الباقة الفضائية الموحدة ممكنة
غالب قنديل
لا يتسع المجال في مقال واحد لتغطية وبحث وجوه الفوضى والخلل والتمادي في خرق القوانين على صعيد الإعلام المرئي والمسموع لكن تهديدا سافرا للتنوع والتعدد الذي هو ميزة الرسالة الإعلامية اللبنانية على علاتها وعيوبها ظهر مع قرار شركة عربسات حجب بث قناة المنار ومن بعدها جاء قرار شركة نايل سات بنتيجة ضغوط سعودية مكثفة وبدا واضحا للدوائر السياسية والإعلامية في لبنان ان الخطوتين قد لاتقفان عند قناة المنار طالما ان الذرائع التي عرضت لتبرير القرارين قدمت معيارا للتعامل مع المحتوى الإعلامي تتعدى نتائجه المنار إلى سواها فقد تم تبرير وقف البث بأخبار وتقارير إخبارية كشف اعتبارها مبررا كافيا لحجب القناة عن خطر يتهدد جميع القنوات اللبنانية .
حين يعتبر بث خبر عن تصريح لمرشح رئاسي اميركي ينتقد دولة عربية أوتقرير منقول عن صحيفة سعودية يتناول لبنان واوضاعه الأمنية وسوى ذلك من مواد إخبارية تعتبر اقل من عادية في غرف التحرير اللبنانية سببا كافيا لوقف البث الفضائي بقرار تتخذه شركة الأقمار تصبح الغاية السافرة هي تعقيم الإعلام اللبناني وتنميطه ونزع ميزته السياسية والثقافية لإلحاقه بالإعلام الترويجي الناطق بلسان مجموعة حكومات تقودها المملكة السعودية التي باتت أقل احتمالا لأي انتقاد او رأي مخالف من أي وقت مضى وتشهر ما بيديها من نفوذ مالي وسياسي وامني لإلغاء الهوامش الفضائية التي تعايشت معها لسنوات طويلة في الفضاء العربي.
فكرة ان الإعلام اللبناني مرفق سيادي يفترض بالدولة اللبنانية ان تقدم له الحماية ليست من اختراع المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع الذي واجه بها سابقا وبصورة رسمية عندما وقع الاعتداء على حرية الإعلام بواسطة ادعاء المحكمة الدولية على قناة الجديد وجريدة الأخبار بل إن تلك الفكرة هي العرف القانوني الذي تعمل به سائر الدول التي تتمسك بخضوع إعلامها للقوانين الوطنية وللمرجعيات المنبثقة عنها وحيث تفرض تلك الدول على أي جهة في العالم سلوك الطرق المحددة في القوانين الوطنية للاعتراض او الشكوى من أي وسيلة إعلامية وحتى في قلب المجموعة العربية سبق ان رفضت أكثر من دولة عربية التعامل مع قنواتها ومنابرها الإعلامية دون الرجوع إليها في التعامل مع الشكاوى وهذا ما لم يحصل في الحالة اللبنانية بفعل تراخي السلطات المتعاقبة في هذا الشان السيادي بحجة ان العلاقة التعاقدية بين القنوات وشركات الأقمار هي شان ثنائي يعامل في إطاره أي نزاع باعتباره خلافا بين شريكين تجاريين وهنا تجاوز لمبدأ المرفق السيادي الذي هو مسؤولية الدولة اللبنانية دون سواها.
هذه الفكرة التي طرحها المجلس مجددا عند وقف بث قناة المنار على النايل سات تجد تعبيرها العملي والقانوني في حجز حيز للبث الفضائي على قمر صناعي لتحميل باقة تضم جميع القنوات اللبنانية وبعقد مباشر مع الدولة اللبنانية ممثلة بمجلس الوزراء او من يفوضه بذلك وعندما طرحت الفكرة لاقت ترحيبا من المؤسسات الإعلامية اللبنانية التي وجدت فيها حصانة وحماية قانونية من استنساب الحكومات وشركات الأقمار العربية والأجنبية على السواء.
دارت مباحثات لبنانية مباشرة مع شركة نايل سات منذ وقف بث المنار وتوقف محطة جورة البلوط عن العمل وقد تبين عمليا ان العودة إلى الوضع السابق دونها عقبة استمرار الضغوط السياسية الكثيفة على الجانب المصري لمنع عودة بث المنار وظهرت فرصة جدية لحجز حيز للبث على القمر يحمل الباقة التلفزيونية اللبنانية الموحدة وقد تبين عند مناقشة التفاصيل أمران :
اولا الكلفة الفعلية لحجز حيز البث المطلوب على القمر الصناعي سقفها ثلاثة ملايين دولار في السنة يمكن للحكومة ان تتقاسمها مع المؤسسات ولاشيء يمنع ان تدفع الدولة مثل هذه الكلفة لحماية نطاق سيادي ولتحصين حرية الإعلام اللبناني فهذا استثمار له جدوى.
ثانيا خلال المباحثات التي جرت مع شركة الأقمار المصرية لاقت فكرة الباقة اللبنانية الموحدة ترحيبا واعتبرت مخرجا لائقا لاحتواء الضغوط السابقة او اللاحقة بحيث يصبح التعامل مع أي شكوى من خلال الجهات الحكومية اللبنانية أي وزارة الإعلام والمجلس الوطني للمرئي والمسموع.
في الخلاصة إن تحقيق فكرة الباقة اللبنانية الموحدة يتطلب اتخاذ قرار في مجلس الوزراء ومن المتاح عمليا بعد ذلك التفاوض لبث الباقة على القمر الروسي والمصري وأي من الأقمار الأوروبية التي تغطي المنطقة العربية وكذلك لاحقا على أقمار تطال في بثها المغتربات اللبنانية في العالم.
الباقة اللبنانية الفضائية يمكن ان تكون قابلة للتوسع بضم بعض القنوات السياسية وغير السياسية التي تبث من لبنان وهي تشكل مساحة من التنوع تغري شركات الأقمار الراغبة بتوسيع نطاق انتشارها في صفوف المشاهدين العرب .