعيين محقق خاص، الشهر الماضي، للنظر باتهامات تواطؤ الجمعية مع وكالة الاستخبارات والبنتاغون وتأييد “الحرب على الارهاب” ومراكز التعذيب المنتشرة حول العالم.
اصدرت ادارة الرئيس اوباما عام 2009 قرارا باغلاق مراكز الاعتقال والغاء برنامج التحقيق التابع للوكالة المركزية، واكبه انشاء “فريق استجواب المعتقلين ذو قيمة عالية،” تضمن ممثلين عن مختلف الاجهزة الاستخبارية والأمنية، تحت اشراف مجلس الأمن القومي. لا يزال معتقل غوانتانامو قائما، ورفض الكونغرس تنفيذ قرار الرئيس. نسوق ذلك للدلالة على حجم المراوغة والتضليل الرسمي المتبع في المؤسسة الحاكمة.
في الماضي القريب، شكل مجلس الشيوخ الاميركي لجنة تحقيق برئاسة السيناتور فرانك تشيرتش، عن ولاية آيداهو، عام 1975 للنظر بمسؤولية وكالة الاستخبارات المركزية عن عمليات الاغتيال عبر العالم، لا سيما في اميركا اللاتينية آنذاك، وتجسس الاجهزة الأمنية على المواطنين الاميركيي دون الحخصول على قرار قضائي مسبق.
نال تشيرتش اهتماما اعلاميا فريدا آنذاك رفع من اسهمه السياسية، كما هو الحال الراهن مع السيناتور دايان فاينستاين. قدمت لجنة تشيرتش توصيات تقضي بتجريم الوكالة وانهاء برامج اغتيالاتها، والاقلاع عن التجسس داخل الولايات المتحدة. استمر الوضع الى ان كشف ادوارد سنودن عن تجاوزات وانتهاكات خطيرة تقوم بها وكالة الأمن القومي، التي لم يعرف عدد كبير من ممثلي الكونغرس وجودها في تلك الاثناء.
الدور “الاسرائيلي” في برامج التعذيب الاميركية
جاء في التقرير الرسمي ان وكالة الاستخبارات المركزية استندت الى التبرير القانوني “لاسرائيل” الذي يتيح استخدام سبل التعذيب، دل عليه مذكرة صادرة عن فريق الادعاء العام للوكالة تشير بوضوح الى “النموذج الاسرائيلي .. كمبرر قانوني” لممارسة التعذيب.
الصحف “الاسرائيلية،” من بينها “هآرتس،” اشادت باستناد الوكالة الى قرار “المحكمة الاسرائيلية العليا” بمنع التعذيب واجازته في حالات محددة. النموذج “الاسرائيلي” المذكور يشير الى جملة من التوصيات قدمتها لجنة لانداو عام 1987 تتيح احداها لاجهزة الشرطة والأمن “الاسرائيلية استخدام ضغوط بدنية معتدلة” ضد المعتقل. اقرت المحكمة العليا “بجواز استخدام عدد من اساليب (الاستجواب)، لكنها تستدعي تبرير قانوني بشكل ما.”
تفاخر “اسرائيل” والتعاليم التلمودية بانها منارة مشعة بين دول العالم، بيد ان تقنين التعذيب يقوض مصداقية ادعاءاتها؛ اما وكالة الاستخبارات المركزية فلم تكن بحاجة للاشارة الى “النموذج الاسرائيلي” كونها مارست وتمارس وقد تنخرط في اساليب تعذيب متعددة، كما يشهد عليها سجلها الدموي عبر العالم.